أخباركلمة النقابة

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة

رحم اللـه شهداء الصحافة في كل مكان ..  ومزيدا من الصبر لعائلاتهم وذويهم .. وليفك اللـه أسر واختطاف من فقدوا منهم حريتهم الشخصية في ساحات الحروب، وبؤر التوتر والمظاهرات، والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية .. لأنه، ليس هناك من يدفع فاتورة الحروب والإرهاب والقمع في هذا الزمن الرديء، سوى الصحافيين، الذين وصل التعاطي معهم إلى درجة الذبح أمام الملأ، وأمام كاميرات التلفزيون والهاتف المحمول، مع أن هؤلاء مجرد شهود على هذه الأحداث والمواقف، ولاشك أن الجميع يعلم أنه ليس هناك من يكون وقودا وحطبا لهذه الحروب، سوى الصحافيين، الذين يغامرون بحياتهم من أجل تغطية هذه الوقائع لصالح وكالات الأنباء والفضائيات والمؤسسات الصحفية، التي تنتدبهم لذلك .. في الوقت الذي لا يتحملون مسؤولية إثارتها أو إشعالها أو التحريض عليها

 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة لسنة 2021، لهؤلاء جميعا من النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أجهزة ومنخرطين التحية والتقدير، وللموتى منهم، الذين فارقونا إلى الأبد الرحمة والمغفرة، والتضامن المطلق مع من لا يزالون رهن الاختطاف والاعتقال في كل مكان من العالم حتى الآن، في سبيل تزويدنا بالخبر والتحليل أو تغطية مايقع، ثمنا لحرية التعبير، التي يخشاها أعداء الديمقراطية والسلم والأمن والعدالة في العالم، ولا يرغبون في أن يعيش في فضائها غيرهم .. خصوصا، الإعلاميون والصحافيون، الذين لا يتأخرون في فضح الأطراف المعنية بالحروب والجريمة المنظمة، والقهر السياسي والاقتصادي والفساد المستشري في أي مكان، حتى دون أن تكون لهم مصالح ومكاسب من هذه التغطية الإعلامية، التي ترفع من مستوى وعي الناس، وبدون أن يستحضر هذا الإعلامي والصحافي مخاطر مغامرته، التي لا تتوفر له فيها كافة الاحتياطات من قبل الأطراف المعنية بهذه القضايا، التي يتابعها مباشرة

 كم هي الحالات التي يجد فيها الصحفي نفسه مستهدفا دون أن تكون هناك مبررات لذلك، ولا يختلف الاستهداف بين المجتمعات الراقية أو المتخلفة، فلا يزال الصحفي والإعلامي عموما إلى الآن، غير مرغوب فيه، في التغطية والإخبار والتعليق عن المواضيع الساخنة، وهناك من الأجهزة المتعددة التي تشعر بالضيق والغضب، حينما يكون الصحفي متابعا لسلوكاتها ومواقفها، وقد ينجح بعضها في ترويضه وتسخيره لنقل ما يتناسب معها، ونعرف جيدا أن الصحافيين في سبيل أن يصلنا منتوج عملهم على الوجه المطلوب، يواجهون ما لا يتصور من إكراهات ومضايقات، وفي أحيان أخرى تجاوزات في المناطق المعنية بذلك .. ولكن، لا  يكترثون حتى لو كان الثمن حياتهم، كما حدث لهذا الطابور من الضحايا الصحافيين

كم هي الأرواح البريئة من الصحافيين المطاردين في حريتهم الشخصية، من لدن دول الغرب مؤخرا، وغيرهم المعتقلون في سجون الدول المستبدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، الذين يؤدون ضريبة القيام بالواجب الصحفي المهني في هذه الدول، ولا ننسى الغرب المتقدم نفسه، الذي يمارس نفس السلوكات على الصحافيين، الذين لا يزال بعضهم مطاردا في أمريكا، دون أن نتحدث عن التاريخ الأسود للصحافيين في أوروبا قبل التحولات الديمقراطية، التي تعيش فيها الآن، حينما كانت حرية الرأي على رأس القضايا الكبرى، التي كانت شعوب أوروبا الغربية تعاني منها، في ظل الأنظمة القمعية، ولا يزال اختطاف الإعلاميين والصحافيين مباحا في الدول الرأسمالية الغربية حتى اليوم، وعبر آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية .. وفي العالمين الإسلامي والعربي، ليس وضع الصحافيين بأفضل من ما يوجد عليه في غيرهما، ويكفي أننا في المغرب، لا زلنا نناضل من أجل إلغاء المتابعات القضائية على الصحافيين، وتوسيع مساحة هامش الحرية المتاح حتى الآن، ونتطلع أن نحقق التقدم في مجال الحريات العامة

ها نحن اليوم، في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نطرح القضية للنقاش العمومي الوطني والعالمي، على إثر هذا الارتفاع المهول لضحايا القتل والاعتقال في صفوف الصحافيين، دون غيرهم، مع أن هؤلاء لا يتحملون مسؤولية الأحداث والقضايا والنزاعات، التي يغطونها في مراسلاتهم الصحفية المكتوبة أو الإذاعية أو التلفزيونية، لأن ما أصبح يتعرض له الصحافيون في العالم من إهانة واختطاف واعتقال، وتصفية جسدية بربرية وهمجية، يدعونا جميعا إلى سرعة التحرك ضد خصوم الصحافيين، الذين يعرفون عن قرب مدى ما يعانيه هؤلاء من أجل الوصول إلى المعلومة، ونشر الخبر وفضح الفساد والاستبداد والإجرام .. ورغم ذلك، لا يوفرون لممارسي مهنة المتاعب أدنى الشروط والظروف التي تمكنهم من أداء مهامهم على الوجه المطلوب، باستثناء الذين يسبحون ضد التيار، ويمارسون صحافة الارتزاق، والدعاية المأجورة لمن يدفع أكثر، ولمن يمارسون السلوكات الإجرامية التي تضر بشرعية و وقار مهنة صاحبة الجلالة، التي لا غنى عنها من أجل تحصين حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الإنسانية الحقة لأي مجتمع قطري، فبالأحرى بالنسبة للمجتمع الإنساني

لهذا، فإن في هذه الجرائم التي ترتكب في حق الصحافيين ما يستدعي أكثر لتنظيم حملات الاستنكار والاحتجاج، وهذا يدفعنا لطرح الأسئلة التالية:

 هل الصحافيون أصبحوا فعلا وقودا رخيصا لمن يبحثون عن الشهرة السياسية والعسكرية والدينية في عالمنا اليوم ..؟

وهل هؤلاء الصحافيين الذين يدفعون فاتورة النزاعات والاضطرابات والتجاوزات أصبحوا بالفعل القرابين الرخيصة لمثيري هذه الحروب السياسية والجنائية والدينية في العالم في الوقت الراهن ..؟

وهل حكم على الصحافيين عبر تاريخ مهنة المتاعب أن يكونوا في مقدمة الشهداء، والضحايا في بؤر التوتر والاستبداد والصراعات الطائفية ..؟

 إنها الأسئلة التي نوجهها من خلال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة إلى كل الذين يناورون على حقوق الإنسان، والحرية والديمقراطية واستقلال الشعوب .. وإلى كل الذين يجدون المتعة واللذة في قهر الصحافيين .. وإلى كل الذين يتهمون الصحافيين بدون حجج بخيانة الأمانة، وخرق أخلاقيات المهنة في أي مكان .. !

وليعلم خصوم الصحافيين في كل قنوات الإعلام، أن هؤلاء ماضون على النهج التحرري والتنويري والإخباري، الذي يوجه عملهم، مهما كانت التكلفة والضريبة، وأن قدرهم أن يكونوا في المقدمة، وفي المعركة، وفي المواجهة، دفاعا عن القيم الإنسانية، وعن ضحايا القمع والاستغلال والظلم في أي مكان من عالمنا المستباح من القوى الظلامية والاستعمارية، ولن يتأخروا عن المشاركة في القيام بالواجب المهني، حتى وإن لم تتوفر لهم شروطه الدنيا، وتلك هي رسالة الممارسة المهنية الشريفة والثورية والحضارية، التي يجب أن يستحضرها الصحافيون دائما، حتى وإن كانوا اليوم في طليعة من يدفع الثمن، نيابة عن الضحايا أفرادا أو شعوبا أو طبقات

إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، واعون بخطورة الظروف التي يشتغل فيها الصحافيون، سواء في تغطية الحروب أو الأحداث أو المظاهرات، أو الإضرابات أو الوقفات الاحتجاجية السلمية في العالم أجمع، لهذا ننبههم لاتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة، حتى لا يتعرضوا لما يهدد حريتهم وحياتهم وعملهم، لأن شرف المغامرة الصحفية ونبلها يفرض نفسه على الممارس لمهنة المتاعب، حتى وإن كان على علم بأدق التفاصيل والمعلومات حول مجال اشتغاله ومغامراته

وفي الختام، ليس أمامنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إلا الإعلان الصريح عن احتجاجنا على ما يتعرض له الصحافيون المهنيون في كل بقاع هذه الدنيا، ولن نتوقف عن المطالبة بحماية الصحافيين وتحصينهم من ردود الفعل، التي يفقد الكثير منهم حريته وحياته، نتيجة التجاوزات من قبل الدول والشركات والحركات الإرهابية، وما أكثرها الأحداث التي تؤكد على ذلك .. والأمل كبير في يقظة الصحافيين، وكل الأطراف المعنية بحقوق الإنسان، والأحزاب والنقابات في الدفاع اللامشروط عن الحق في العمل والحياة والحركة بالنسبة لجميع الصحافيين في جميع أنحاء العالم المعاصر، كما نطالب بالحماية الشخصية والمهنية لجميع الصحافيين، وندعو إلى تعبئة كل الشرفاء والضمائر الحية، والإرادات الخيرة في مجتمعنا الإنساني، إلى الإسراع باتخاذ كل القوانين والتشريعات والوسائل، التي تصون حياة وحرية خدام مهنة المتاعب من هذه الممارسات الشاذة والبربرية القمعية، التي يتعرضون لها .. ولنا اليقين في إمكانية حدوث ذلك، ونثير انتباه جميع الصحافيين، إلى توخي الحذر واليقظة مما يحاك لهم في المناطق التي يشتغلون فيها، ونؤكد لهم تضامننا المطلق واللامشروط معهم في كل المحن التي يتعرضون لها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق