مختارات و طرائف

قصة واقعية : مدارس خصوصية ..!

 

ECOLE PRIVEE

 

طانطان / حمادا ماءالعينين

متجها كعادته في سيارته المرسيدس بمعية أخته وأمه وابنه المهدي ،البالغ من العمر العشر سنوات ونصف آنذاك، نحو الشاطئ حيت يحلو السهر أيام الصيف، وتحلو معه النزهة وشرب الشاي مع العائلة ،نعم انه شاطئ الوطية الذي يبعد عن الطانطان بخمسة وعشرون كيلومترا، فهناك من لاتسمح له ظروف العمل بالتخييم أو شئ من هذا القبيل،ونظرا لقرب المسافة يقوم بالترويح عن نفسه والعائلة بالذهاب مساءا للهروب من صخب المدينة وحر الطقس، والجلوس في جو رومانسى لايخلو من السمرة والضباب المتردد إلا أن دفئ الجلسة وشرب كؤوس متتالية من الشاي طبعا،قبالة البحر، والامواج بين مد وجزر تتلألأ بضوء القمر، ورؤية مصابيح مراكب الصيد والسفن التجارية ،تنير جوف البحر وهي تشق الأمواج تاركة مسارها بالبياض على زرقة الماء، كأنه حلزون يزحف في البراري مخلفا آثاره على أوراق الشجر،كل هذه الأجواء والمناظر تستحق من بوجمعة أن يضحي بقليل من وقته لأجل العائلة، رغم ظغوطات العمل ومشقة الرحلة ذهابا وإيابا، والاستيقاظ باكرا عكس المهدي الذي سيستيقظ متأخرا بحكم أنه في عطلة،وحاصل على معدل لابأس به الأمر يستحق.
نعم، فبوجمعة لاحديث له إلا عن ابنه المهدي وافتخاره به أمام أقرانه فهو يدرس بمؤسسة خاصة بسومة سبعمائة درهما للشهر وهي لاتهم بوجمعة في شئ، المال لايمكن أن يقارنه بوجمعة بمستقبل وتلقين ابنه البار المهدي العلم، ومن مؤسسة ليست حكومية ولاعمومية ولاهم يحزنون، مؤسسة “بريفي” كما يقول، في لحظة وبينما كانت أخت بوجمعة تعد الزريك، أحست جدة المهدي بمغص حاد في بطنها لم يستطيعوا أن ينتظروا حتى إكمال الشاي بكؤوسه الثلاث، ولاحتي شرب الزريك، انتفظ الكل وأعطيت حالة الاستنفار القصوى لجمع الأفرشة والأواني والذهاب في اتجاه السيارة، ركب الكل أم بوجمعة بجانبه، أخته وابنه المهدي بالخلف، اتجه صوب المدينة وهو في أقصى سرعته، دخل المدينة تقريبا الساعة الثانية صباحا،عندما وصل للمستشفى انعطف يمينا قاصدا صيدلية هناك قرب الوقاية المدنية، وصرخ بصوت عال أنزل يابني اقرأ لي اسم صيدلية الحراسة المكتوب على الورقة المعلقة، ترجل المهدي وكله ثقة، وبدأ يتهجى في نفسه (صصيييدددلللييية تتتتترررككككاااا) عاود، ثم تيقن من الاسم فقال بصوت عال لأبيه صيدلية تركيا ..! استغرب الكل من الاسم ..! فسارع أبوه بالقول، بني لاتوجد صيدلية في المغرب كله بهذا الاسم، مابالك بالطنطان، تتدخل الأخت بوجمعة بوجمعة ابن خالي محمد نصحني مرة بأن أكلم الشرطة في مثل هذه الحالات للاستفسار عن صيدلية حراسة، حسنا حسنا أختي سأتصل الآن

    الو السلام عليكم -وعليكم السلام الشرطة في خدمة الشعب، نعم أخويا شنو عندك..؟

الشاف اللـه يحرم باك لفرماسي بيرمانونس..؟

“ صيدلية تيكريا ” خويا ياك عرفتي فين

نعم الشاف عرفت فين كاينا شكرا لك

   مرحبا خويا نحن في الخدمة مع السلامة-

ويضحك بوجمعة ضحكات عالية، حتى تظهر أضراسه، مرددا باستهزاء تركيا ههههه كاليك تركيا واطلع راهي “صيدلية تيكيريا” هاذيك ماهي تركيا، وينتفض المهدي من مكانه رافعا إصبعه للسماء كمن سينطق بالشهادتبن، واللـه أبا إلا تركيا هاهي اليافطة قراها، هو يعلم أن أباه أمي ومع ذلك يجادله، غريب هو أمر المهدي، لكن يجيبه بوجمعة وبنرفزة، الجواب الشافي بعبارة شهيرة (واش أنت غتكون أحسن من المخزن اطلع الحيوان).
لقد صُدم الأب وخاب ظنه في ابنه الوحيد، وهو في طريقه لحي التيكيريا نحو صيدلية الحراسة هناك، تذّكر الماضي أياما وشهورا، بل أعواما مضت وهو يرافق ابنه الوحيد إلى المؤسسة الخاصة الملونة بجميع الألوان، وبصباغة غير عادية من النوع الرفيع والمميز لايمكن لمؤسسة عمومية أن تلبس ذاك اللون أو تلك الأنواع من الصباغة(العنبر)، وحارس بهندام ليس كالحراس، فهو يلبس بدلة بيضاء انيقة، من مظهره تحسبه دكتور .. وسيارات نقل الأطفال متراصة أمام الباب كمحطة طرقية، وسبعمائة درهم للشهر والواجبات والكتب المدرسية الغالية الثمن ومواقيت الدراسة من الثامنة صباحا حتى السادسة مساء، مع أخد ساعتين راحة فترة الزوال للأكل، وكأنه سيتخرج طيارا أو سيصنع لنا الأنسولين ..! وووووو .. كل هذه الصور تراءت لبوجمعة في لحظة، لكن بنفس مهزوزة وهو يكمكم بكلام لايفهم منه سوى أنه غاضب وبشدة على المستوى الذي آل إليه ابنه بعد أن كان مفخرته أمام الجميع، الأم والأخت لم تنبسا بكلمة واحدة فهم يعرفون جيدا بوجمعة عندما يغضب .. حين وصل للمكان المقصود نزل لاقتناء الدواء لأمه، وعاد للسيارة بعد أن أشعل سيجارة نفث دخانها عاليا في السماء، صعد وشغل المحرك باليمنى واضعا يده اليسرى الممسكة بالسيجارة على نافذة باب السيارة، مرددا تركيا آه آه ياتركيا وتذكر نصيحة أحدهم له بأن يدخل ابنه لمؤسسة عمومية، لمعرفة الوجه والمستوى الحقيقين لابنه، إلا أن صيدلية تركيا والشرطة بقلمها الأحمر وفرت عليه الكثير لقد أيقن الآن وبحرقة أنه وابنه كانا ضحية مؤسسة خاصة في نظام تعليمي فاشل همها الوحيد الاسترزاق على حساب جيوب الضعفاء والفقراء، فمدخول بوجمعة غير كافي لمتطلبات الحياة الضرورية .. بوجمعة والمهدي منهم الكثير هم فقط نموذج من مجتمع غلبت عليه المظاهر والآنا كذلك، فهنا لايمكن فصل أو تبرئة الآباء والمجتمع من المسؤولية، مسؤولية أن يقرأ المهدي وبصوت عالي صيدلية تيكيريا، تغنينا عن حبك هذه القصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق