أخبارالدين و الناس

الفقه الإسلامي بين قراءات المصدقين والمكذبين

لم يتأت للمسلمين منذ البعثة النبوية إلى حال التشرذم والبؤس والتطرف الذي يواجهونه اليوم، أن تتوقف هذه المعارك الاستئصالية بين حملة الموروث الفقهي والقرآني، التي تكشف عن عمق التيه والفتنة التي يكابدون تداعياتها في كل الاتجاهات بين هؤلاء المسلمين واجتهادات السلف الصالح من الأئمة والمفسرين و الرواة، الذين اختار أكثرهم التشبع بمبدأ خالف تعرف، حتى وإن كان موضوع بحثهم واجتهادهم لا يرقى إلى هذه الهجومات المستفزة والمتنكرة لما تم تدوينه خلال مراحل التاريخ الإسلامي حتى الآن

إن فتح المعارك والاقتتال على وجهات النظر بين جميع الأطراف المشاركة، لم تكن من أجل الصحوة الحضارية الإسلامية، وإنما هي من أجل وقفها منذ خضوع المؤسسة الدينية للنظام الحاكم المتجاوزة للتطرف المذهبي الأيديولوجي، الذي يتفنن علماءه في تحقيق الملاءمة بين الموروث الديني ومصالح هذا النظام على امتداد جغرافية العالم الإسلامي، وحتى بعد رحيل الاستعمار الغربي لا يزال الجهد في تعطل الفعل الإسلامي في مناقشة القضايا الفقهية قائما بين من يدعون أنهم يؤسسون للنهضة الحضارية الإسلامية، وأولائك الذين يصرون على حماية الموروث من عبث وانحراف الرافضين له، ولاستمراره كما هو دون تحديث وتجديد لمناهجه وموضوعاته وتفسيراته

في عز الثورة التقنية والعلمية ومخرجات الواقع الإسلامي الذي لا يحسد عليه المسلمون، تصر بعض الأسماء من الخليج إلى المحيط، ومن خارجهما على شحذ سيوفها للدفاع عن رؤاها النقدية للفقه الإسلامي والنص القرآني، ليس من أجل إثباته وحماية وقاره، وإنما من أجل تفكيكه وفضح المسكوت عنه في نصوصه تحت مسمى تجديد الحقل الديني عبر نسفه دون طرح البدائل التي يجب أن يكون في الفترة المعاصرة .. خصوصا، التي تطل على المسلمين من قنوات التواصل الاجتماعي، ك.عدنان ابراهيم وإبراهيم عيسى وخالد منتصر ورشيد أيلال والكيلاني وغيرهم، ومع الذين يستضيفونهم في برامجهم المفتوحة

إن للفقه الإسلامي حماته ورعاته ومفكريه، ولايصح على الإطلاق من المصدقين والمكذبين الاستغراق في هذا الحوار العدمي الاستئصالي، الذي لاينور المؤمنين بمقاصد وأهداف هؤلاء المتكلمين الجدد، الذين يبحثون في هذا الفقه الإسلامي من أجل تدميره وتفكيكه، وحتى وإن كانوا مجبرين على ذلك .. ويحز في العقل قبل النفس، وفي الضمير هذا التهافت على تسجيل الحضور في هذه الفئة المذهبية الطائفية التي لا تساعد على إصلاح وتحرير الفقه الإسلامي ومواكبته للعصر والمناهج الحديثة .. وفي هذا الإطار، نهمس في آذان الباحثين الفضوليين استعمال ما يعتبر من الأسلحة وثقافة التدمير ضد مشروعية تراثنا الثقافي الديني، بالرغم مما فيه من تناقضات ومغالطات غير صحيحة

لن نسمح لأنفسنا بالقبول بهذه الترهات والانحرافات، أن تفرض نفسها على الوعي الإسلامي الفردي والجماعي، وحتى إذا كان لا مفر ذلك، فعليها أن تظل معبرة عن مجرد اجتهادات لا ترقى أن تصبح مهيمنة ومحنطة في كل موروثنا الفقهي، حتى وإن كان أصحابها في فترات القيام بذلك مرغمون على إنتاج وفرض شرعية هذه النصوص التي تعتبر اليوم موضوعات للخلاف والصراع بين المصدقين والمكذبين، الذين يستهدفون الفقه الإسلامي بدون وضوح في الخلفيات التي تحركهم للقيام بهذه القراءات النقدية، التي لا يزال معظمها يفتقر إلى المصداقية

إن التعامل مع القرآن والسنة النبوية وفق اختيارات هؤلاء لا تخرج عن السفسطة والهرطقة والزندقة التي لا يضيف جديدا، سواء في مناقشة مناهج تحليل الموروث الفقهي، و لا في لامصداقية شرعية هذه النصوص من حيث قطعية ثبوتها وظنية هذا الثبوت في الوقت الذي تزايدت فيه الهجمة المشككة والمدمرة لهذا الموروث الثقافي الديني الإسلامي، التي تتصيد الأخطاء وأشكال الجنوح في التعاطي مع التراث الفقهي

بطبيعة الحال، المتصدرون في هذا الخروج المزعج والمنحرف في الكثير من المساهمات يستغلون مواقفهم الجديدة في الإعلام الرقمي البديل للنيل من خصومهم، وتأخير تقدم مشروع التجديد للحقل الإسلامي القادر على تناول معارضته الدينية بمناهج العصر، والبحث في هويته في أفق الاتقاء بمناهج فهمه وشرحه وتحقيق مواكبته للتحولات الراهنة التي تراجع فيها الاعتماد على التصورات المقيدة لحرية البحث والتحليل، ولنفض الغبار على نصوص هذا الموروث الفقهي والقرآني، و وفق استمرار مهازله في تطبيقاته في حياة المسلمين اليوم، بناء على توظيف علوم العصر، سواء في التعريف به أو في تفكيك مضامين نصوصه لتحقيق الملاءمة والتعاطي مع شروط المرحلة الحضارية المعاصرة الراهنة

من هذا المنظور، نقول في الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لكافة المتدخلين أن الرهان على تلميع قناعاتهم اتجاه هذا الموروث الديني، لن يساعد في تطور التعاطي مع نصوصه والاجتهاد في تحديث مناهج تحليله التي يترقبها العقل الإسلامي المعاصر من جميع المتدخلين، الذين يجب أن يضعوا مصالح المسلمين على رأس أولوياتهم في مشاريعهم من أجل إعلاء الفعل والمنهج العالمي في شرح وتحليل نصوص السنة والقرآن، التي تظل بعللها ومتناقضاتها شهادات حية على الفترات التاريخية التي نشأت فيها منذ القرنين الثاني والثالث الهجريين    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق