منبر حر

مجادلة علمانيين ( تـــابع )

 

الإسلام

 

الدكتور الصديق بزاوي

السـنـــة النبويـــة

 

لا تخفى أهمية السنة النبوية ومكانتها في الشريعة الإسلامية، حيث إنها تبين المبهم وتقيد المطلق وتفصل المجمل من القرآن، فقد كان من المنطقي أن تهتم بكل كبيرة وصغيرة مهما كان موضوعها. ومن الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على الطابع الشمولي للشريعة الإسلامية، قوله صلى الله عليه وسلم: ” تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”. ( 10) أما بالنسبة للممارسة السياسية للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن دراستها تشير إلى أن الإسلام” ظهر في مجتمع لم تكن فيه دولة. وأن الدولة العربية الإسلامية نشأت بصورة تدريجية، لكن بوتيرة سريعة. وذلك من خلال انتشار الدعوة الإسلامية، وانتصار النبي صلى الله عليه وسلم على أعدائه المتربصين بالدين الجديد، والدخول في علاقات واسعة مع امبراطوريات عريقة، وإبرام معاهدات مع قبائل وأقليات غير مسلمة. ورغم اتخاذ كل هذه الإجراءات ذات الطبيعة السياسية، فإنه ” ليس من الممكن إطلاقا الجزم بشيء حول ما إذا كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد وضع جملة أهدافه في بداية دعوته، إنشاء دولة .”
إن هذه الحجج المأخوذة من كتاب الله العزيز، وأن كل هذه الحقائق الثابتة عن الرسول التي تؤكد أنه (صلى الله عليه وسلم ) وهو المكلف بتبليغ الدين الإسلامي إلى البشرية جمعاء – قد مارس السياسة بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى، وقام ببناء دولة. ووضع كل ما تستلزمه هذه الأخيرة من مؤسسات وقوانين لتنظيم العلاقات الداخلية والتعامل مع الإمبراطوريات التي عاصرته. وكل هذه الإجراءات لاتدع مجالا للشك في الطابع الشمولي للشريعة الإسلامية. وأن هذه الأخيرة تشرع للعالمين كل ما من شأنه أن يهديهم إلى سواء السبيل في الدنيا وفي الاخرة. وهذا ما يؤهلها لتشكل نظام حياة وكسب ونفقة، ونظام وطن وحكم، ونظام دفاع وسلم وحوار وتعاقد، ونظام علم واكتشاف وبحث واجتهاد، بقدر ما تشكل عقيدة وعبادات وآخرة وجزاء … وإذا كانت بعض آيات القران الكريم تشكل قواعد عامة وإشارات تحتاج الى كثير من الجهد من أجل تدقيقها وتخصيصها. فإن آيات كثيرة تشكل قواعد تفصيلية. وذلك، مثلا، كالآيات المتعلقة بضرورة كتابة التداين ذي الطبيعة المدنية، بخلاف التداين في التعاملات التجارية التي يجوز ضمانها عن طريق الرهان نظرا لما تتطلبه التجارة من سرعة التداول وتكراره، عكس التعاملات المدنية. وكذلك الآيات التي تحدد بعض السلوكات الإجرامية والعقوبات المخصصة لها كالحدود والقصاص. والآيات التي تنظم الزكاة وتوزع غنائم الفتوحات. والآيات التي تضبط علاقات المسلمين بغيرهم كأهل الكتاب والذميين والمعاهدين .
وبالطبع فإن تأسيس الدولة الإسلامية من طرف الرسول (صلى الله علبه وسلم ) لم يكن هدفا في حد ذاته، وإنما وسيلة ضرورية لإقامة الدين. كيف لا وهو الذي قال لعمه (ابو طالب) عندما أرسله كبراء قريش، ليعرض عليه الملك والجاه والغنى مقابل التخلي عن دعوته :” واله ياعم، لو وضعوا الشمس على يميني والقمر على يساري، ما تخليت عن هذا الدين. ” فما أبلغ هذه القولة. وما أعظم هذا الموقف الذي رفض فيه نبي الهدى الملك من أجل الملك. وكل ما يترتب عنه من سلطة وجاه وثروة. وما أقوى عزيمته، صلى الله عليه و سلم، على تبليغ رسالة العدل ونصرة المظلومين وزهق الباطل. وكل هذه الأمور لايمكن تحقيقها بدون إنشاء مؤسسات وهياكل وتوفير إمكانات مادية وبشرية. مما استلزم إحداث نواة للدولة الاسلامية من أجل سياسة الدنيا بالدين. وقد اتضحت المعالم السياسية لتجمع المسلمين بعد الهجرة من مكة الى المدينة وامتزج الجانب العقدي والدعوي بالجانب السياسي الذي فرضه الواقع وأطرته الشريعة واجتهادات المسلمين، ولعل تحريرمايعرف بالصحيفة يشكل أهم إنجاز في هذا المسار، حيث يعتبر بمثابة إقرارلدستور قنن علاقات المسلمين البينية وعلاقاتهم فيما بينهم وبين الأقليات غير المسلمة.
أما مسألة التدرج الذي تميز به ظهور هذه الدولة المتميزة فمسألة جد عادية، اقتضتها طبيعة مجتمع عرب الجاهلية الذين عاشوا في ظل نظام قبلي تهيمن عليه العصبية، كما اقتضاه تدرج تبليغ الدعوة ونزول الوحي، وكذلك الأحكام التي أتت بها الشريعة الحكيمة والتي يتطلب تنفيذها وجود سلطة سياسية، وذلك كأخذ الزكوات والجزية وتوزيع الغنائم وتجهيز الجيوش ووضع المعاهدات والمواثيق، وحل الخلافات والفصل في المنازعات .

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق