أخبارمجتمع

عن العقل العربي المعطل إلى إشعار آخر (2)

ليس بين العرب اليوم من يروقه أداؤنا العربي في جميع المجالات بفعل التحركات التي كرست عطالة عقلنا العربي، في الوقت الذي تتنافس فيه عقول الحضارات الإنسانية المجاورة للعرب، من أجل الريادة في كل حقول المعرفة والاقتصاد والسياسة والإبداع، مع أن ما يمكن هذا العقل العربي من الانخراط الإيجابي وإثبات الحضور الوازن متوفرة دائما، والتي كان يكرس وجودها الخوف من المؤهلات التي يمتلكها هذا العقل العربي، الذي أحسن التواصل التاريخي مع الحضارات المجاورة عبر تاريخه، وتمكن من تقديم ما يرسخ انعدام سلبيته وعجزه على المساهمة الجادة، دون الدينامية في صرح الحضارة الإنسانية المتاحة للجميع، وهذا ما يوضح حقيقة ما يشاع عن جهل هذا العقل وتواضع إنتاجه في جميع المجالات

لن نستدل عن قدرات العقل العربي التي لا نختلف فيها عن العقل الغربي الذي يتباهى من حين لآخر بمؤهلاته وعبقريته، حيث تكشف عدة دراسات عن تألق العقل العربي وذكائه، الذي يمنحه نفس الخطوط التي يدعي العقل الغربي أنه متقدم فيها، ويشكل نشاط العقول العربية المهاجرة في أرقى دول أوربا وأمريكا وجنوب شرق آسيا

 ما يؤكد على صحة وقوة هذا العقل العربي، الذي يحاول المستفيدون من عطالته والقيود المفروضة عليه اتهامه بالدونية والسطحية والاغتراب، وهو العقل الذي استوعب آخر رسالة دينية سماوية في بيئته الصحراوية، التي لم تكن قادرة على منافسة الحضارات الفارسية والرومانية واليونانية المجاورة

 هذه الحقيقة وحدها تفند كل التهم التي توجه إلى العقل العربي اليوم حتى من أبناء مجتمعه المحافظين، الذين يسعون إلى الإبقاء عليه على ما هو عليه من محدودية الانخراط في حضارة الفترة المعاصرة، التي يقودها مجتمع المعرفة والتقنية المتقدمة

إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، حينما نطرح هذا الموضوع للنقاش العمومي، فإننا نستحضر في نفس الوقت محاولات التحرر والمواجهة التي قام بها من يؤمنون بضرورة انصهار العقل العربي في حركة التاريخ والحضارة والمعرفة، التي يعرفها العالم، الذي ينتهي إليه العقل العربي، الذي خلد نفسه في تاريخ الإنسانية بمنتوجه الحضاري المتميز في فترات القوة والازدهار التي مرت منها تلك الصفوة، أو النخبة من العلماء والمفكرين والمبدعين، التي كان يحركها ولا يزال نبض مجتمعنا وتطلعاته المشروعة من الظهور والتحرر على غرار ما يوجد عليه نظيره في العالم اليوم .. خصوصا، المداهمات السياسية والفلسفية والعلمية التي شخصت الأمراض والتناقضات وجوانب القصور، التي تنخر هذا الجسد العربي في جميع المجالات، والتي أوضحت كبدائل لتجاوز هذه التداعيات والإفرازات الجرتومية التي تشكل فرامل في وجه العرب اليوم

 وكم هي الأسماء التي خلدت نفسها في مجال إغناء جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية التي يمكن أن تبرز فيها أثار هذه النخب العربية المتنورة والمعول عليها لتجاوز أوضاع العتمة والعجز والقصور الراهن، التي عمقت تخلفنا عن مجتمع المعرفة الذي يوجه أدق حركة في الوجود الطبيعي والبشري والحضاري .. ولسنا في حاجة إلى التذكير، بما كان لهذه المساهمة العربية المشرقة من آثار على الحضارات المجاورة التي ورثها من يتحكمون في شؤون السياسة والاقتصاد والثقافة في الغرب في الفترة المعاصرة، الذين اعترفوا للعرب بالسبق المبكر والإضافات المتقدمة في التخصصات التي كان العرب روادا فيها، والتي عمل الغرب على تجاوزها على أكثر من صعيد، في ظل مناخ الحرية والديمقراطي الذي تعيش فيه شعوبه الآن

لسنا في معرض الحديث عن عطالة العقل العربي الذي تعرض للهتك العظيم كما وصفه أدونيس بذلك، إنما نحن في صلب النقاش الذي يجب أن يفتح على جميع منافذه وأبوابه، حول ما يمكن هذا العقل من تجاوز حالة النفي والسطحية والعقم الذي يوجد عليها، والتي لا يتجاوب وتاريخه الغني بالصفقات المشرقة في إطار موقعه الجغرافي الشرقي، الذي يمتد إلى حضارة الصين القديمة واليونان وفارس والرومان، التي تفاعل فيها عطاء العقلين الشرقي والغربي، والذي لم يتوفق حتى في فترات المد الهيمني للطرفين

ما نختم به، هو أن العقل العربي عليه أن ينهض من سباته العميق، وأن ينخرط في حضارة العصر، وأن يفرض هويته الحضارية المتميزة من خلال حضور فاعل و وازن ومتحرر ومبدع، كالذي أصبح عليه العقل الغربي، الذي ساعده على انفتاحه على التحول والتطور السريع، الذي تروج له السوق الحرة التي تتطلع إلى عولمة نظامها عبر إخضاع هذه الهويات الحضارية لسلطانها الاقتصادي والسياسي والثقافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق