
اليوسفية في خطاب الملك بين وعود التنمية و واقع مغرب يسير بسرعتين
ذ. يوسف الإدريـــــــسي
حين قال ملك البلاد في خطابه الأخير أنه لا مكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين .. مشيرا إلى أن التنمية يجب أن تشمل كافة ربوع الوطن بشكل عادل ومنصف، بعيدا عن منطق التمييز بين المناطق. ما يعني من خلال الرسالة الملكية، أن الجميع له الحق في الاستفادة من ثمار النمو، والعدالة المجالية، كما ينبغي أن تكون قاعدة أساسية في كل السياسات العمومية
غير أن هذه الرؤية الملكية، حين تسقط على واقع إقليم اليوسفية، تكشف لنا مدى عمق الرسالة وراهنيتها .. إذ، يعيش الإقليم حالة تنموية غير متوازنة، بل تسير بسرعتين متعاكستين؛ من جانب هناك وعود وشعارات، ومن جانب آخر فقر وهشاشة و ضعف المؤشرات
فوفق المعطيات الرسمية، تبلغ نسبة الفقر في الإقليم 11.9%، فيما يصل مؤشر الفقر متعدد الأبعاد إلى 4.54%، أما الهشاشة فتمس 15.8% من الساكنة.
الصحة بالإقليم تعاني من اختلالات لا تقل فداحة وبؤسا .. فحسب ذات التقرير، يحرم أكثر من 26.4% من ساكنة الإقليم من الولوج إلى خدمات صحية لائقة .. والوصول إلى طبيب أو دواء أو مستشفى بات عنوان معاناة يومية، وغالبا ما تكون مراكش هي الوجهة المعتادة للعلاج، وكأن ملائكة الرحمة لا تحلق فوق سماء إقليم اليوسفية
في مجال التعليم العالي والتكوين المهني، تتحدث الأرقام بلغة مخيبة للآمال .. إذ، فقط 5% من سكان الإقليم يتوفرون على مستوى جامعي، ولا يتعدى عدد المستفيدين من التكوين المهني 675 متدربا، مقارنة بـ14000 في مراكش، و5500 في أسفي، وأرقام أعلى حتى في مدن أقل سكانا كالصويرة وبنكرير .. والأدهى من ذلك، أن نسبة المستفيدين من التكوين التقني والتقني المتخصص في الإقليم لا تتجاوز 27%، أي 72 في شعبة التقني و111 فقط في التقني المتخصص، مقابل نسب تفوق 70% في الأقاليم المجاورة
هذا الواقع المقلق يطرح تساؤلات مشروعة حول غياب رؤية تنموية واضحة للنهوض بالإقليم
بمعنى آخر، أن استمرار هذا التفاوت الصارخ بين الأقاليم، خاصة في القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والتكوين، يشكل تهديدا صريحا لروح العدالة المجالية التي دعا إليها الملك في خطابه
فحين يقصى الشباب من فرص التعلم والتكوين والعمل، فإنهم يقصون فعليا من الحقوق الموجبة للانتماء لهذا الوطن الحبيب
إقليم اليوسفية اليوم لا يحتاج فقط إلى خطط ترقيعية، بل إلى مخطط تنموي متكامل، يشمل ابتداء توفير شامل للبنيات الأساسية للمنظومة التعليمية، من خلال نواة جامعية ومعاهد عليا وتوسيع عرض التكوين المهني، بما يواكب حاجيات سوق الشغل المحلي والوطني .. كذلك، تعزيز البنية الصحية، وتقريب الخدمات من المواطنين، وتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية .. فضلا، عن تفعيل مضامين الدعوة إلى العدالة المجالية من خلال توزيع عادل للاستثمارات العمومية والمشاريع التنموية .. خاصة، وأن الإقليم منذ سنوات وهو يشهد إقصاء غير مبرر من المذكرة الاستثمارية الجهوية
هكذا فإن الخطاب الملكي ليس فقط توجيها نظريا، بل هو نداء عاجل لإحداث تغيير حقيقي .. فهل ستتحرك الجهات المسؤولة لتدارك التأخر التنموي في إقليم اليوسفية ..؟! أم سيظل الإقليم عنوانا لمغرب يسير بسرعتين، على الرغم من وضوح الرؤية الملكية ..؟