منبر حر

“العدالة و التنمية بجهة فاس-مكناس يكسر الطابو و يصنع الحدث ..!”

ANCIEN TAOUNATE

عبد الله عزوزي

كثيرا من المهتمين من بني آدم يكتبون بهواجس معينة ومن زوايا مختلفة، تكون الكتابة بدافع التملق أحد أبرز دوافعها؛ بالمقابل يصمت الكثيرون عن إبداء رأيهم مخافة السقوط في التهمة نفسها.

لكن كوننا نكتب من المبدأ وللتاريخ، فإن فكرة جوهرية اكتملت بذهني عند نهاية المسلسل الانتخابي الوطني الذي دشن هذه بانتخابات الموظفين في حظيرة اللجن المتساوية الأعضاء ليوم الأربعاء 03 يونيو، و انتهت يوم أمس، 02 أكتوبر بانتخابات مجلس المستشارين.

الدروس والعبر التي أسفر عنها هذا المسلسل الشيق، جديرة بأن توثق نازلة بنازلة، وأن تدخل مكتبة الأدب السياسي المغربي لكي تكون منطلق كل تخطيط أو تقييم أو تجديد أو تفسير. ..!

في هذا المقال، أود أن أقف عند حنكة الكتابة الجهوية لحزب العدالة والتنمية لجهة فاس- مكناس، وكيف أنها استطاعت فعلا أن تقدم نموذجا عصريا وتقدميا لمفهوم الممارسة السياسية على الأقل بإقليم تاونات، الذي هو جزء من الهندسة الجديدة في هذه الجهة.

لقد بقي الإقليم منذ ولادته بعد الاستقلال يحاكي الفلسفة الاستعمارية في صناعة العبد والسيد، وتوزيع الأدوار بين المالكين والمملوكين، متفانيا في تقديم النموذج الرديء للعمل السياسي من خلال جعله محتكرا من طرف عائلات وأسماء بعينها، عبر التحكم في وسائل إنتاج الرأسمال المحلي، وضبط وتيرة انتشار الوعي، وفرملة كل السبل المؤدية للتمرد على سلطة المحتكرين الصغار، تارة بالترهيب و تارة بالترغيب.

لقد ظل الإقليم مبعدا عن كل تنمية حقيقية لسنوات، بل وصل به الحد إلى التفريط في رصيد معتبر من البنية التحتية ذات الجودة العالية التي خلفها الاستعمار وراءه، (والأمر هنا يحتاج إلى تحقيق ودراسة )، كان أهمها المدارس الابتدائية والمستشفيات و القناطر والأسواق الأسبوعية .. والربط السككي كما هو الحال مع مركز الوردزاغ الذي ظل سكان المنطقة يسمونه “بالكارة” نسبة إلى (la gare)، الذي كان به محطة للقطار تربطه بفاس وباقي مدن المملكة.

و بتزكية المناضل علي العسري وكيلا للائحة المصباح عن إقليم تاونات في الانتخابات الجماعية والجهوية في المرحلة الأولى (04 شتنبر)، و وكيلا للائحة مرشحي المصباح لانتخابات مجلس المستشارين بجهة فاس – مكناس عن فئة أعضاء الجهة، في المرحلة الثانية (02 أكتوبر)، وهو المنحدر من أسرة متواضعة اتخذت من دوار تاورضة بجماعة الوردزاغ مقاما لها، تكون الكتابة الجهوية للحزب قد سجلت اختراقا تاريخيا في تركيبة الفكر السياسي التاوناتي الذي لعبت فيه القرى التاوناتية برصيد أصواتها دور صندوق المقاصة الذي كان يعود ريعه على الغير المؤهلين سياسيا.

وكأحد أبناء جماعة الوردزاغ، عايشت منذ طفولتي المبكرة كيف كانت تجرى و تتم الانتخابات بدوائر تلك الجماعة، وكيف كان تقديم قربان (كبش) للطلبة (بضم الطاء) بمسجد الدوار كفيل بأن يحسم النتائج لصالح المرشح الوحيد، دون الحاجة للقيام بحملة أو إلقاء خطاب أو إعطاء وعد، أو حتى زيارة الدائرة الانتخابية ومصافحة الناخبين .. كان يأكل الكبش، ويفوز العضو، وتزغرد النساء، و يختفي الجميع، ناخبين ومنتخبين، في حين يستعمر الفقر والتهميش والهدر والعزلة والمصائب الدوار عن بكرة أبيه ..!

بنفس الطريقة ظلت تدار الانتخابات البرلمانية منذ ستينات القرن الماضي .. كان يكفي “البرلماني” القادم من عاصمة الأدارسة أن يزور الأسواق الأسبوعية لدائرة غفساي – القرية على رأس كل ست سنوات، دون أن يكلف نفسه عناء الترجل من سيارته السوداء، بل يكتفي بالمناداة على الأعضاء الصغار الذين يتحلقون حوله بسرعة لأخذ “هبة برلمانية” من أجل القيام بالحملة لفائدة من سيمثل الإقليم بالبرلمان المغربي، دون أن يلامس غبار الدائرة الانتخابية حذاءه الأسود اللامع .. !

إقليم تاونات منح مقاولي الانتخابات مهنة تسمى “برلماني”، منذ الاستقلال، دون عناء، دون محضر دخول أو خروج، دون استفسار، دون اقتطاع، ودون الحاجة للمغادرة الطوعية.. ودون الخوف من ربط المسؤولية بالمحاسبة، و دون كتابة تقارير أو تقديم حصيلة. و “الحاصول” يعرضه الواقع القروي بتاونات بكل تجرد وعفوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق