جماعات و جهات

جماعة كلاز أو علامات الإفلاس الثلاث ..!

 

ABDELLAH AZZOUZI

عبد الله عزوزي

** الولوج إلى كلاز، قد يخيل للناظر أن جماعة كلاز عبارة عن صدفية من الصدفيات، أو قوقعة من قوقعات الحلزون، التي تشكل العقد المهترئ الذي يرصع صدر تاونات .. ستون عاما- منها خمسة عشر عاما من الألفية الثالثة من عمر البشرية- فشلت لحد الساعة في رسم وجه قرية نموذجية بهذا الاسم، رغم وجودها فوق منبسط فلاحي خصب، محاط بمجاري المياه القادمة من السدود والأنهار.

في مكان ما من نواحي مكناس، وفي مكان شبيه بالمجال الجغرافي لكلاز، استطاع الرومان- بوسائلهم “البدائية”- من بناء مدينة ذكية وعملاقة سموها فوليبليس (Volubilis)، أي مدينة وليلي، مدينة لا زالت مآثرها شاهدة على عبقرية المجتمع الوليلي لحدود اليوم.

العابر إلى مركز جماعة كلاز لا بد له، سواء كان سائقا أو مترجلا، من أن يقف عند مدخل الجسر و ينزع القبعة من فوق رأسه تحية وإجلالا لصبر وبصر الساكنة التي وافقت بكل فرح سرور، على أن تنام لخمس سنوات عن يسار ذلك الجسر المنهار!.. لا شك أن الجسر ظل في غيبوبة منذ تاريخ سقوطه في شتاء 2010، و لا شك أن الساكنة متوجسة من لحظة استيقاظه، إذ سيبادره الأهالي بالكذب عندما يسألهم واحدا واحدا ” كم لبثت ساقطا ..؟”، فمنهم من سيقول له ” لبثت يوما أو بضع يوم” و منهم من سيقول له ” بل لبثت مائة شهر “.

** أرض كالعصف المأكول: فعلاوة على منظر الجسر المنهار الذي يبدو كما لو أنهم أرادوا له أن يبقى تذكارا يؤرخ لانتصار الحلفاء على النازية، أو تذكارا يذكر المتأمل بجلاء آخر رجل في جيش المستعمر، فإن جماعة كلاز عاشت قبل أسبوع كابوسا آخر لا يقل روعا عن مشهد جسر ينهار .. ففي الساعات الأخيرة من يوم الاثنين الماضي (19 أكتوبر 2015) استفاق الأهالي الذين كانوا قد آووا إلى فراشهم على وقع قطرات الندى، وشرعوا في الحلم بجسر ذهبي يربط مركزهم بمركز عمالتهم، استفاقوا على صوت رعد مخيف، و برق مضيء و برد (بفتح الراء) بحجم حبات الزيتون، كان ينزل على الشجر فيجرده من أوراقه و ثمره، و حتى لحافه .. العاصفة خلفت أضرارا مادية (إتلاف محاصيل زراعية و نفوق مواشي) ونفسية جسيمة (الرعب و الخوف من تكرار الكارثة)، خصوصا لدى قاطنين بكل من دواوير ظهر أخشب، الصفاح، و تالغزة.

طاقم الجريدة قام بزيارة ميدانية لعين المكان و وقف على حجم الدمار الذي خلفته العاصفة الرعدية المنذرة بفصل ممطر استثنائي، واستمع للمواطنين الذين حكوا عن ما داهمهم من رعب في تلك الليلة الظلماء، واشتكوا من غياب منتخبيهم و السلطات المحلية و الإقليمية، وتركوا لوحدهم ينتشلون المواشي وأكياس القمح والعلف من الوحل فيضعونه يسارا، في حين يفرحون بقطع الخشب وبجذوع الشجر التي حملتها السيول .. فكل قطعة خشب ستكون مستقبلا بمثابة حلمة توردت في فم الوليد، هي الدفء، وهي الغذاء في مجتمع كلاز ترك (بضم التاء) لنفسه خلف الجسر المبتور و الثلج المنثور.

** ماء أجاج .. غرائب و عجائب كلاز لا تنتهي عند الجسر و التبروري؛ بل إن الكلازيون يحكون عن اكتشاف “علمي خارق”، قض مضجعهم وزعزع استقرارهم، كان بطله أصحاب مشروع معصرة الزيتون الممولة من جيب “تحدي الألفية”؛ إذ بعد حفر بئر من عمق مائة و خمسين مترا، تدفق منه ماء ملح أجاج، كماء البحر تماما، الأمر الذي أثر على عذوبة ماء باقي اللآبار السطحية السابقة في الوجود و السباقة في الجودة.

الاثنين 12 محرم 1437 /// 26 أكتوبر 2015

* عضو الأمانة الإقليمية ن.م.ص.م / تاونات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق