أحزاب و نقابات

فصل المقال فيما بين قبول استقالة السلاوني و نزع حقيبة العثماني من اتصال

ABDELLAH AZZOUZI

 

ذ. عبد الله عزوزي

في ظرف سياسي واجتماعي ساخن، يتميز بانخراط الكل في القضايا السياسية للوطن، و بسرعة انتشار الأخبار و قدرتها على التأثير، وعلى بعد أشهرٍ قليلةٍ من موعد الانتخابات التشريعيةِ التي ستُفرَز على ضوئها الحكومة التي سترسم السياسات الوطنية للخمس السنوات الموالية، يبدو أن ما بات يعرف بقضية استقالة و/ أو إقالة الكاتب الجهوي (لحدود الآن) لحزب العدالة و التنمية لجهة فاس- مكناس، الأستاذ ، ورئيس مقاطعة فاس سايس التي تعتبر من أهم مقاطعات مدينة فاس، سيتم توظيفها ممن يتصيدون الفرص المجانية – خصوصا في هذا الظرف الحساس جدا- لتقوية ترسانة حملاتهم المعادية لأكبر و أقوى حزب على الساحة المغربية، حزب يظهر وسط الساحة السياسية “كالحسناء” المحسودة على جمالها و حسن خصالها و أخلاقها.
لكن أود من خلال هذا الرأي أن أُطَمئِن المؤمنين بمشروع حزب العدالة و التنمية الذين وجدوا أنفسهم بغتة يضعون أيديهم على قلوبهم وهم يتابعون تسارع الأحداث من سهل سايس، التي بدأت باستقالة سبعة أعضاء، ضمنهم الرئيس، من المجلس الترابي الذي يرأسه السلاوني، يوم 27 أبريل 2016، ثم ما لَبِث أن تراجع السّتةُ، يومان بعد ذلك عن استقالتهم وبقي رئيسهم؛ ثم لتدخل ساكنة مقاطعة سايس على خط استقالة الراضي السلاوني، في مشهد يقول الكثير عن نزاهة الرجل و شعبيته و درجة إشعاعه، و ليقرر بعدها التراجع عن استقالته ربما نزولا عند ضغط الشارع وتفاعلا مع مستجدات قد تغيب عن من هم خارج دوائر القرار الحزبي و السياسي.
إلى حدود الآن يظهر كل شيء مقبول في حدود معقولة؛ لكن القرار الذي كان بمثابة الزلزلة الكبرى هو قرار الأمانة العامة للمصباح بقبول استقالة الراضي يوم 04 ماي الجاري وإحالته على التقاعد السياسي والانتدابي و هو لم يبلغ بعد الستون من عمره، وبعد مرور أربعة عشر شهرا فقط عن تاريخ تزكيته (10 مارس 2015) ككاتب جهوي للحزب بجهة فاس- مكناس أمام منافسة قوية و مستحقة لرموز حزبية من طراز المهندسين ادريس الصقلي عدوي و جمال المسعودي، من طرف القادة المحليين لحزب العدالة و التنمية بالأقاليم التسعة المشكلة للجهة الجديدة، من جهة؛ و بعد انقضاء أقل من تسعة أشهر على الاكتساح الشاسع لرمز المصباح لانتخابات 04 شتنبر الماضي، من جهة ثانية.
طبعا، لا يمكننا أن نحيط علما، كمتتبعين من الدرجة الثانية، بالتقديرات التي ذهبت إليها الأمانة العامة في اتخاذها هذا القرار الذي أعتبره ثاني أصعب قرار يتخذه الأستاذ عبد الإله بنكيران و رفاقه بعد قرار قبوله بتنازل رفيق دربه، الدكتور سعد الدين العثماني عن حقيبة و زارة الخارجية والتعاون لفائدة التجمعيين، مع الإشارة عليه بالعودة إلى عيادة الطب النفسي لتقديم استشاراته لمرضى الصراعات العائلية و المادية المغاربة، بدل تقديمها لصناع القرار و راسمي الحدود و فارضي التأشيرات و الرسوم الجمركية.
فما أشبه الأمس باليوم. ففي اكتوبر 2013، تاريخ إمساك صلاح الدين مزوار بحقيبة وزارة الخارجية و التعاون الذي فرضته إكراهات التفاوض داخل مربع الإتلاف الرباعي، بدل الدكتور العثماني، أُسِيلَ مِدادٌ كثير عن انخفاض منسوب ثقة المناضلين في قيادتهم و عن سرعة تفريط حزب العدالة و التنمية في بعض أطره و قيادييه؛ كما وجدها بعض المواطنين، من المُؤَطرين سياسيا و أيديولوجيا، فرصةً للإيقاع بين الإخوان بهدف إحداث شروخ و انشقاقات. و هو نفس السيناريو الإعلامي الذي هو بصدد إعادة إنتاج نفسه مع “حادثة” القيادي و المربي الراضي السلاوني. لكن التاريخ أثبت العكس، بحيث ظل حزب العدالة و التنمية قويا و متماسكاً، وعوض أن يخسر شيئاً فإن الاستحقاقات الأخيرة برهنت بالدليل و الملموس أنه ربح كل شيء، و أن ادعاءات المتحاملين أمست إلى فناء.
غير أن الذي يجب الوقوف عليه و عدم نسيانه، هو أنه عند كل الأزمات التي هزت حزب العدالة و التنمية منذ توليه تدبير الشأن العام الوطني، نجد أن فضل التربية التي تربى عليها المناضلون يعطي أكله و يترك الجسم الحزبي معافىً، لأنه عندما تتعارض مصلحة الأفراد مع مصلحة التنظيم، فإن الأشخاص لا ينتصرون لذواتهم ولا إلى مصالحهم كما هو الشأن في باقي التنظيمات، و إنما يضعون مصلحةَ وطنهم وهيئتهم التنظيمية فوق كل اعتبار ما دامت تجربة العدالة و التنمية تشكل حلم حقبةٍ تارخيةٍ و رهان شعب بكل روافده الاجتماعية و الثقافية، التواقة إلى العدالة الاجتماعية، و الحالمة بالتنمية المجالية و النزاهة في تدبير الشأن العام الوطني و المحلي.
لكن التحدي الأكبر الذي قد يُقَوِّض دعائم حزب العدالة و التنمية و استقراره هم الملتحقون الجدد — (في الواقع المتمرسون القدامى) — بالحزب الذين شابوا على أخلاق سياسية مغايرة بتنظيماتهم الأولى و التي قد يكونوا قد هجروها لعدة أسباب من بينها غياب القيم و طغيان ثقافة الدسائس؛ فكثيرٌ من أولئك لا- ولن – تُسعِفهم أخلاقهم و مبادئهم في تقديم مصلحة الحزب على مصالحهم الشخصية حين تدور عليهم الدائرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق