جماعات و جهات

جماعة أورتزاغ .. غابة دوار عين بوشريك تناديكم، و تتمنى موت الشواقير في أياديكم

ABDELLAH AZZOUZI

                                                         ذ. عبد الله عزوزي

إذا كنت مدرسا و وجدت صعوبة في شرح الآية الكريمة “فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ”، فستكون أمام خيارين، إما أن تحيلهم على فيلم هليودي يصور ساحة حرب بين جيشي داحس و الغبراء، وهنا قد يتفطن الأطفال إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون صناعة سينمائية فيها الشيء الكثير من الخدع و المبالغة، وإما أن تضعهم أمام واقع حي من مشهد يبدو فيه الناس متساقطون و ممدودون على الأرض جثثا هامدة، فما عليك سوى أن تأخذهم في خرجة إيكولوجية، تجمع بين العزاء و التضامن، لمشاهدة عشرات، بل المئات، من جذوع أشجار السيبيا التي ظلت تؤثث غابة دوار عين بوشريك لما يربو عن خمسة عقود، متساقطة في مشهد يحرك فيك مشاعر اً قد تمتزج فيها الحسرة و الرثاء و الاستنكار ..!

غابة عين بوشريك، ورغم و جود الكثير من العدة و العتاد المَدْمُوغِ، بعبارات تفيض حبا للبيئة و غيرة على الطبيعة بإقليم تاونات، من قبيل ” الغابات و المياه و محاربة التصحر”، تعرف إبادة بوثيرة سريعة و ممنهجة، و الأمر أصبح لا يطاق و يستدعي فتح تحقيق تُوثِّق مراحله نفس العدسات التي تهرول مسرعة لنقل السهرات بمجرد ما يضرب الطبال أول ضربة على طبله، أو يَنفُخ الزمار في مزماره.
كشاهد عيان، لست ملزما بأن أنوب عن النيابة العامة في القيام بالإجراءات المتعين القيام بها من أجل إنصاف غابة تبدأ حصص تعذيبها و قتل أطفالها و شيوخها كلما غابت الشمس و جن الليل و احتمى القرويون ببيوتهم الطينية التي فيها من وَبَرِ الغابة ما فيها.

غابة عين بوشريك التي تحالفت مع الجبل الأسود من أجل أن ترسم منظرا طبيعيا غاية في الجمال، عند كل شروق أو بزوغ قمر، ظلت تقاوم على مختلف الجبهات، واستطاعت العناية الإلهية أن تسلك بها أحلك اللحظات. لقد ساومها في شرفها السياسيون قبل الأميون. كان الأوائل، و من أجل مكاسب سياسية قد تصل بهم إلى حدود العَدْوَتَين أو ملتقى النهرين (ورغة و أولاي)، يتعمدون غض الطرف عن القطع العشوائي لأشجارها الذي كان يُتَوِّجُ به الأهالي بيوتهم التقليدية، فيضعون فوقها “سهاما” (ما يطلق عليه باللغة المحلية با سْهام، أي عمود من حجم أعمدة الكهرباء المعروفة)، بعدما يكونوا قد دسُّوا سهام نبالهم الحادة في جذوع أشجار الغابة التي يتم انتقاؤها بعناية فائقة، و لا يُسْقِطُون منها أرضاً إلا التي تسر الناظرين.

واقع الحال بتاونات يقول أن كل شيء في طَوْرِ مزيدٍ من الجمود، رغم أن الإقليم غنيٌّ بثرواته المائية و النباتية و السياحية، في غياب عقول مستعدة للإبداع، أو على الأقل السماح بالإبداء، بغية تغيير الواقع الآسن و خلق فرص التنمية و ذَرِّ الدخل المالي و تحريك عجلة الحضارة و الاقتصاد. ففي الوقت الذي كان يمكنُ فيه أن تتحول غابة الدوار المعني إلى منتجع أو مخيم صيفي يوفر للمقيمين و الزائرين ملجأً من قيض الصيف، و يخلق فرصا للشغل لا أقلها الحراسة و التجارة، نجد وضعها اليوم شبيها بتلك الدابة التي يصيبها الوهن و يلقي بها مالكها خارج حضيرته لكي تنهشها السباع ما دام لا فائدة و لا منفعة ترجى منها ؛ و في الوقت الذي كان يمكن أن يكون فيه محيط حقينة سد الواحدة جنةً خضراء، نراه يقترب في وضعه إلى وضع الصحراء.

و في انتظار أن تحل عدسات الصحفيون بعين المكان للوقوف على حجم الإبادة الجماعية في حق أشجار غابة الدوار، التي ترتبط بها حياة البشر و باقي الأنواع البيولوجية، تمنيت لو تُتَاحُ لكل الناس، من أجل معرفة قيمة الغابة، إمكانية الإطلاع على تجارب الدول المتقدمة بأوروبا و الأمريكيتين في شأن التشريعات و السياسات المرتبطة بالمجال الغابوي، علما أن تلك الدول هي في حد ذاتها تبدو عبارة عن غابات شبه متجاورة تفصلها تجمعات سكانية منظمة و متناسقة.

يعتقد البعض أن مصيرينا كبشر يُرسم على مستوى المركز، لكن في الحقيقة مصائرنا تُحبك على تخوم المحيط، حيث تنهب الطبيعة و تستنزف الثروات، في غياب بنية قادرة على الرصد و الضبط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق