نافذة على الثقافة و الفن

عن أولويات الصحافة الثقافية ..!

كيف-أصبحت-الصورة-القوة-المحركة-للصحافة؟

لا تخل الصحف اليوم من مساحات للفعل الثقافي الذي يجسد نفسه، إما في نصوص إبداعية أو متابعات نقدية، وهناك من يخصص ملاحق للثقافة يمرر عبرها وجهات نظر، إما لشعراء أو كتاب للمسرح أو السينما أو التلفزيون أو للقصة أو الرواية، ويتباين الاهتمام الصحفي بالثقافة حسب خطها التحريري والمنظور الإيديولوجي، وغالبا ما نلاحظ حماسا واندفاعا في هذه الصحف اتجاه هذا الفعل الثقافي.

من دون شك، أصبح حضور الثقافة في المنتوج الصحفي والإعلامي قويا في الصحافة والإعلام إلى الدرجة التي أصبحت مبيعات ورواج الكثير من الصحف والمجلات مرتبطة بما تقدمه في المجال الثقافي .. وحتى الصحافة الإلكترونية التي أصبحت تهيمن على مشهد القراءة بدأت تهتم بالفعل الثقافي وتوجه مشاهديها وقرائها إلى ما تنشره في الحقل الثقافي، ونتيجة لذلك، أصبح حتى المبدعون يراهنون على صفحات هذه الصحافة الإلكترونية في عرض أعمالهم مادامت الرقابة التي تمارسها هيئات التحرير في الصحف الورقية والمجلات الثقافية لا تمارس هذا الدور في الصحافة الإلكترونية، ويمكن لهم عبر الشبكة العنكبوتية تقديم أعمالهم عبر أكثر من إخراج يمكن أن يطور الدعاية التي تحتاجها هذه الأعمال الثقافية، ناهيك عن ما تسمح به هذه الشبكة على مستوى المعلومات والمعرفة في ذات التخصصات الثقافية التي تهتم بها.

نحن في المستقلة بريس، نعرف أن لكل صحيفة خطا تحريريا يوجه تعاملها مع الإبداع الثقافي، ومن خلاله تحدد موقفها من أي عطاء إبداعي ثقافي، إما معه أو ضده وفق منظور هيئة تحريرها للمسألة الثقافية في مجتمعها .. وغالبا ما تقبل بتقديم الأعمال التي تتعارض مع منظورها الإيديولوجي الثقافي تعبر عن وجهة نظرها من جهة أخرى مباشرة حول أي إبداع ثقافي في الأجناس الأكثر تداولا من طرف القراء والنقاد.

إن الصحيفة التي لاتراهن على الثقافة لا تمتلك القدرة على الحضور في السوق الاستهلاكي حتى وإن كانت متفوقة في أدائها الإخباري والنقدي، وعلى أهمية علاقتها بالإبداع الثقافي تستطيع أن توسع إشعاعها وسط جمهورها، خصوصا حينما تربط ذلك بتحيين اختيار عناوين ومواضيع هذا الإبداع الثقافي الذي له علاقة باليومي المعاش من قبل الذين يحرصون على تتبع المواقف الصادرة عن النخبة اتجاه جميع القضايا المجتمعية التي تهيمن على انتباه السواد الأعظم من المهتمين والقراء.
من الأولويات الثقافية في أي صحيفة هو درجة السبق والراهنية في العمل الثقافي الذي تقدمه على مستوى الصياغة والتحليل والموقف المعبر عنه اتجاه موضوعه، فمن السهل أن يكون تناول العمل الثقافي ثانويا أو عابرا للموضوع الذي تنشره الصحيفة في المجال الثقافي ضمن صفحاتها المتخصصة اليومية أو الأسبوعية التي تحرص أن تكون فيها قادرة على التنافس في اقتراح أبسط مقومات العمل الثقافي في المطلوب.

ما ينطبق على واقع الصحافة الثقافية يمكن متابعته بالنسبة للشأن الثقافي على مستوى بقية المتدخلين من مدرسة وأسرة وحزب وصحيفة ومسجد وجماعة وجهة وحكومة، فأي حضور للثقافة في الوظيفة التأطيرية والإدماجية التي تقوم بها هذه المؤسسات في المجال الثقافي ..؟ وهل ستتمكن الثقافة تلقاء نفسها من فرض دورها التنويري والفرجوي والتربوي إن لم تساهم هذه المؤسسات في هذه الوظيفة ..؟ وكم تخصص هذه المؤسسات في ميزانياتها للثقافة حتى تتمكن من إبراز دورها المجتمعي ..؟ بالثابت أن حجم ما يرصد للثقافة في هذه المؤسسات لا يساعد على الإطلاق على النهوض بالفعل الثقافي في المجتمع، ويمكن ملاحظة ذلك بالملموس من خلال الاهتمام المناسباتي في معارض الكتاب، وتوزيع الجوائز الهزيلة وإقامة المهرجانات التي أصبحت مناسبات لإعدام هذا الفعل الثقافي التي تكرم فيها من لا علاقة لهم أصلا بالشأن الثقافي بواسطة لجن التحكيم المفبركة لهذه المناسبات.

لن نختم نقاشنا حول أولويات الصحافة الثقافية دون أن نميز بين الصحافة الثقافية الدعائية التنويرية والصحافة الثقافية النقدية التي تتجاوز الأهداف الثقافية المتعارف عليها التي لا تمنح للصحيفة المصداقية في اشتغالها الثقافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق