أخبارملفات و قضايا

العلاقات المغربية القطرية .. شراكة استراتيجية تحكمها إرادة ثابتة وطموح لامحدود

maroc-qtar

تحقيق خاص

تكشف الدينامية المتنامية على نحو إيجابي للعلاقات المغربية القطرية عن توجه أكيد للجمع بين منطق الشراكة الإستراتيجية وروح التحالف بأفق يتفاعل فيه ما هو ثنائي بما هو جزء من المنظومة الخليجية ككل، وتحكمه إرادة متبادلة ثابتة وطموح مشترك لامحدود، و رغبة أكيدة لتطوير مجالات التعاون والارتقاء بها إلى ما يوازي عمق الروابط وأفق تطلعات قائدي البلدين والشعبين معا.

هذه الإرادة الأكيدة لفتح مجالات تعاون أوسع، يتداخل فيها استثمار الموارد لتبادل المنافع والخبرات والمعارف، بجهود كسب رهانات الحداثة في سياق أهداف التنمية المستدامة، كانت على الدوام مرفقة بدعم سياسي متبادل غير مشروط للقضايا ذات الأولوية لكل بلد، وأيضا لمواقف كل منهما من السياقات والمتغيرات الإقليمية والدولية.

ويتأكد هذا الدعم المتبادل من خلال المواقف المعلنة لكلا الطرفين في المنتديات العالمية والمنظمات الدولية .. فالمغرب طالما أيد دولة قطر في عدد من قضاياها وخطواتها ومواقفها من مختلف القضايا الإقليمية والدولية .. كما أن قطر، ما فتئت تؤكد دوما دعمها للمغرب في قضية الصحراء المغربية ولمقترح الحكم الذاتي كأساس لأي حل متفاوض عليه لإنهاء هذا النزاع المفتعل.

وهذا الموقف الداعم للقضية الوطنية، والذي عبرت عنه قطر أكثر من مرة، هو أيضا جزء من موقف دول مجلس التعاون الخليجي الذي تأكد في البيان المشترك الصادر عن القمة المغربية- الخليجية، التي انعقدت في 20 أبريل 2016 بالرياض بمشاركة صاحب الجلالة الملك محمد السادس وقادة دول المجلس، والذي جددت هذه الدول من خلاله “رفضها لأي مس بالمصالح العليا للمغرب إزاء المؤشرات الخطيرة التي شهدها الملف” آنذاك، مشددة على أن “دول مجلس التعاون والمملكة المغربية تشكل تكتلا استراتيجيا موحدا، حيث أن ما يمس أمن إحداها يمس أمن الدول الأخرى”

ولا يقف هذا الدعم المتبادل عند ما هو سياسي وما هو مبدئي وقيمي، بل ينتصر أيضا لكل ما يحرك دوائر الاقتصاد وينعش الاستثمار في المال والخبرات البشرية.

وفي هذا الصدد، يقدر المغرب عاليا لقطر مساهمتها الوازنة في دعم المسار التنموي على المستوى الوطني، سواء باستثماراتها المختلفة، أو من خلال تقديم حصتها من منحة الدعم المالي الخليجي المخصص للمملكة، وحصتها في شركة “وصال كابيتال” التي تستثمر، من خلال شراكة ما بين الصندوق المغربي لتنمية السياحة وأربعة صناديق سيادية خليجية، في مشاريع عقارية وسياحية ضخمة بكل من الرباط والبيضاء وطنجة، بميزانية تناهز أربعة ملايير دولار.

وفي سياق التواصل الدائم بين مسؤولي البلدين لتعميق وتنسيق الرؤى والمواقف، تميزت هذه السنة، المشرفة على التواري، بزيارة الأخوة والعمل التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لقطر ما بين 28 و30 ابريل، ضمن جولة قادت جلالته أيضا لعدد من دول المنطقة، والتي تميزت بالمباحثات التي أجراها مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والتي وصفها جلالته، في برقية شكر وتقدير بعث بها في ختام زيارته، بأنها كانت مطبوعة “بروح أخوية صادقة “، وأبانت عن “تطابق في الرؤى إزاء مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك”، وأكدت “الإرادة المشتركة لإعطاء دفعة قوية لعلاقات الشراكة بين البلدين لما فيه صالح الشعبين الشقيقين وبما يمكن من رفع التحديات التي تواجه امتنا العربية والإسلامية.”

كما تميزت بالزيارة التي قامت بها، في أواخر نونبر الماضي، صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى، بصفتها رئيسة مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان، بدعوة من رئيسة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، وذلك لحضور أشغال مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (ويش)، في نسخته الثالثة، والذي تمحور حول أهم التحديات العالمية الكبرى في مجال الرعاية الصحية.

وقبل ذلك، قام صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد في يوم 25 أكتوبر الماضي بزيارة لقطر، ليمثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في تقديم التعازي في وفاة صاحب السمو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني.

وفي إطار الزيارات المتبادلة بين البلدين، حلت أكثر من شخصية قطرية بالمغرب، وأيضا أكثر من سياسي ومفكر مغربي بقطر للمشاركة في ملتقيات دولية احتضنتها الدوحة، كمشاركة وزير المالية، السيد محمد بوسعيد، خلال ماي المنصرم في أشغال المؤتمر الحادي عشر “لإثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط”، ومشاركة السيد يوسف العمراني، المكلف بمهمة بالديوان الملكي، خلال نونبر الماضي، في حلقة نقاش حول “مستقبل الشرق الأوسط” ضمن الدورة التاسعة لمؤتمر السياسة العالمية.

وتكريسا لهذه الدينامية المتواصلة، شكلت النتائج الإيجابية والمحفزة للتعاون الثنائي التي انتهت إليها أعمال الدورة السادسة للجنة العليا المشتركة القطرية المغربية، المنعقدة بالدوحة في سادس ابريل الماضي، محطة لمواصلة توطيد صرح هذه العلاقات وتوسيع مجالات التعاون وحدود الاستثمار، حيث توجت بالتوقيع على تسع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية، امتدت إلى قطاعات متعددة، إضافة إلى التوقيع على محضر هذه الدورة التي ترأس أشغالها رئيس الحكومة، السيد عبد الإله ابن كيران، ورئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني.

وشملت هذه الاتفاقيات اتفاقية للتعاون في المجالين القانوني والقضائي، ومذكرة تفاهم بين اللجنة الوطنية للقانون الدولي والإنساني بدولة قطر واللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني بالمملكة، إلى جانب اتفاقية في مجال النقل البحري، وأخرى تتعلق بالتعاون بين الوكالة الوطنية للموانئ والشركة القطرية لإدارة الموانئ، واتفاقية تتعلق ببرنامج (بذور للشباب المغربي) موقعة ما بين مؤسسة (صلتك) في قطر ومؤسسة (التوفيق) للتمويلات الصغرى بالمغرب.

كما توجت أشغال هذه الدورة بالتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة والكهرباء وكفاءة استخدام الطاقة، إلى جانب مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية بدولة قطر وصندوق الإيداع والتدبير، وبرنامجين تنفيذيين في المجال الثقافي والفني والرياضي.

وجسدت هذه الاتفاقيات استمرارية وإضافة نوعية لما خلصت إليه الدورة الخامسة لهذه اللجنة في شهر مارس 2014 بالرباط من اتفاقيات كان من بينها، على الخصوص، اتفاقية تعاون في المجال الأمني، وأخرى في مجال النقل الجوي، واتفاق تعاون وتبادل إخباري مشترك بين وكالة المغرب العربي للأنباء ووكالة الأنباء القطرية.

وكانت سنة 2015 قد تميزت بحدث هام على مستوى علاقات البلدين في مجال التشغيل والشؤون الاجتماعية، هو تدشين مكتب العمل المغربي في الدوحة يوم 21 أكتوبر، تفعيلا لاتفاقية استقدام العمال المغاربة إلى دولة قطر، الموقعة بين حكومتي البلدين في 17 مايو 1981، والبروتوكول الإضافي الموقع في الرباط بتاريخ 24 نونبر 2011، بخصوص تنظيم استقدام اليد العاملة والكفاءات المغربية الراغبة في العمل بدولة قطر.

وبدعم من هذه الاتفاقيات وبقناعة متبادلة بجدوى الفرص الاستثمارية المتاحة، تضاعفت وتنوعت مجالات المبادرات الاستثمارية القطرية باتجاه المغرب، من ذلك مشروع الشاطئ الأبيض بين مدينتي طرفاية وطانطان، ومشروع المدينة الترفيهية “ديزني لاند ” بمدينة مراكش، ومشروع إعادة تأهيل “قصر التازي” بمدينة طنجة، و مشروع “الهوارة” السياحي بطنجة كذلك، يضاف إليها مشروعان تم أطلاقهما خلال هذه السنة بمدينة الراشيدية، من أصل خمسة مشاريع مبرمجة بتوجيهات من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لدعم قطاعي التعليم والصحة بالمغرب .. والمشروعان عبارة عن مركز لتصفية الدم وغسيل الكلى بمنطقة كلميمة، ومجمع مدرسي للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة.

وفي خضم هذا التفاعل البناء لتعزيز مكتسبات هذه العلاقات والبحث عن آفاق وأساليب جديدة ومبتكرة للتعاون، ما فتئ الجانبان يؤكدان على ضرورة إيجاد الآليات الفاعلة للنهوض بالمبادلات التجارية إلى مستوى العمق الذي بلغته العلاقات بين البلدين، وهو المطلب الذي حمل رئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران، خلال أشغال الدورة السادسة للجنة المشتركة المغربية القطرية، قسطا كبيرا من مهمة إنجازه والوفاء به للقطاع الخاص بالبلدين، لما يملكانه معا من إمكانات ومرونة لاقتحام مجالات تعاون أكثر مردودية للطرفين ولابتكار وتبني وسائل واليات أكثر نجاعة لتطوير المبادلات وتوسيع دائرة الاستثمارات.
نفس الشيء، كان قد عبر عنه الوزير المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية سابقا، السيد محمد عبو، خلال زيارته ضمن بعثة تجارية لقطر في نونبر 2014، حين ربط رفع حجم المبادلات التجارية بمدى انخراط القطاع الخاص المغربي والقطري في الدينامية الاستثنائية التي تشهدها العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الجانبين، حيث لفت آنذاك الانتباه إلى أن حجم المبادلات لا يتعدى مليار درهم (ما يعادل 100 مليون دولار) وأن تسهيل ولوج المنتوجات المغربية إلى السوق القطري يتطلب تبسيط المساطر الإدارية والجمركية، فضلا عن حل إشكالية شحن مختلف المواد وخاصة الغذائية منها جوا إلى قطر.

ولعل في افتتاح خط جوي مباشر بين الدار البيضاء والدوحة وخط آخر مباشر بين الدوحة ومراكش، خلال السنة الجارية، ما يمثل خطوة في اتجاه تدبير تصريف ملف الشحنات التجارية باتجاه الدوحة، وتقريب المسافات وترشيد استغلال الزمن على مستوى التنقل والرحلات.

وفي غياب أرقام محينة عن حجم المبادلات بين البلدين، يجمع المسؤولون المغاربة على أنها وبالرغم مما عرفته مؤخرا من تنام تصاعدي بمعدل نمو سنوي بلغ 21 في المائة، فإن هناك الكثير مما ينبغي القيام به من قبل جمعيات المصدرين المغاربة على الخصوص، للتعريف أكثر بالمنتوجات المغربية داخل السوق القطري.

وتظل الآفاق المستقبلية، بحسب رئيس الحكومة، عبد الإله بن كيران، حبلى بالكثير مما يمكن إضافته وإنجازه”، خاصة في مجالات التجهيز والبنية التحتية والطاقة والمعادن والتكنولوجيات الحديثة والتعليم العالي وقطاع التشغيل واليد العاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق