أخبارالدين و الناس

الإسلام لايمتلك مقومات المرجعية السياسية للدولة

د. الصديق بزاوي
BZAOUI

فلنفرض جدلا، يعقب أحد العلمانيين، أن الإسلام دين شامل للعقيدة والشريعة التي تنظم كل جوانب الحياة بما فيها الجانب السياسي، بدعوى وجود آيات قرآنية وأحاديث نبوية تتضمن بعض الإشارات والمبادئ العامة المنظمة لشؤون الحكم، كما أن تلك المبادئ تم تفعيلها في عهد الدولة الإسلامية، على افتراض أنها فعلا دولة، التي أسسها محمد بالمدينة واستمرت في عهد الخلفاء الراشدين .. كما أن الحياة البشرية كل لا يتجزأ كما أكدتم ..غير أن الإشكال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد يتعلق بالمرجعية، وقد عبر علماني آخر عن مثل هذا الموقف وقال :

“نحن نعرف أن كل نظام إيديولوجي سياسي ينطلق من مرجعية معينة، فالنظام العلماني ينطلق من مرجعية كونية توصلت إليها الحضارة الإنسانية بفضل تراكم التجارب البشرية والتي تمت صياغتها في شكل قرارات ونظريات ومواثيق دولية دقيقة واضحة لا غيار عليها .. وأن هذه المرجعية قد تجسدت في عدة أنظمة توجد على أرض الواقع.

أما النظام الإسلامي المزعوم فسوف يفتقر إلى مثل تلك المرجعيات .. وصحيح، أن أنصار الحكم الإسلامي يرفعون شعار “الإسلام هو الحل” بمعنى أن مرجعيتهم هي الإسلام .. وهذا مجرد غوغاء كلامية لا مدلول لها، ومما يزكي طرحنا هذا كون فهم الإسلام وتأويله ليس واحدا، بل أنه يختلف كثيرا بين مذهب وآخر، إلى درجة أننا يمكن أن نتكلم عن مرجعيات إسلامية، وليس عن مرجعية واحدة. “

يقول الخبير العليم في كتابه الكريم : “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا “(19 )، كما يقول سبحانه: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون “…”، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون …”، “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون …”،.يفهم من هذه الآيات الحكيمة أنه ينبغي على المؤمنين أن يطيعوا الله ورسوله بالتمسك بالكتاب والسنة وأن يطيعوا ولاة أمور هم من علماء وحكام و مسؤولين بمختلف مراتبهم إذا كانوا مسلمين متمسكين بشرع الله .. إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .. وفي حالة اختلاف المؤمنين في أمر من أمور دينهم أو دنياهم، فإن الاحتكام يكون إلى القرآن الكريم وسنة الرسول (ص) التي تبينه، وذلك خير لمن يؤمن بالله وأصلح وأحسن عاقبة ومآلا …”، و يتبين من هذه الآيات الكريمة ومن غيرها، ومن الأحاديث النبوية، أن مرجعية المؤمنين، أي الجهة التي يجب أن يحكموها في حياتهم ويستنبطوا منها قواعد ومبادئ تسيير الشأن العام والفصل في المنازعات، وتنظيم العلاقات بين المسلمين وبينهم وبين غيرهم، وبسط الأمن وعمارة الأرض .. هي القرآن والسنة، وهذا يعني أن النظام السياسي الإسلامي هو الذي يستقي قواعده وقيمه وقوانينه من الشريعة الإسلامية بمختلف مصادرها .. والأمر هنا ليس على سبيل الاختيار، وإنما على سبيل الوجوب، فلا مناص إذن إلا الامتثال لهذا الأمر لمن هو مؤمن حقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق