أخبارنافذة على الثقافة و الفن

باك 2017: الواقع و المأمول

6010

ذ.عبد الله عزوزي

شهرٌ واحدٌ يفصل المنظومة التربوية عن الاستحقاقات الإشهادية، و من بينها، على وجه الخصوص، امتحانات نيل شهادة الباكالوريا، التي يعتبر الحصول عليها البداية الفعلية للتحصيل التخصصي بالمؤسسات الجامعية المغربية، و الذي سيحمل الطالب(ة) نحو الوجهة الفكرية و الخلفية التربوية و المسار المهني الذي سيصقل شخصيته و سيساهم به في بناء محيطه و وطنه.

غير أن هذه المحطة – محطة امتحانات الباكالوريا – بدل أن تكون لحظةً لتمييز الغث من السمين، و المجتهد من المتهاون، و الجاد من اللامبالي، نجد أنها لحظة لخلط الأوراق، و إحباط النفس، و الكذب على الرأي العام الأسري و الوطني و تمكين الغشاشين من وسام لا يستحقونه، بل نالوه ضداً على الأساتذة و المراقبين و رؤساء المراكز و المصححين.

لقد ظل يشكل الغش في امتحانات الباكالوريا، طيلة العشرية الماضية، ظاهرة بارزة جعلت الغالبية العظمى من المترشحين لنيل شهادته يعتقدون بأنه (الغش) “حق من الحقوق المرتبطة بالذات” و أنه هو الأصل، أما الاعتماد على الذات و التفكير الشخصي فهو مجرد فرع من الفروع يتدلى في أذهان الكثيرين إلى ضعف و “شذوذ”.

فحتى و إن حاولت الدولة – التي اعترفت في أكثر من مناسبة بتراجع قيمة شهادة الباكالوريا الوطنية و أنه غير معترف بها دوليا بسبب انتشار ظاهرة الغش بين الحاصلين عليها، و أنها لا تعكس بالضرورة مستوى تحصيل صاحبها- التصدي للظاهرة في محاولة للحد منها و رد و لو جزء ضئيل من الاعتبار لقيمة المنظومة التربوية و الشهادة التي تمنحها لروادها، خصوصا مع حكومة عبد الإلاه بنكيران الأولى، التي شَغَلَ فيها الاستقلالي محمد الوفا حقيبة وزارة التربية و التكوين، إلا أن الأمور سرعان ما تراجعت إلى الوراء بعد التعديلات التي شهدتها نفس الحكومة وعودة رشيد بن عبد الله بن المختار لتدبير القطاع.

كأحد أبناء و مهنيي هذه المنظومة، و من خلال تجاربي الطويلة في الحراسة و تدبير الامتحانات، لا يسعني إلا أن أعبر عن إحباطي و صدمتي و فقداني للثقة في “مخرجات هذه المنظومة” التي تشير كل المؤشرات و الممارسات أنها سائرة في طريق الاستفحال المنذر بالهلاك التام للمنظومة، خاصة في ظل تراجع دور القيم المجتمعية و الدينية و الأسرية و الانتشار الواسع لوسائل الاتصال و التكنولوجيا بين مكونات المجتمع، قاصرين و بالغين.

امتحانات هذه السنة ستكون لأول مرة تحت تدبير وزير بخلفية و وعي رجالات وزارة الداخلية، الذين يُعرَف عنهم الذود عن الأمن العام و التصدي للإرهاب، و النظرة الاستباقية للتهديدات، و الإحاطة الشاملة بمصدر المعلومة .. لكن، لحدود اللحظة لا ندري ماذا أعد الوزير محمد حصاد لمكافحة جريمة الغش، التي لا تقل خطورة و انتهاكا لحقوق الإنسان و الدولة من الإرهاب ذاته ..؟

ونحن نتكلم في حقل التربية و التعليم، نجد أن المزاج العام الذي يتخفى فيه البعض وراء البعض الآخر منشغل بالكم عن الكيف، و بلغة النسب و الأرقام عن معايير الجودة و شرعية النتائج .. هذا المزاج جعل أطرافا عدة تُقَصِّر في أدوارها، مواصلة تشبثها بالاعتقاد الخاطئ الذي يدعي أن إصلاح منظومة التربية و التكوين هو شأن داخلي داخل وزارتها، و حصري على أجهزتها الجهوية و الإقليمية و المحلية .. ويبقى التساهل مع ظاهرة الغش و التغاضي عن سلوكات مروجيه و المتاجرين فيه حتى قبل و خارج قاعات الامتحان، أكبر خطر يهدد، ليس فقط نظام التربية و التعليم في المملكة، بل يضرب في الجوهر الشخصية المغربية و نزاهة الطالب/الإنسان المغربي.

سنلاحظ في القادم من الأيام، ومع إطلالة شهر رمضان المبارك، شهر التقوى و الغفران، أن غالبية مالكي محلات النسخ سوف لن تتردد في تعزيز رأسمالها من خلال تلبية طلبات الغشاشين بنسخ و تصغير الدروس المقرر في السنة الأولى و الثانية باكالوريا .. يتم هذا أمام السلطة التي تمثل الشعب و الدولة .. !

بالإضافة إلى هذا، سيعمد الكثير من الأقرباء و الأصدقاء إلى إعطاء هواتفهم الخاصة للمقبلين على اجتياز الامتحان، وذلك في إطار دعم “الخطة البديلة” التي يتبناها الغشاشون كلما تم تجريدهم من هاتف أثناء اجتياز الامتحان.

هذا، و يبقى أكبر ضرب للمنظومة، فضلا عن تسريبات صفحات الفايسبوك المحدثة لهذا الغرض، هو أن يعمد بعض “الأساتذة” و مقدمي الدروس الخصوصية/ المسائية إلى إبرام صفقات تصل ل 500 درهم للحصة مع “المُمتَحنين” مقابل العمل على تزويدهم بعناصر الإجابة عبر الواتساب و الرسائل النصية و البريد الخاص على الفايسبوك .. ! الأمر الذي يجعل قاعات الامتحان تتحول يومه إلى ما يشبه محلا تجاريا للهواتف أو مراكزا للنداء بسبب تقاطر الرسائل الهاتفية .. !

أمام هذه المعضلة المارقة، أريد أن أعقد مقارنة بسيطة لعلها توقظ بعض الضمائر: كيف تعمد القنصليات الأجنبية، مثلا، إلى إجراء فحص كامل للوالجين إليها، مستعملة أجهزة الاستشعار الإلكترونية، و التفتيش اليدوي، وهو نفس الإجراء الذي تقوم به شرطة المطار، حفاظا على الأمن و سلامة مواطنيها، وبالمقابل يتم التساهل أو غض البصر عن المُجتازين للامتحانات الوطنية بولوج القاعات بدون أدنى تفتيش، علما أن ما يحملونه من أسلحة فتاكة قادرة على تخريب المجتمع و قهقرته إلى مدارج الانحطاط و التخلف القيمي و الفكري و الاقتصادي .. فهل خراب أمة و حضارة، فعلا و حقيقة، أهون من خراب مبنى أو تفجير طائرة، تخمينا و افتراضا ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق