أخبارمنبر حر

“خرافة” نهاية أسطورة صحيح البخاري ..!

د. الصديق بزاوي

إنها بابزاويلفعل خرافة، بل أسطورة، أن يدعي شخص أنه تمكن من محو مؤلف * صحيح البخار * من الوجود، وذلك بتجميع مقالات من هنا وهناك و إعادة نشرها على شكل مؤلف .. فهل يتصور إنسان عاقل أن أحدا يستطيع أن يخدش هرما بأظافره العليلة و بالأحرى أن يزييله .. أكيد، إن مثل هذا الأمر هو الأسطورة بعينها.

صنف محمد بن اسماعيل= البخاري = مؤلفه # الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه# في مدة لا تقل عن ستة عشر سنة، ويعد هذا المصنف أول كتاب في الحديث الصحيح، وقد اعتبره جمهور العلماء من الذين عاصروا الإمام وغيرهم، بل و حتى من الباحثين المعاصرين، من أمهات مصادر الحديث وأصح كتاب بعد القرآن الكريم، وخاصة بالنسبة لأهل السنة و الجماعة، وقد ألفت حوله كتب كثيرة من شروح ومختصرات وتعليقات ومستدركات ومستخرجات وغيرها مما يتعلق بعلوم الحديث .. وقد استمر هذا الإشعاع لأكثر من اثني عشر قرنا، وظل شامخا صامدا أمام صخب وعنف موجات من التجريح والتشكيك اللامسؤول الذي لازال يطفو على السطح من حين لآخر .. لكن، من غير جدوى .
وقد اعتنى العلماء قديما وحديثا بشرح هذا الكتاب القيم .. وقال عنه العلامة = ابن خلدون= إن شرح البخاري دين على الأمة، ويعتبر= فتح الباري= لابن حجر، من أهم شروح =الصحيح= وأكملها، وقد تضمن التعليق والفقه و الأصول واللغة ومناقشة الأسانيد والمذاهب والآراء المتعلقة بالحديث المشروح .
أما من حيث عدد الأحاديث الذي يقدر بستة آلاف، و الذي يستند عليه أغلب هؤلاء المشوشين بدعوى أن عقولهم لا تستسيغ إمكانية تحقيق هذا العدد الضخم في ظرف ستة عشرة سنة التي استغرقتها عملية التحقيق والتصنيف .. متناسين أن البخاري رضي الله عنه بدأ في حفظ الحديث منذ سن العاشرة، وأن صحيحه تضمن عددا من الأحاديث المكررة في الأبواب، وقد قام عدد من العلماء بحذفها في المختصرات .. وأن الخالص من ذلك بلا تكرار يقدر بألفي وستمائة حديث فقط، كما أن هذا النوع من الاستدلال لا يرقى إلى مستوى الدليل العلمي في غياب معطيات دقيقة عن ظروف وملابسات عملية جمع الحديث وتحقيقه وتصنيفه .

روي أن عدد من سمع المصنف من الإمام مباشرة بلغ تسعين ألفا، وأن الكتاب تواتر إلى الزمن المعاصر سمعا وقراءة ونسخا .. و ألفت حوله كتب وأبحاث تناولت رجال صحيح البخاري و منها = الهداية و الإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد = لأبي نصر الكلباذي. و = التعديل و التجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح لأبي الوليد الباجي .. وهذا وغيره.

وفيما يخص وجود أحاديث يتناقض متنها مع القرآن الكريم، فإن هذه العلة بمفردها تضعف الرواية وتجعل منها حديثا موضوعا .. لكن، الذي يحدث في أغلب الحالات هو كون المتطفلين على علم الحديث قد لايستوعبون المضامين، لأن الأمر قد يستدعي تدخل خبراء فك التناقضات المزعومة بين الأحاديث النبوية والقرآن الكريم .

أما من حيث المنهج، فيرى أشباه العقلانيين أن المحققين في المرويات عن أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم الإمام البخاري، لم يتقيدوا بالمنهج العلمي .. ومن المؤكد، أن هؤلاء يقصدون المنهجيات التي أنتجتها، أو أعادت إنتاجها المذاهب الغربية والتي تتميز بطابعها العلماني، لأن هؤلاء يعانون من الانبهار والاستلاب الحضاريين، كما أنهم يجهلون أن المنهج يختلف حسب طبيعة المادة المعرفية التي يراد تطبيقها عليها .. إذ، أن منهج العلوم الشرعية ليس هو منهج العلوم الإنسانية، وأن زمان البخاري ليس هو زماننا المعاصر .. وهذا الخطأ في استيعاب منهجيات البحث يضفي الطابع غير المعقلن على انتقادات أشباه العلمانيين الذين نحن بصدد مجادلتهم .. إن منهج محققي الأحاديث النبوية التي اعتمدت على السند وعلى العنعنة وعلم الرجال، وميزت بين الحديث المتصل والحديث المبتور والحديث الغريب وحديث الآحاد، وبين الضعيف والصحيح، منهج علمي بكل المقاييس عندما نضعه في إطاره الزمني.

إن وجود مآخذ على صحيح البخاري مسألة جد طبيعية، شأنه في ذلك شأن جميع ما ينتجه المجهود البشري .. فقد أخذ بعض العلماء على الكتاب بعض الهفوات .. ونكتفي هنا بالإشارة إلى ما قاله =النووي= من أنه = قد استدركت جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلى بشروطهما فيها ونزلت عن درجة ما التزم به، وادعى =ابو عمرو بن الصلاح = أنه = ينبغي لكل مصنف أن يعلم أن هذه الأحاديث، وإن كان أكثرها لا يقدح في أصل موضوع الكتاب، فان جميعها وارد من جهة أخرى.

رغم المكانة التي حظي بها ولازال وسيبقى يحظى بها صحيح البخاري، فها نحن نعيش في زمن الفتنة الأكبر .. مهازل يقوم بها أشباه باحثين، و الذين في قلوبهم زيغ، وذلك بمحاولاتهم الفاشلة مسبقا، من أجل زعزعة ثقة المسلمين في عظمائهم و رموزهم التاريخية، سعيا وراء شهرة وهمية، أو من أجل الارتزاق أو خدمة لأجندات أسيادهم أعداء الإسلام، في الوقت الذي تعمل فيه الأمم الأخرى على إحياء تراثها وتعتز برموزها .. وأكيد، أن تحطيم العلماْء يشكل بداية وجبهة لتحطيم التراث .. وأكيد، أن تحطيم تراث الأمة الإسلامية سوف يؤدي إلى إحداث شرخ بين ماضيها وحاضرها فيتحقق الهدف المرسوم لها .

إننا لا نقصد بهذا الرد على صناع الفتنة إحباط عزائمهم أو دفعهم إلى التقاعس و الاكتفاء بالتقليد، و إنما نقصد فقط ضرورة اعتماد النقد الموضوعي الذي يتوخى إعادة بناء الفكر، وتجديد الخطاب الإسلاميين، بدل الاقتصار على الهدم من غير إصلاح و طرح للبدائل .

يتــبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق