
رسالة مفتوحة، في أفق الاستعدادات للاستحقاقات التشريعية المقبلة 2026
إلى روح الزعماء/أيقونات النضال السياسي ببلادنا: علي يعته، وعبد الرحيم بوعبيد، وامحمد بوستة، وغيرهم، في زمن نَذُرَ فيه الزعماء الوطنيون الحقيقيون .. وإلى كل من يهمهم الأمر
الرحمة الواسعة على أرواحكم الطاهرة؛
معذرة إن أزعجكم اليوم المنتدى الوطني لحقوق الإنسان في قبوركم، وقرر توجيه هذه الرسالة المفتوحة والصادقة إلى أرواحكم الزكية، بعد أن تأكد لدى الجميع، أو على الأقل لدى أغلب المناضلات الحرائر، والمناضلين الأحرار، بأنه لا حياة في الوقت الحاضر على الأقل، لجل من تنادي في مشهدنا السياسي هذا، والذي أضحى حقلا خصبا “لشناقة الانتخابات“، وأصبح مشتلا واقعا، جل جنباته ملأى خبثا، وجبنا، وفسادا، وزبونية، ومحسوبية، و وصولية، ونفاقا، وإقصاء، بل وتخوينا للشريفات والشرفاء، وتهميشا لكل الكفاءات، خاصة الشابة منه .. ولن نكون أحكم ـ أيتها الأرواح الطاهرة لزعمائنا الخالدين ـ من صاحب الجلالة، ولا أدرى منه، ولا أحوط منه، ولا أعلم منه بواقع المشهد السياسي ببلادنا، ولا أبلغ تعبيرا منه، وهو يقول في خطابه ليوم 29 يوليوز 2017، بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتربعه على العرش: “.. إن الاختيارات التنموية للمغرب تبقى عموما صائبة؛ إلا أن المشكل يكمن في العقليات التي لم تتغير، وفي القدرة على التنفيذ والإبداع .. مضيفا جلالته، أن “التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة” .. معتبرا أنه “عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا من المكاسب المحققة، أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه؛ وهو ما يجعل المواطنين يشتكون لملك البلاد، من الإدارات والمسؤولين الذين يتماطلون في الرد على مطالبهم، ومعالجة ملفاتهم، ويلتمسون منه التدخل لقضاء أغراضهم”، بتعبير الملك محمد السادس .. وأضاف الجالس على العرش العلوي، أن “الواجب يقتضي أن يتلقى المواطنون أجوبة مقنعة، وفي آجال معقولة، عن تساؤلاتهم وشكاياتهم، مع ضرورة شرح الأسباب وتبرير القرارات، ولو بالرفض، الذي لا ينبغي أن يكون دون سند قانوني، وإنما لأنه مخالف للقانون، أو لأنه يجب على المواطن استكمال المساطر الجاري بها العمل”
وأمام هذا الوضع، يؤكد صاحب الجلالة أن من حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في واد والشعب وهمومه في واد آخر ..؟ واعتبر خطاب العرش هذا أن “ممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات؛ لأنهم، بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل
ليسترسل جلالته متسائلا بصريح العبارة: “إذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب ..؟” .. موجها خطابه إلى المسؤولين المغاربة بالقول: “كفى، واتقوا الله في وطنكم .. إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا .. فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون” .. مضيفا جلالته: “هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، لأن الأمر يتعلق بمصالح الوطن والمواطنين، وأنا أزن كلامي، وأعرف ما أقول، لأنه نابع من تفكير عميق”
أيتها الأرواح الطيبة، يا من طبع أصحابها المشهدين الحزبي والسياسي، بمواقفهم الوطنية والجريئة والشجاعة؛
نعيش اليوم وللأسف الشديد وضعا شاذا، حاد فيه الحزب السياسي عن الأدوار التي من أجلها أنشئ، خاصة تلك التي تحدد علاقاته مع المواطنات والمواطنين؛ إلى درجة أضحى معها الحزب السياسي، ليس فقط جزء من المشكلة، بل المشكلة والمعضلة أصلا فشتان أيتها الأرواح الطيبة، من جهة بين ماضيكم المشرق والمشرف، إلى جانب التوجيهات الملكية السامية والرائدة والرائعة، التي جاءت بديباجة قانون الأحزاب السياسية المغربية، كما صادق عليه مجلس النواب يوم 20 أكتوبر 2005، وبين واقع التشرذم والفساد اللذين نخرا جزءا كبيرا من الجسم الحزبي ببلادنا من جهة ثانية؛
وبما أن المناسبة شرط، فالتعريج على فقرات من الديباجة المشار إليها أعلاه، نظرا لأهميتها البالغة، ولتناولها جوانب حساسة مثل مسألة الانتقال الديمقراطي وغيرها، يبقى أمرا ضروريا وملحا، لتبيان مدى التزام الأحزاب السياسة بما جاء في هذه الديباجة من عدمها .. تقول هذه الديباجة ـ فيما تقوله ـ لقد حرص جلالة الملك محمد السادس، أدام الله عزه، منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين على أن يجعل من مشروع بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي أولوية تتصدر اهتمامات جلالته أيده الله، حيث جعل حفظه الله من تثبيت أركان الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها وتدعيم آليات اشتغالها، في إطار دولة الحق والقانون، مطمحا ساميا ونبيلا، يندرج في إطار منظومة إصلاحية شاملة ومتبصرة ترتكز بالأساس على تحديث المؤسسات والهيئات السياسية ودمقرطتها، وإصلاح المشهد السياسي الوطني وتأهيله بما يساير متطلبات العصر والانفتاح على روحه، ويواكب تطور الوظيفة الدستورية للهيئات السياسية في الأنظمة الديمقراطية العصرية
إن المنظور الملكي لتحديث وعصرنة المغرب، الذي يشكل القانون المتعلق بالأحزاب السياسية إحدى حلقاته المميزة، ينبني على مقاربة إصلاحية متكاملة انصبت بصفة رئيسية على النهوض بحقوق الإنسان والطي النهائي لصفحة الماضي، بما يحفظ الكرامة وينصف ذوي الحقوق ويعزز الوحدة الوطنية .. ومن البديهي، أن ٌإقرار تشريع عصري لتنظيم المشهد الحزبي ببلادنا له دلالات عميقة وأبعاد متكاملة باعتباره عملا وطنيا طموحا وحضاريا يتوخى، طبقا للتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، توفير إطار تشريعي خاص بالأحزاب السياسية، الهدف منه العقلنة والديمقراطية وإضفاء الشفافية على تشكيلتها وتسييرها وتمويلها، مع الأخذ بعين الاعتبار للأشواط الكبيرة التي قطعها الشأن الحزبي ببلادنا، تقنينا وتنظيما وممارسة، وكذا للعبر المستخلصة منه، على ضوء تقييم وضعيته الراهنة وتشخيصها بكيفية موضوعية ومعمقة، لرصد مكامن الضعف والاختلال التي تعتريه وتحد من فعاليته، كما يتوخى الارتقاء بالأحزاب لتصبح رافعة قوية قادرة على تعبئة جهود وطاقات مكونات المجتمع وقواه الحية لرفع التحديات الداخلية والخارجية للبلاد .. وفي نفس السياق، فإن القانون المتعلق بالأحزاب السياسية يندرج في إطار الحرص على توطيد صرح الدولة الحديثة في نطاق الملكية الدستورية الديمقراطية الاجتماعية، ويعد لبنة أساسية للسير قدما بالانتقال الديمقراطي إلى الأمام، وإنجاح رهانه وتأهيل العمل البرلماني بتجاوز البرلمانية التمثيلية التقليدية إلى البرلمانية العصرية عبر ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة
وحرصا على تجسيد الالتزام المـلكي السـامي بـديمقراطية الـمشاركة والانخراط في إقامة دولة القانون، بشكل لا رجعة فيه، بمساهمة كافة القوى والفعاليات المعنية، فقد أبى جلالة الملك نصر الله، إلا أن يحدد المنهجية العامة التي ستحكم إخراج هذا النص إلى حيز الوجود .. مؤكدا على وجه الخصوص على ضرورة اعتماد نهج التوافق الإيجابي، المبني على التشاور الواسع والبناء، بين مختلف الفاعلين السياسيين، مع مراعاة ما التزم به المغرب دوليا في مجال حقوق الإنسان، وكذا الانفتاح على تجارب الدول الديمقراطية العريقة في مجال تنظيم الحقل الحزبي وتكييف هذه التجارب مع خصوصيات العمل السياسي ببلادنا، كما أن التوجه العام الذي أطر لصياغة هذا القانون يستمد مرجعيته الأساسية من الحرص الملكي الكبير، ذي المعنى العميق، في الارتقاء بهذا التشريع الجديد ليأتي بإجابات جماعية متميزة عن قضايا مجتمعية عريضة، وليس تلبية لمطامح شخصية أو فئوية ضيقة، بما يخدم تطوير الممارسة الحزبية والانخراط في الورش الكبير الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، لإصلاح الحقل السياسي الوطني، وإنجاح التحديث المؤسساتي والسياسي، وتحصين المسار الديمقراطي الحداثي ببلادنا
إن هذا القانون، الذي يطمح إلى تمكين الأحزاب السياسية من إطار تشريعي يعيد للعمل السياسي اعتباره ومصداقيته، لا يعتبر غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لتهيئة مناخ سياسي ملائم، يجعل من الحزب السياسي أداة لإشعاع قيم المواطنة، وصلة وصل قوية بين الدولة والمواطن .. مبرزا على الخصوص مسؤولية الأحزاب السياسية في العمل على التفعيل الأمثل والسليم لأحكامه وترسيخها عن طريق الالتزام بتطبيق مضمونها، والتقيد في إحداثها وبرامجها وطرق تمويلها وتسييرها وأنظمتها الأساسية والداخلية بقواعد ومبادئ الديمقراطية والشفافية،
كما يظل الهدف الأسمى من سن هذا القانون الرائد جعل الأحزاب السياسية، باعتبارها المدرسة الحقيقية للديمقراطية، هيئات جادة في العمل على تعزيز سلطة الدولة عبر توفير مناخ الثقة في المؤسسات الوطنية، بما يمكن من تحرير الطاقات ونشر الأمل وفتح الآفاق والإسهام في إنتاج نخب كفأة متشبعة بقيم الفعالية الاقتصادية والتآزر الاجتماعي، وتخليق الحياة العامة، وإشاعة التربية السياسية الصالحة، والمواطنة الإيجابية، وابتكار الحلول وطرح المشاريع المجتمعية الناجعة، والمبادرات الميدانية الفاعلة، إسهاما منها في نماء مغرب القرن الحادي والعشرين، وتطويره، وتوطيد أركان دولته بالمؤسسات والهيآت الديمقراطية الفاعلة.. -انتهت الديباجة –
ولا يخفى عن أحد أن عملية الانتقال الديمقراطي بصفة عامة، تتمثل في ذاك الانفتاح الإيجابي على المجتمع وعلى مطالبه المشروعة، في إطار من الديمقراطية والشفافية والتواصل والتشارك الدائمين .. والسؤال الطويل العريض، الذي يفرض نفسه بإلحاح، بخصوص هذه النقطة بالذات، هو: هل بمقدور أحزابنا الحالية، بشكلها الحالي، وبواقعها الحالي، وبتدبيرها الحالي الإداري والمالي، وبصراعاتها الداخلية الحالية، وبنوعية منخرطيها الحالين، وبطبيعة قيادتها الحالية، قادرة على كسب هذا الرهان ..؟
لا نعتقد ذلك، داخل المنتدى الوطني لحقوق الإنسان، ونظن أن القوى الحية داخل وطننا الحبيب لن تختلف معنا بخصوص هذه النقطة .. فنحن في أمس الحاجة إلى إصلاح الحقل الحزبي، من خلال تنقية الأحزاب السياسية من كل مظاهر الفساد، إذ تشكل هذه العملية المدخل الرئيس لتخليق الحياة السياسة.. وإن كانت عملية جد معقدة، وربما مستحيلة، في ظل العلاقة المصلحية الدياليكتية الجدلية التي تربط المواطن، الذي يفتقد لروح المواطنة، بسبب تقاعس الهيئة السياسية عن لعب دورها الدستوري/التأطيري، وبين حزب لا يعرف إلى الديمقراطية الداخلية سبيلا
حزب أصبح مشتلا للفساد المركب: ريع إداري وسياسي .. تدبير مالي خارج الإطار القانوني، إذ بلغ إلى علم هيئتنا أن أحد الأحزاب السياسة كانت تتصرف في ماليتها في غياب أمين مال، وهذا أمر في منتهى الخطورة، مما يدعو مرة إلى التساؤل عن الفائدة من وجود هيئات رقابية، مهمتها القيام بالرقابة القبلية والآنية والبعدية لميزانيات كل الأحزاب بدون استثناء، وكذا الدعم الذي تقدمه الدولة لهذه الجثث الحزبية والدكاكين الانتخابية، من جيوب دافي الضرائب .. تزكيات بالمقابل في واضحة النهار وفي كهوف الليل، مما فسح المجال لتواجد عائلات تحت قبة البرلمان .. دكتاتورية تسييرية لإضفاء المشروعية على أصحاب المال الحرام، بهدف القفز فوق ما تبقى من بقايا مناضلات شريفات وشظايا مناضلين شرفاء .. تشبث دينصورات الأحزاب بالكراسي، من خلال تعديلات مسترسلة للقوانين الداخلية لأحزابها، من خلال ما تعرفه مؤتمراتها الصورية من إنزال، حيث تُكترى قاعات الاجتماعات ومعها المصفقون والمزغردات ـ كما صرح أحد المناضلين على منصة اليوتوب ـ والهدف هو تصويت من لا حق لهم، لصالح إضافة ولايات جديدة إضافية لقادات أكل الدهر عليهم وشرب .. حتى لا نقول .. عليهم، شرفكم الله.. وبطبيعة الحال، فبهكذا ولايات على المقاس، تنضاف ويلات على صدر ويلات يعيشها الإنسان المغربي، والذي لم يعد يثق لا في السياسة ولا في السياسيين؛ بل وأصبحت في نظره عملية الانتخابات سواء جماعية أو جهوية أو تشريعية، عبارة عن مسرحيات بئيسة بممثلين/ فاعلين مهترئين أصحاب أياد غير نظيفة، وبإخراج حزبي رديء وخبيث؛
والنتيجة ما تعرفه الجماعات الترابية، من مشاكل كبيرة مرتبطة بالتسيير الإداري والتدبير المالي، وما يعيشه المجلسان التشريعيان بدرجات صارخة ومتفاوتة، فيما يتعلق بتضارب المصالح، وحالات التنافي التي باتت تحاصر وزراء وبرلمانيين ورؤساء جماعات ترابية .. وما تعيشه الساحة الوطنية من متابعات قضائية أسقطت العديد من الرؤوس الحزبية/السياسية، وأخرى تنتظر مصيرها .. وما يطبع المشهد السياسي، من حالات /ظواهر غريبة وغير معهودة على مجتمعنا، إذ تكاد تكون قد بلغت من الحدة درجة غير مسبوقة: خرجات إعلامية غير محسوبة أخلاقيا وسياسيا، وتلاسنات وتبادل للتهم، خارج الوضع الصحي المألوف والسليم للتجاذبات السياسية المؤطرة بالقواعد والضوابط القانونية، وبأعراف وأخلاق الممارسة السياسية السليمة .. تلاسنات غير مسؤولة وصلت إلى حد السب والقذف في بعض الحالات، والتي توثق لها مواقع التواصل الاجتماعي، بمختلف ألوانها .. أضف إلى ذلك، التناقضات غير المفهومة وغير المنطقية، التي تطبع سلوك وتصرفات رموز حزبية .. زد على ذلك، ما يتعرض له المواطن المسكين من استفزاز يكاد لا يخلو منه أسبوع، من طرف شخصيات حكومية، كان من المفروض فيها التحلي بالحكمة وضبط النفس، وتقبل النقد على اعتبار أنها شخصيات عمومية
أيتها الأرواح الطاهرة لزعماء الأمس:
إن واقع المشهد السياسي في بلادنا بعد رحيلكم، يعكس بوضوح، أن أحزابنا السياسية لا تتحمل فقط فشل مجموعة من السياسات العمومية فحسب، وإنما تحمل في ذاتها جينات وعوائق مركبة، سواء على مستوى بنيتها الهيكلية، أو على مستوى ممارستها السياسية على أرض الواقع
إن شيوع ثقافة الولاء الأعمى للقيادات الحزبية الحالية، يزيد من غطرسة هذه الأخيرة، ويساعد على تماديها في احتكار الحزب ماديا ومعنويا، وتحويله إلى رهنية أو إلى ضيعة إقطاعية خاصة؛ وغالبا ما نجد هذه القيادة، حفاظا على دكتاتوريتها الحزبية، على أتم الاستعداد للتحالف حتى مع الشيطان إن اقتضى الحال، لوَأْد كل صوت يطالب بالإصلاح من الداخل
وعند استحالة أي إصلاح من الداخل، وهذا هو المصير المحتوم الذي يكرر نفسه مع كل إجهاض لكل معارضة للدينصورات الحزبية، التي تفننت في نهج سياسة الانغلاق على النفس، وعدم الانفتاح على ذواتها، وبالأحرى الانفتاح على محيطها .. إذ، غالبا ما تكون النتيجة المعروفة مسبقا، وهي تفريخ لا ولن يساهم إلا في تشويه مفهوم التعددية الحزبية المشوه أصلا، وكذا تمزيق إضافي للمشهد الحزبي الممزق أصلا، إلى درجة البلقنة التي خضعت لهندسة جهنمية قبلية ومدروسة بشكل محكم
وأمام هذه الحالة الشاذة واللا مسؤولة للدينصورات الحزبية، وكذا من يدور في فلكهم من الوصوليين، ولصوص السياسة، وبائعي الوهم، ومدغدغي المشاعر، و”شناقة” الانتخابات .. كانت دوما تأتي المبادرات الملكية السامية تباعا لإثارة انتباه من لا حــس وطني لهم، إلى خـطورة ظاهرة العزوف على الــجميع بما في ذلك الـدولة، سـواء كان هذا العزوف عن الانخراط في صفوف الأحزاب السياسية، أو في المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية .. خاصة، وأن واقع الحال، يؤكد نجاعة النظرية المقريزي الاقتصادية، والتي يمكن إسقاطها، على واقعنا الحزبي المثير للشفقة، والتي تقول: أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق؛
وبالفعل فقد أصبح السـوق الســياسي ـ إن صح التعبير ـ مـجرد حـقل تنشط في الكروش/القطع النقدية ضعيفة القيمة، وتـصول وتـجول، في حين اختفت فيه الدنانير الذهبية ببريقها وبقيمتها؛ وهذا ما أدى إلى ندرة المناضلات الشريفات والمناضلين الشرفاء إلى درجة الانقراض؛ تقوقع الحزب السياسي، ورفضه التخلص من عمامة القائد/الدينصور، مــما يؤثر سلبا ليس على الحزب فحسب، بل على الدولة بكاملها
ولنعد أيتها الأرواح الزكية بعد إذنكم، إلى المبادرات الملكية، نظرا لأهميتها البالغة، إذ لا يمكننا المرور عليها بأي حال من الأحوال، دون التوقف عندها، والتمعن في دلالاتها، واستلهام معانيها العميقة .. وعيله، فإن إصلاح الأحزاب أضحى مطلبا ملكيا ملحا؛ وإليكم ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ بعضا من الخطب الملكية السامية التي تصب في هذا الاتجاه:
* خطاب 13 أكتوبر 2000 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة
* خطاب 12 أكتوبر 2002 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة
* كما طالب جلالته في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2000، المجتمع السياسي “بتأهيل أدواته، وتجديد هياكله، وتغيير أساليب عمله، وإيلاء العناية القصوى للقضايا اليومية المعيشية للمواطنين، بدل التنابز بالألقاب، وجري البعض وراء مصالح أنانية فردية، وأشكال من الشعبوية المضرة بكل مكونات هذا المجتمع السياسي، الذي ننتظر منه النهوض الكامل بوظيفته الدستورية، المتمثلة في تربية وتأطير المواطنين”
* الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة بتاريخ 14 أكتوبر 2005، جاء ليبين أن مشروع قانون الأحزاب كان بمبادرة ورغبة ملكيتين، إذ قال جلالته: “وستكون مصادقتكم، في مستهل هذه الدورة، على قانون جديد للأحزاب، الذي دعونا إلى وضعه .. وذلكم، هو النهج القويم، الذي أعمل جاهدا على توطيد أركانه .. مؤكدا غير ما مرة، ومن أعلى هذا المنبر، على إعادة الاعتبار للهيئات السياسية، اقتناعا منا بأنه لا ديمقراطية فعلية وملموسة إلا بأحزاب قوية ومسؤولة .. ومن ثم، كان حرصنا على تقويتها، من خلال توفير إطار قانوني متقدم، يكفل لها الديمقراطية في التأسيس والتنظيم والتسيير”
ويمكننا كذلك الاستشهاد بفقرتين مهمتين جاءتا في خطاب جلالته بتاريخ 29 يوليوز 2025، بمناسبة ذكرى تربعه على عرش المملكة المغربية، إذ قال: ونحن على بعد سنة تقريبا، من إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، في موعدها الدستوري والقانوني العادي، نؤكد على ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية .. وفي هذا الإطار، أعطينا توجيهاتنا السامية لوزير الداخلية، من أجل الإعداد الجيد، للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين. ـ انتهى كلام جلالة الملك ـ
ونعتقد ـ في المنتدى الوطني لحقوق الإنسان ـ أننا لسنا في حاجة إلى التأكيد على أن إعطاء جلالته لتوجيهاته السامية إلى وزير الداخلية، بفتح باب المشاورات مع الأحزاب السياسية ـ بدلا من رئيس الحكومة، كما تعودنا على ذلك مع الحكومات السابقة ـ يمكن تفسيره ضمنيا، بأنه إشارة واضحة لتفضيل جلالته لشخصية تقنوقراطية على أخرى متحزبة، بخصوص هذه العملية الحساسة
وإذا أضفنا إلى كل ذلك، ما يروج من أخبار بأنه، وفي خطوة جديدة نحو تخليق الحياة السياسية، وإعادة ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة، اعتمدت السلطات المغربية إجراءات مشددة للترشح للانتخابات المقبلة، إذ لم يعد المرشح مطالباً فقط بشهادة حسن السيرة، بل أصبح من الضروري التوفر على شهادة الموافقة على الترشح مؤشرة من طرف كل من وزارة الداخلية، ومصالح الأمن الوطني، والنيابة العامة .. هذه الخطوة، إن تمت بالفعل، ستسد الطريق أمام المتابعين قضائياً أو أصحاب السوابق، وستضمن بالمقابل نوعا من النزاهة والمصداقية بخصوص المرشحين، مما سيساهم لا محالة في الرفع من جودة التمثيلية داخل المجالس المنتخبة .. لكن، السؤال الذي يظل يشغل كل مهتم بالحقل السياسي الوطني، هو إلى أي مدى ستساهم هذه الترسانة القانونية، بما في ذلك التوجيهات الملكية السامية، التي جاءت بها الخطب المشار إليها أعلاه، في قبول الأحزاب السياسية لمسألة إصلاحها من جهة، وكذا عودة الثقة إلى المواطن المغربي، الذي أضناه طول الانتظار، وأرهقته أحزاب تخلف موعدها وموعد المغرب ككل مع التاريخ مع الإصلاح .. مع ديمقراطية حقيقية، من جهة ثانية ..؟
فكفاكم أيتها الأحزاب المهترئة، “صنطيحة” و“تخراجا للأعين”، أفيقوا من أحلامكم الديكتاتورية .. أعيدوا ترتيب أوراقكم بشكل ديمقراطي وشفاف، علكم تنقدون بعضا من تاريخكم الذي رحل برحيل زعماء الوطن الحقيقين .. أفيقوا أيها الدينصورات الحزبية، فأنتم المسؤولون بالدرجة الأولى عما وصل إليه المغاربة من فقدان الثقة فيكم .. فقد ضاعت مصداقيتكم .. وللتأكد من ذلك اليوم، ولمعرفة مكانتكم داخل الشارع المغربي، فإننا في المنتدى الوطني لحقوق الإنسان، نتحداكم مجتمعين، وبأحزابكم التي تقارب الأربعين حزبا، في أن تنظموا لقاء مشتركا وتدعوا إليه مناضليكم الحقيقيين ـ إن بقي لكم منهم شيئا ـ للحضور من غير مساومات أو إغراءات، وأن يقارب فقط عدد الحاضرين منكم نصف الحاضرين لمقابلة الديربي البيضاوي
وسلام على روح الزعماء .. سلام على تاريخ نضالي، ما نظن أنه سيتكرر، طالما ظللتم تعتبرون الإصلاح عدوكم الأول والأخير، وطالما ظللتم قابعين في مناصبكم، جثثا محنطة .. ظللتم أنتم العزوف أصلا
خريبكة في: 25 غشت 2025
المكتب التنفيذي للمنتدى الوطني لحقوق الإنسان