أخبار

كفى من الأخطاء الطبية يا أطباءنا الكرام

clinique_maroc2

بعض الذين أعمى الجشع بصيرتهم، وانساقوا وراء تكديس الثروات على حساب أرواح الأبرياء .. تسمح لهم أنفسهم بسلك مسالك النصب والاحتيال واستغلال الظرف – باسم الطب – من أجل الحصول على المزيد من الأموال، ضاربين عرض الحائط بكل القيم وكل الأخلاقيات .. ومن بين هؤلاء أصحاب بعض المصحات الخاصة التي تتناسل كالفطر .. بحيث أينما وليت وجهك فتم مصحة متعددة الاختصاص .. رغم أن أغلب هذا النوع من المصحات التي أصبحت تعج بها البلاد في الآونة الأخيرة لا تتوفر على التجهيزات اللازمة التي تساعد على تقديم الخدمات الصحية الضرورية للمرضى الذين تحكم عليهم ظروفهم بالتوجه إليها ..  وفي هذا الصدد نسوق هنا بعض الوقائع التي عاشها العديد من المواطنين فيما مضى، وهذا ليس من باب تقليب المواجع، على الذين عاشوا مرارة هذه الأحداث،‮ ‬ولكن نسترجعها من باب العبرة والتذكير.

والبداية مع السيدة فتيحة الشبيلي، التي كانت قد تعرضت لكسرعادي – وفي غياب العناية – كلفها بتر رجليها معا حد الركبتين، مما جعل حركتها تشل وتفقد بالمرة نعمة المشي، وبالتمعن في ظروف وملابسات قضية هذه الشابة التي حكم عليها بإعاقة قسرية مستديمة، يتضح أن هناك غموضا غير عاد يلف الملف الطبي الذي عرف أخطاء طبية في العديد من المراحل التي سبقت عملية البتر، ويبقى المتسببون بعيدون عن كل مساءلة.

وفي نفس السياق دائما فقد كانت مصحة (…) بمدينة الناظور مسرحا لحادث وفاة الشاب المرحوم حسين السبع (17) سنة، حيث نقل إليها بأمر من الدكتور الملقب ب.(الدكتور التاجر) من المستشفى الحسني بعدما كان قد تعرض للامبالاة والإهمال، حيث تدهورت صحته، ولكن لما وصل المعني بالأمر إلى مصحة الريف لقي أيضا نفس التعامل – كاع أولاد عبد الواحد واحد – المترجم في الإهمال وانعدام العناية، الشيء الذي دعى إلى تضخم في البطن وعجل بوفاته على سرير المصحة المذكورة، وفي غمرة فزع العائلة ولوعتها تجرأ الطبيب (…) دون حياء وطلب من الوالد أداء مبلغ 10.000 درهم مقابل تسلمه الجثة الهامدة.

و في خضم هذه الفوضى وهذا العبث بأرواح وصحة المواطنين المغلوب على أمرهم، تقفز على السطح فضيحة طبية أخرى تمثلت في افتراس الكلاب الضالة ثدي السيدة حبيبة كركر (70 سنة) التي أجريت لها عملية جراحية بمصحة تحمل اسم ماء معدني بالناظور، هذه المصحة التي عمد مسؤولو إدارتها – دون تقدير للمسؤولية – على رمي الثدي المستأصلة في المزبلة الخاصة بالمصحة، في غياب الاحتياطات اللازمة في مثل هذه الحالات.

ثم هناك قضية أخرى اهتز لها الرأي العام الوطني في حينها – نظرا لوضع الضحية الاجتماعي – والتي تتجلى في موت القاضي الأستاذ المجذوبي داخل مصحة القلب بمدينة الرباط بدعوى عدم تقديم الشيك ذو الأربعين ألف درهم الذي طلب منه قبل مباشرة العلاج، مما يوضح أن طبنا أصبح مجردا من الإنسانية، وأفقده الدخلاء على المهنة معنى القسم التالي: (أقسم باللـه العظيم أن أراقب اللـه في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها في كل الظروف والأحوال باذلا وسعي في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم وأستر عورتهم وأكتم سرهم، وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة اللـه، باذلا رعايتي الطبية للقريب والبعيد .. للصالح والخاطئ، والصديق والعدو).

و لم يمهلنا الزمن طويلا حتى استفاق الجميع مرة أخرى على وفاة المرحوم أحمد ديوري الذي أجريت له عملية بسيطة بمصحة تحمل اسم أحد أعضاء الجسم بالدار البيضاء كذلك .. ولكن، هذه المرة خلاف سابقتها التي ذهب ضحيتها حيواص، ف.أحمد أسلم الروح تحت مقص الجراح .. ومع ذلك فإن إدارة المصحة المسؤولة اعتبرت الوفاة طبيعية لتتهرب من مسؤولية الخطأ الطبي.

أما المستشفيات العمومية فحدث ولا حرج، وللدليل على ذلك، لا بأس من سرد قضية توأمي مدينة وجدة، اللذين أنجبتهما والدتهما بولادة قبل الأوان (ثلاثون أسبوعا من الحمل فقط) بمصحة بنفس المدينة، التي تفتقد هي الأخرى للتجهيزات الضرورية لضمان الحياة لمثل هذا النوع من الولادات، فما كان من الطبيب المسؤول إلا أن طلب وبإلحاح شديد من الوالد نقل التوأمين على وجه السرعة إلى مستشفى ابن سينا بالرباط، مؤكدا (المسؤول الطبي) أن مصحتهم غير مؤهلة للعناية بمثل هذه الحالات، ولا حتى جميع المصحات المنتشرة بالجهة الشرقية في استطاعتها تقديم الخدمات المطلوبة، أمر مثل هذا لم يترك للوالد فرصة للتفكير أمام الخطر الذي يداهم حياة ولديه، فما كان إلا أن رضخ للأمر الواقع .. وسلم بنقل فلذتي كبده إلى الرباط،، لكنه وقف مشدوها أمام غياب وسيلة نقل تتوفر فيها بعض المواصفات (التهوية .. التسخين .. محضنتين مثبتتين .. أوكسجين .. محددات الصدم عالية ) وبقدرة قادر تقاطر عليه السماسرة من كل حدب وصوب، عارضين خدماتهم التي وصفوها فوق المستوى .. وهكذا اختلط الأمر على المسكين الذي كان الوقت يداهمه، لأنه كلما تقدم كانت حياة طفليه تدنو من الهلاك .. وهذا ما جعله فريسة سهلة المنال بين يدي أحد النصابين المحسوبين ظلما وعدوانا على قطاع سيارات الإسعاف الخاصة، الذي أنسته الأوراق المالية الزرقاء السحرية ما يقتضيه الضمير الإنساني .. وأنسته الأخلاق الفاضلة وأخلاقيات المهنة .. وأعمت عينيه حتى أصبح لا يعرف النظر بعين الرحمة إلى الذين تقسو عليهم الظروف الحياتية، ورمى بكل هذا وذاك وراء ظهره واتفق مع الوالد المفجوع على مبلغ 9000 درهم كثمن لنقل التوأمين عبر سيارة الإسعاف من مدينة وجدة إلى مدينة الرباط،، واصفا سيارته بأحسن سيارة إسعاف على الصعيد الوطني .. ذاكرا محاسنها، وبأنها مجهزة أحسن تجهيز بالوسائل الحديثة، إضافة إلى الالتزام بوضع طبيب مختص وممرض رهن إشارة التوأمين طيلة مدة الرحلة.
وبعد انتظار طويل .. وفي الساعة الثانية عشرة والنصف ليلا، حشر التوأمين ووالدهما وطبيب – متطوع رأفة منه لحال التوأمين – حشر الجميع داخل سيارة رونو ترافيك ( قزديرة مقزدرة) – حسب تعبير الوالد – لاتحمل أي مواصفات من التي أكد عليها الطبيب المختص في طب الأطفال بالمصحة المذكورة.
وخلال الطريق الطويل، وفي ليلة من ليالي شهر فبراير الباردة، وظلمة الليل الحالكة .. عم البرد القارس الجو الداخلي للسيارة المسماة (سيارة الإسعاف) مما أدى إلى زيادة برودة المحضنة الوحيدة التي لم تكن في الحقيقة تصلح لشيء، وأثر ذلك بطبيعة الحال على التوأمين .. ودفعت الضرورة الأب والطبيب إلى التجرد من ثيابهما لجلب بعض الدفء إلى المحضنة، ولكن دون جدوى.
وبعد رحلة مريرة (رحلة العذاب هذه) وصلت السيارة العجيبة إلى مستشفى ابن سينا، وقد وصلت حالة التوأمين إلى أقصى حد من التدهور الذي جعل أوتوماتكيا الأطباء بالرباط يرفضون السماح للطفلين بالدخول إلى المستشفى .. وبعد جهد جهيد، واستعطاف دام لبعض الوقت تم قبولهما .. ولكن، بعد فوات الأوان، بعدما تمت مصادرة حقهما في الحياة بسبب الألاعيب .. الغش .. الحيل والنفاق، وكل هذه تعد من الأخطاء الطبية التي لا تغتفر ولا من يحرك ساكنا.
وقصة وفاة المرحوم حيواص لاتخلو هي الأخرى من مثل هذه الأخطاء، فهو الآخر نقل من مصحة خاصة بالدار البيضاء إلى مصحة خاصة أخرى بنفس المدينة على اثر إجراء عملية جراحية، كانت بشهادة شهود قد كللت بالنجاح، ولكن عدم توفر سيارة الإسعاف التي حمل على متنها على التجهيزات الضرورية، ونظرا للغيبوبة التي فاجأته فلم يجد بدا من تسليم الروح إلى باريها، في حين ظلت المصحة المسؤولة عن الوفاة تتهرب من المسؤولية، رغم أن الأمور واضحة وضوح الشمس.

إذن، في ظل هذا الواقع المر الذي تشهده بلادنا منذ الآونة الأخيرة في مجال الطب .. يشدنا الحنين إلى الأمس القريب، حيث كان الذين يمارسون مهنة الطب يتوفرون على الضمير المهني .. ويتصفون بالصفات الحميدة والإنسانية المثلى .. جاعلين الجانب المادي بعد أداء الواجب الإنساني والمهني، ومصلحة الإنسانية فوق كل اعتبار-وهذا من سابع المستحيلات في أيامنا هذه-.

وان ما دفعنا لإعادة سرد هذه القضايا، ليس هو إعادة المشاهد المفجعة لتقليب المواجع كما سبقت الإشارة إلى ذلك .. ولكن من باب التذكير، وذلك تعميما للفائدة، ودق ناقوس الخطر الذي يتهدد المواطنين الذين تدفعهم العلل إلى قصد أصحاب الوزرات البيضاء طمعا في الشفاء والعلاج .. وأردنا من جهة أخرى الإسهام جهد الإمكان في تنبيه الجهات المسؤولة عن قطاع الصحة بيصفة عامة للوقوف على الأسباب الحقيقية التي تودي بحياة الأبرياء، مقابل الربح السريع، الذي يبحث عنه أرباب بعض المصحات الخاصة، وكذا وسائل النقل المعنية بالأمر  .. وبالتالي، سد الباب عليهم ووضع حد للتلاعب بأرواح المواطنين وتحديد المسؤوليات حتى لا تبقى إدارات المصحات التي لها من النفوذ ما يحميها تتهرب من فعلتها وتعزي سبب الموت كلما حلت بإمرئ يين جدرانها إلى الأجل المحتوم والطبيعة، كما قال ويقول الكثير من الأطباء الذين يكونون أبطال العديد من الحالات المماثلة، ولايقوون على الاعتراف بأخطائهم .. ولا يسعنا في ختام هذا الموضوع الذي نتمنى أن يكون بمثابة رسالة إلى كل من يعنيه الأمر إلا الترحم على الذين زهقت أرواحهم بين جدران (الكلينيكات يا حسرة ..!)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق