نافذة على الثقافة و الفن

إمارة المؤمنين لا تسعى إلى الوصاية على المؤمنين كما تطرحها ولاية الفقيه

AHMED

إن مضمون إمارة المؤمنين يتسع لكل الأديان، ولا يستهدف التحكم في ممارسة شعائرها بقدر ما يصونها في نظامها السياسي، بينما في ولاية الفقيه، فهو يستهدفها سياسيا ودينيا، وهذا ما يبرز التباين الكبير بين إمارة المؤمنين وولاية الفقيه، إلى جانب أن الزعيم الروحي لولاية الفقيه يوسع جغرافية سلطته الروحية على المؤمنين بنظام ولاية الفقيه إلى كل الخاضعين لها داخل الوطن الواحد وخارجه، بينما إمارة المؤمنين لا تمتلك هذه السلطة الروحية الشمولية، وعبر التاريخ الإسلامي ينحصر نفوذ الإمارة بيد الخلفاء الذين حكموا الدولة الإسلامية، وحينما تراجعت هذه الدولة تقلص نفوذ الإمارة إلى المسلمين في الممالك والإمارات التي نشأت بعد تفككها، وارتبطت الإمارة في المغرب بالدول التي تعاقبت على حكم المغرب من الأدارسة حتى الدولة العلوية في الظرف الراهن.

تعتبر ولاية الفقيه التي ارتبطت بدولة الخميني التي نشأت في إيران عقب الثورة الإسلامية الشيعية سنة 1979، على نظام الشاه نظاما سياسيا ودينيا مغلقا لا يسمح بحرية الممارسة الفردية للشعائر الدينية خارج ما يقرره نظام ولاية الفقيه، الذي يجمع فيه المرشد الأعلى لهذا النظام بين السلطتين السياسية والدينية، بينما لا يمكن لأمير المؤمنين ممارسة السلطتين معا، فهو على رأس النظام السياسي في الدولة ويؤمن الأمن والحماية لكل المؤمنين لممارسة شعائرهم الدينية، سواء كانت تخص دين الدولة أو غيرها من الأديان التي توجد في حدودها.
لم نكن سنناقش هذا الموضوع في جريدة المستقلة بريس، لولا عملية التشويش والتغليط التي وقع فيها من تناوله في مقال صحفي، ولم يتمكن من الإحاطة به من جميع الجوانب التي تقتضي ذلك، نظرا للرمزية التي يقوم عليها نظاما إمارة المؤمنين وولاية الفقيه في عالمنا العربي والإسلامي، والصراع المفتوح بينهما على أكثر من صعيد، والذي يقتضي التعاطي معه الحذر من الوقوع في المحظور منهجيا وعلميا في متابعة الحجج بأضدادها التي تزكي أو تنتقد أو تقبل بهذه المواقف المتعارضة بينها، سواء أقطاب الشيعة أو السنة، حيث لا مجال لمن يغامر في الكتابة عن هذا الخلاف التاريخي بينهما من الاحتياط والحياد في التعامل مع وجهات النظر المطروحة في الاتجاهين التي غالبا ما تكون متحاملة ضد خصمها، دون أن تفصح عن مضمون خلفية هذا الموقف من خصمها، وللتاريخ والأمانة العلمية، لا يزال المتشددون من الشيعة والسنة يراهنون على المواقف العدمية والعدوانية والتشهير به بخصومهم، ولا يزال المعتدلون من الطرفين غير مؤهلين في التخفيف من حدة العداء المذهبي والطائفي بينهما.

طالما لا يزال الصراع مفتوحا بهذه الكراهية المفرطة، يجب على من يغامر بالمتابعة في هذا الصراع السني الشيعي أن لا يتخندق اتجاه أي طرف، وأن يحرص على الموضوعية في الحديث عن خلفيات هذا الصراع بينهما، وأن لا يساير أهدافهما الرامية إلى إقبار الخصم حتى وإن لم تكن هناك ضرورة .. لذلك، وجب التنبيه إلى ذلك.

إذ إن لم يكن بالإمكان تناول الموضوع بما يتطلبه من معرفة دقيقة التي تبرر المواقف من الشهادات والوثائق والنصوص والمعلومات، فعلى صاحبه التوقف عن تحليل المعطيات التي يمتلكها حوله، وعدم الاستمرار في مناقشته حتى لا ينته به المطاف إلى نتائج تتناقض ومسار الأحداث التي يعرضها عن سياقه التاريخي .. فما الداعي في هذا الموضوع إلى طرح أحداث لا علاقة لها بما يراد الحديث عنه حول إمارة المؤمنين وولاية الفقيه، إن لم يكن بالإمكان شرح شروط قيام إمارة المؤمنين، وتاريخ الاشتغال عليها في النمط السياسي المغربي، وإلى ماذا ترمز في العقل الجمعي الديني في الوطن، وفي نفس الاتجاه لماذا لم يتم تفصيل مضمون ولاية الفقيه في النظام الإيراني، وكذلك الأمر في الخلاف القائم بين النظامين حتى يتمكن المتابع للموضوع من الاقتراب من الأهداف التي رسمها صاحب الموضوع للمضمون الذي يعالجه.

وفي هذا الإطار، نتساءل مع صاحب الموضوع حول العلاقة بين أحداث الثمانينات وموقف الدولة المغربية من النظام الجديد في إيران ..؟ وعن الأيديولوجيا الخمينية السياسية والدينية التي لها علاقة بالخلاف السني الشيعي ..؟ وفي علاقة دستور 1992، الذي جاء بالفصل 19، وعلاقته بهذا الصراع المذهبي السني الشيعي ..؟ وهل بالفعل كانت إمارة المؤمنين في المغرب تسعى إلى أن تفرض نفسها على كل السنة في العالم العربي والإسلامي، كما تسعى الخمينية بالسنة للشيعة ..؟

من بديهيات تناول المواضع السياسية والتاريخية أن يحتاط الدارس فيها إلى ما يعزز مصداقية تحليله وعرضه لوجهة نظره، وفي هذا الإطار، نجد أن صاحب موضوع ” إمارة المؤمنين وولاية الفقيه ” المنشور في جريدة المساء يوم الأربعاء 01 يوليوز الجاري، لم يتفوق في سرد الأحداث التي وظفها في التعبير عن قناعته بالموضوع الذي يطرحه، ونخص بالذكر النص الدستوري لإمارة المؤمنين في المغرب، وعلاقتها برغبة ملك المغرب بأن يكون ممثلا للإسلام والمخاطب الرسمي له مع الغرب، وحقيقة الصراع بين أمير المؤمنين في المغرب والخميني في إيران ..؟ وعن علاقة الصراع المغربي الإيراني بالأحداث التي تحدث فيها ملك المغرب عن الأوباش .. وما هي المبررات التي جعلت الملك في المغرب يتهم الخميني بالانحراف والزندقة ..؟ وأخيرا خلفيات الحرب السياسية بين نظامي المغرب وإيران المفتوحة على أساس ديني ..؟
من حق صاحب الموضوع الزميل احمد لمشكح أن تكون له رؤيا شخصية بالمواصفات والمبررات التي اعتقد أنها صحيحة، لكن بالنسبة لنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعتقد أنه لم يكن موفقا في التعاطي مع الموضوع، وأن تحليله غلب عليه الاضطراب في توظيف الوثائق والمعلومات والأحداث التي تحدث عنها، ونعتبر مثل هذه المقاربات التاريخية التي يراد منها تمرير آراء ومواقف لها علاقة بالسياق التاريخي الذي تطرح فيه مجرد عمليات نبش سطحية لا ترقى إلى ما يجب أن تكون عليه المقاربة التي تلتزم بالشروط الموضوعية والعلمية في حدودها الدنيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق