جماعات و جهات

خاطرة مواطن بسيط حول الحملة الانتخابية ..!

 

ASSA

لو كان بيدي كتاب الزمن، لكنت قلبت صفحاته دفعة واحدة، منذ أيام مضت، بل شهور لأصل سريعا إلى تاريخ الحملة الانتخابية، التي ستتوج باقتراع يوم 04 شتنبر المقبل، والتي يتمنى المغاربة جميعهم أن لا تكون كغيرها من الانتخابات السابقة .. نعم، ربما ستكون انتخابات شفافة .. نزيهة، وفي المستوى الذي يتطلع إليه الشعب المغربي .. كما صرح بذلك المسؤولون، بل ( وأكدوا ) بقوة.

وأنا آخذ في هذا الموضوع .. كنت من جهتي أتمنى لو تدوم هذه الحملة، سنة أو سنتين– لما فيها من نعم وفوائد اقتصادية- سيتساءل البعض عن سر هذه الأمنية الغريبة بعض الشيء، أقول للمندهشين بكل بساطة، أنه خلال الحملة يعاد إلينا نحن الفقراء، الذين نظل مهمشين ومهملين طوال سنين الولاية .. يعاد إلينا الاعتبار كأشخاص مهمين موجودين على وجه البسيطة .. ونصبح من الذين يستيقظون على منبه شاحنات جمع النفايات التي لم تكن تعرف طريقا إلى أحيائنا من قبل .. وخلال الحملة ” العزيزة ” علينا وعليهم (أكثر) نلتقي كل صباح وقبل أن نفرك أعيننا ب.أصحاب (القرفادات الغليظة والبطون المنتفخة)، ومستغلي المناصب والنفوذ لخدمة حملاتهم الانتخابية، وهم يبتسمون ابتسامات عريضة في وجوهنا التي نحن نعلم مسبقا أنهم يكرهون حتى النظر إليها من بعيد، ويعانقوننا عناقا حارا دون الاشمئزاز من روائحنا التي (…) ويسألوننا عن أحوالنا وأحوال أبنائنا، ومسيراتهم في الحياة، وعن مستوياتهم الدراسية، ويسألوننا أيضا عن المعطلين من أبنائنا وبناتنا، وعن مرضانا وعن .. وعن .. أما مالكي السيارات الفارهة (مساكين ..) لاتدع لهم الأطماع فينا وفي أصواتنا التي يعول عليها، فرصة التفكير فيما تحمله نعالنا البالية من نجاسة ومن .. ومن، فيتنافسون في التسابق للظفر بأكبر عدد منا لإيصالنا لقضاء أغراضنا التي تصبح بالنسبة لهم أمرا واقعا، بل مرغوبا فيه، ويحملوننا على متن سياراتهم رغم أن وجهتهم ليست هي وجهتنا .. بغض النظر عن بعدها، ولما يتم التنبيه إلى ذلك، فإنهم يرددون: “طريق السلامة ولو دارت”

وأما أصحاب “الشكارات” المملوءة عن آخرها (بطموع الدنيا) فاللـه الذي أتاهم من فضله هو وحده يعلم مقدار الحنان الذي ينزل على قلوبهم، والكرم الحاتمي الذي يلازمهم طوال فترة الحملة، حيث تعتاد أيادي العاطلين منا وبعض (الطامعين) على ملامسة الأوراق التي تنفع الناس في الدنيا ويحاسبون عليها حسابا عسيرا في الآخرة (الفلوس)، فتراهم ينفقون بسخاء لانظير له، حتى أضحى الواحد منهم يضاهي عروة بن الورد في نبله.. وعروة هذا، هو الذي رهن سيفه من أجل أن يشتري الحليب لامرأة استوقفه بكاء طفلها من شدة الجوع، والكل يعلم ما كان يحظى به السيف من شأن في تلك الجاهلية البعيدة، إذ أنه كان بالنسبة للفارس عتادا ضروريا .. كما هو حال المال والجاه بالنسبة للميسورين في الحضارة الحالية، اللاهثين وراء الحصول على الكراسي الوثيرة التي يقولون أن لها جاذبية تجعل كل من يجلس عليها لا يقوى على تركها طائعا مختارا.

وخلال الحملة أيضا، يتفنن الراغبون في الوصول إلى هذه الكراسي (المدرة للدخل) في تزفيت الشوارع والأزقة ولو{ ترقيعيا } .. وتخلق الأوراش على حين غفلة، وتصان الإنارة العمومية، لتنعم جميع الأحياء والزوايا بالنور .. وتنبث الأشجار بقدرة الواحد القهار، وتزين الساحات كلها بالورود والأزهار .. وخلاصة القول، تباشر كل الإصلاحات التي تلفت الأنظار وتدعو المرء ليثني على الذين يسارعون في الخيرات بالمناسبة (…) الذين يتسابقون في تنظيم المهرجانات، وإقامة الحفلات والولائم .. ويتكرمون بدعوتنا لحضورها لنرفه عن أنفسنا، ويحرصون على حثنا على نسيان أيام الغبن والنكد، ويقدمون لنا مجلدات من الوعود، وكذا الحلول الناجعة لمشاكلنا الشائكة، ومنهم من يتنازل عن أنفته ويتخلى عن وقاره ويشاركنا (الشطيح والرديح) مرددا بأعلى صوته، (دردك زيد دردك).

أجل .. بفضل حلول أيام الحملة الانتخابية، نحظى نحن الذين لانملك إلا صوتنا – العملة الصعبة – الذي يصبح يحسب له ألف حساب .. نحظى بالتعظيم، ونصبح سادة أيامنا – على قلتها- حتى يتسرب إلى نفوس بعضنا الغرور الذي قد يدفع إلى التفكير بأننا أصبحنا رجالا مهمين، وشخصيات لايستغنى عن خدماتها .. ولكن، ياويل من أصابه الغرور في أيامنا هذه، سواء كان منا أو(منهم) فينطبق عليه قول ميخائيل نعيمة ” … المغرور تنكمش الدنيا في عينيه حتى تصير في حجم المرآة، لايرى فيها إلا نفسه …”.

و بمجرد انتهاء الحملة الانتخابية وظهور النتائج المرجوة، ينتهي حلمنا، ونعود من جديد إلى ممارسة حياتنا العادية، بحيث نجد أن كل شيء قد عاد إلى أصله .. كما نعود نحن إلى أصلنا .. إلى التهميش .. إلى العيش في الحضيض ومعانقة أكوام الأزبال المنتشرة هنا وهناك، ولكن بكمية أهم، نظرا لما تخلفه الحملة من بقايا المنشورات وأوراق الدعاية و.. و ..الخ، نعود كما قلت إلى المشي جنبا إلى جنب مع الوادي الحار وهو يزكم أنوفنا بروائحه التي تبشرنا بدورها بانتهاء أيام العز والكرامة، وتنبهنا للتحرك داخل دروبنا وأزقتنا تحت جنح الظلام بحذر، خوفا من الوقوع في إحدى الحفر العميقة عمق غصات قلوبنا، وتوصينا بالتجلد بالصير والإدمان على الاستغفار والحوقلة، وانتظار ما عساها أن تجود به علينا الأيام القادمة من فتات .. (أليس من حقي أن أتمنى أن تعمر الحملة الانتخابية أكثر من عام أو عامين ..؟ أو ليست هذه أمنية غيري من مسحوقي الشعب مثلي ..؟) لنستفيد من خيراتنا ولو مرة واحدة خلال الست سنين .. وكل حملة انتخابية والضعفاء من المكرمين .. آمـــــين.

ولكن، حذاري  يجب أن لانغتر، ولانلذغ من الجحر مرتين .. ولاتنطلي علينا الحيل، ونتحكم في أصواتنا التي هي رأس مالنا وضامنة لكرامتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق