الدين و الناس

الإسلام دين الحوار والعلم والسلام والتعايش

ATTASSAMOUH

يمكن لمن سيتابع هذه المقاربة أن يعتقد مباشرة أن صاحبها يحاول أن يتراجع عن بعض قناعاته اتجاه الفكر العدمي والظلامي الذي تتبناه الحركات الأصولية والتكفيرية والجهادية، وأنه يريد أن يغازلها حول المرجعية الدينية الإسلامية، في حين أنه يحاول أن يفك الارتباط مع أي تقارب ممكن مع كافة التوجهات الملتزمة بالعنف والتكفير، ورفض الآخر والجهاد الدموي التي يمكن أن تعتبره أقرب منها على مستوى الاختيار والمبادئ والقيم، ودليله في ذلك، أن هذه الحركات الدموية وحتى المعتدلة التي ترتدي السياسة والثقافة والحوار تدرك قبل غيرها أنها خارج الشورى والإجماع الذي تؤمن به الشعوب الإسلامية والعربية .. وبالتالي، فهو على نقيض معها لأنها توظف قيم الحوار والسياسة لحاجة في نفسها لا تتعدى اللعب بكل الآليات والوسائط والأسلحة المتاحة لفرض هيمنتها الأيدلوجية التي تتناقض وجوهر الإسلام في نصوصه قطعية الثبوت في القرآن والسنة النبوية.

إنه الإسلام خاتم الأديان السماوية، الذي صحح الخرافات والأخطاء التي لحقت الأديان السماوية السابقة عنه، والدين الذي كرس إيمانه النظري والعملي بالحوار والتعايش والسلام بين شعوب المجتمع الإنساني المختلفة في ثقافاتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما يقول اللـه سبحانه وتعالى: { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} وليس لقهرها وفرض أيدلوجيتك ونمط عيشك ونظامك السياسي عليهم .. كما أن الإسلام في عالميته يؤمن بشرعية الكتب والرسل من قبله، ويقر حرمتها الدينية ولا يختلف عنها في توحيد اللـه والدعوة إلى مكارم الأخلاق، كما يقول الرسول الكريم (ص):”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” أما الآية الكريمة التي وجهت إلى بني إسرائيل التي يقول فيها اللـه تبارك وتعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس} فمعناها السليم والصحيح أنهم اليهود الذين وحدوا اللـه قبل غيرهم من الأمم، ولا تعني المسلمين على الإطلاق، وليكن المسلمون التكفيريون الذين يطالبون بالجهاد ضد الذين يختلفون معهم في الإيمان والشعائر أنهم مخطئون في تفسيرهم الاستعماري الهيمني القهري للجهاد الذي لا يجيزه الإسلام إلا في حالة الدفاع عن النفس وعن الحق في ممارسة المعتقد الديني فقط.

لم يكن الإسلام في يوم من الأيام دينا للتوسع الاستعماري للشعوب التي تؤمن بديانات أخرى، ولكن كان حريصا على حماية تدينها مقابل رسم يؤدى للدولة الإسلامية في فترة حكم الخلافات الإسلامية الكبرى، أما في عهد النظم الإسلامية القطرية الحديثة فلم يعد ممكنا تطبيق ذلك، لأن الشعوب في هذه الدول الحديثة تتمتع بالمواطنة وتضمن دساتيرها حرية المعتقد الديني، ولا يحق فرض الرسوم الدينية عليهم قي ظلها، ولا يحق لمن يدعون إلى الجهاد في غير المسلمين، وفي المسلمين المختلفين معهم أن لهم الشرعية في هذا الموقف الذي لا يقبل به الإسلام تبعا لقوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} حيث يتضح عمق التأويل الديني الخاطئ لمفهوم الجهاد الذي يوظفونه من أجل الخلاف السياسي على نظام الحكم فقط.

كل الشعارات والأهداف التي يناضل دمويا من أجلها هؤلاء التتار الجدد لم يدع الإسلام لها على الإطلاق، فدولة الخلافة الراشدة التي يبشرون بها لم يكن الرسول (ص) سوى مبشر ومنذر وصاحب دعوة للتوحيد فقط، والإسلام دين علم وعقل ومعرفة، تبعا لقول اللـه تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} فأين هؤلاء الذين يروجون لمعرفتهم الدينية المتخلفة في عصرها وعن ينبوع الدين الإسلامي الذي له سياق تاريخي، وجه فيه المسلمون إلى طلب العلم والمعرفة وعدم الاستسلام للجهل والفكر الخرافي الأسطوري، وحتى إن كان هناك علم كلي فهو اليوم في تخصصات لا يعلمها إلا المتخصصون فيها، وهي من التنوع في الموضوعات والمناهج والتصورات ما يقتضي أن يسلح المؤمنون بنتائجها بضرورة الاجتهاد والبحث والتأمل، وهذا ما يفتقر إليه هؤلاء الذين يريدون تجاهل الإسلام، كما يقول اللـه سبحانه وتعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } وقوله: { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق