نافذة على الثقافة و الفن

الانتلجنسيا المغربية والحاجة إلى الاعتراف بدورها الوطني التنويري

A.10

لا معنى للدعوات التي تحمل النخبة المثقفة أو الانتلجنسيا نتائج التصويت الكارثي العقابي الذي استفاد منه “البيجيدي” في استحقاق 04 شتنبر 2015، فهذا التصويت الذي يكشف عن هول فراغ الساحة التي أصبح فيها التيار الماضوي مسيطرا على الوعي الجمعي، ومن حقه أن يسيطر ويهيمن مادام الفكر المضاد له يعيش خريفه وعبثية توجهاته التي لا تقنع أصحابها من الذين لا يزال ينظرون لزمن الفكر القومي والاشتراكي والبعثي في عالمنا العربي، الذي بدأت أركانه تتهاوى بعد الحرب الباردة، وانهيار جدار برلين، وبعد أن أصبح الفكر السياسي الذي يلعب كغيره في الساحة السياسية والنقابية بنفس المناهج واللغة والمقولات ويتلاءم في تصوراته مع ما يوجد في محيطه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

إن تناول موضوع الحاجة إلى الانتلجنسيا في العملية الانتخابية لا يختلف عن الحاجة إلى الهيئة التعليمية المؤهلة لرفع التحدي والتطور في العملية التربوية .. ففي العملية السياسية الانتخابية تقاس المعايير والشروط التي سيتم عليها فرز النخبة المؤطرة والمناضلة، بناء على مدى تفاعلها مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي، ووعيها بمشاكله وبالحلول الملائمة لها، ومتى توفرت شروط ولادة هذه النخبة كان من الممكن النجاح السهل والمقنع في العملية الانتخابية دون الحاجة إلى الإقرار في وضع الشروط، ومن البديهي أن يكون الحزب أو النقابة أو الفئة الاجتماعية التي تريد الانخراط في العملية الانتخابية تمتلك في هياكلها التنظيمية هذه الهيئة المفكرة المختصة في هذا المجال، ووحدها من يستطيع صياغة الشعارات والبرنامج والأهداف والخطوات التي تتطلبها العملية الانتخابية .. ولسوء حظنا رغم عراقة الممارسة السياسية والنقابية والمدنية لم نلمس وجود حقيقي للمؤهلين للتخطيط والتنظير داخل أحزابنا ونقاباتنا ومجتمعنا المدني التي تلجأ القيادات إلى خدماتها في المناسبات الانتخابية، حيث يتم الرهان على ما يمكن أن يكون عليه من قبل الديكة اليسارية التي توظف حصيلة النضال النقابي والسياسي الهزيلة، وبين هذه وتلك ينتصب المحترفون للشعبوية والنفخ في المزامير المثقوبة، والمنظومة التي فقدت القدرة على الحركة والتكيف مع الأوضاع الجديدة .. هؤلاء الذين يجيدون القذف والتعنيف والتبخيس في كل الاتجاهات.

لا يا مصطفى غلمان، صاحب المقال الذي نناقش بعض فقراته .. “في الحاجة إلى انتلجنسيا سياسية وطنية راشدة” إن منظومة اليسار الجذري أو الديمقراطي لم يعد جسدها المرجعي قادرا على الصمود والمواجهة وإقرار الشرعية والمصداقية على يد من يقودونه اليوم، الحالمون بالتحقق الواقعي للمنظومة الموجهة لهذا اليسار على الأرض، بناء على الاعتبارات الثلاثة التي تحدثت عنها، التي تتعلق بإعادة الاعتبار إلى منظومة اليسار النظيف الذي أنجب رواد الحركة اليسارية ، ثم شرعنة الصراع بين التيارات داخل أحزاب اليسار، وردم الفجوة بين القيادات الحزبية اليسارية وعامة الشعب، كما أن منح حزب العدالة والتنمية الثقة الانتخابية فرضته واقعية السياسة واستثماره لمطالبه في محاربة الفساد والاستبداد، وليس حسن استثمار “البيجيدي” للبعد الجهوي في الحملة الانتخابية لاستحقاق 04 شتنبر الماضي كما نعتقد ذلك، كما أن بلقنة المشهد الحزبي اليساري هي التي مكنت خصومه من الانتصار الانتخابي عليه، ويكفي أن اليمين الذي انخرط مع اليسار في جهة المعارضة لم يحسن هو الآخر الاستفادة من هذا التحالف الانتخابي، خصوصا، حزب الاستقلال .. أما حزب التقدم والاشتراكية الذي ظل وفيا لتحالفه مع “البيجيدي” فقد كانت دواعيه انتخابية محضة بالنسبة لهذا الحزب اليساري الذي لم يحافظ على نهج مؤسسه المتمثل في التحالف مع أحزاب اليسار أولا، وبخصوص باقي الأحزاب اليمينية الليبرالية فقد كانت المواقف المعلن عنها منتظرة منها، ولم تقدم جديدا يتيح أن هناك تحولا في اختياراتها النخبوية والسياسية والانتخابية.

من نراه في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، هو أن الفاعلين على اختلاف مرجعياتهم اكتفوا بحضور ألوانهم ورموزهم، حيث لم يجري نقاش جماهيري مع أي من الأطراف حول البرنامج الانتخابي، وانحصر التدافع في الحملة الانتخابية على استعراض العضلات والمنجزات والرهان على الثقافة الروحية لتحقيق النجاح، كما يفعل مرشحو “البيجيدي” الذين راهنوا على نظافة اليد والحضور الخدماتي في علاقتهم بالمواطنين، مما يسمح لهم بالفوز بالأغلبية النسبية في الكثير من المناطق التي كانت قلاعا للأحزاب التاريخية الوطنية والديمقراطية، وأهلهم أيضا للحضور في الغرفة الثانية من البرلمان، وإذا ما حافظوا على هذا النهج ستكون النتائج لصالحهم أيضا في الانتخابات التشريعية القادمة التي يراهنون عليها لإنجاز ما لم يتمكنوا من ترجمته خلال هذه المدة التشريعية الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق