أحداث دوليةأخبار

فرنسا تضيق الخناق على المهاجرين غير الشرعيين

 

 

 فلرنسا – عبد الرحيم مالكي

تشهد فرنسا هذه الأيام واحدة من أوسع الحملات الأمنية الموجهة ضد المهاجرين غير النظاميين، أو ما يُعرف محليًا بـ”الأشخاص بدون أوراق”

 بدأت هذه الحملة خلال شهر يونيو 2025، بقيادة وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايّو، الذي تعهد بتشديد السياسة الفرنسية تجاه الهجرة غير الشرعية .. هذه الحملة التي أثارت موجة جدل واسعة، اتسمت بوجود أمني كثيف يشمل الشرطة والدرك و وحدات من الجيش،

لاسيما في محيط محطات القطارات، مراكز النقل العمومي، الأحياء الشعبية، والأسواق العامة .. الهدف المعلن منها هو فرض النظام والتصدي لما تعتبره الحكومة “وجودًا غير قانوني يهدد الأمن والنظام العام” .. لكن، المنظمات الحقوقية ترى فيها توجهًا عنصريًا وخطيرًا

خلال يومي 18 و 19 يونيو وحدهما، جرت عمليات تفتيش جماعية تم خلالها توقيف وتفتيش مئات الأشخاص، وفق ما نقلته وسائل إعلام فرنسية .. نحو أربعة آلاف عنصر أمن شاركوا في عمليات فحص وثائق الهوية بشكل مكثف في مدن مثل نانت، ليون، مرسيليا وباريس .. الصحافة المحلية والمنظمات الحقوقية شبهت المشهد بما يشبه “حملة مطاردة بشرية”، حيث يتم توقيف الأشخاص بناء على ملامحهم، لهجاتهم، أو حتى لون بشرتهم .. النقابات العمالية ومنظمات مثل CGT، Cimade، وMRAP نددت بما وصفته “حالة طوارئ عنصرية” تجتاح الفضاء العمومي

تندرج هذه الحملة ضمن سياسة أوسع لتقييد الهجرة، بدأت ملامحها تظهر بوضوح مع قانون “الهجرة واللجوء”، الذي أُقر في نهاية 2024 تحت إشراف وزير الداخلية السابق جيرالد دارمانان، ثم تكرّست مع التعليمات الجديدة التي أصدرها روتايّو في بداية 2025 .. بموجب هذه التعليمات، باتت شروط التسوية القانونية أصعب من أي وقت مضى

 في السابق، كان يكفي غالبًا الإقامة لمدة خمس سنوات داخل فرنسا مع إثبات عمل، أما الآن فقد أصبحت المدة سبع سنوات، إلى جانب شروط إضافية مثل إثبات مستوى معين من اللغة الفرنسية والسلوك الحسن، وبحسب الإحصاءات الرسمية، فإن عدد الأشخاص الذين تم تسوية وضعهم القانوني انخفض بنسبة تقارب 10%، في حين زاد عدد المبعدين بنسبة تتجاوز 26% خلال العام 2024 وحده

الحملة الحالية لا تقتصر على مجرد التفتيش في الأماكن العامة، بل تشمل أيضًا استهداف مراكز المساعدة الإنسانية، حيث أفادت عدة جمعيات، أن الشرطة نفذت عمليات توقيف قرب نقاط توزيع الطعام والمساعدات، في مشهد اعتبره ناشطون “غير إنساني” وينتهك الحق في الكرامة .. عدد كبير من المتضررين من هذه السياسات هم من طالبي اللجوء المرفوضين، أو المهاجرين الذين يعملون في ظروف صعبة داخل الاقتصاد غير الرسمي، كالزراعة، البناء، والتنظيف

في الوقت الذي تقول فيه الحكومة، إن هذه الحملة ضرورية لحماية النظام العام ومكافحة الهجرة غير الشرعية، تتصاعد الأصوات المعارضة التي ترى أنها سياسة مبنية على الخوف وتستهدف الفئات الأكثر هشاشة، وأنها تهدد نسيج التعايش في المجتمع الفرنسي، خاصة في المدن التي تحتضن جاليات مهاجرة منذ عقود

يبقى السؤال مفتوحًا حول المدى الذي ستبلغه هذه الحملة، وكيف سيتفاعل معها الشارع الفرنسي الذي ينقسم بين من يدعم التشدد في قوانين الهجرة ومن يرى فيها انحرافًا خطيرًا عن قيم الجمهورية والمساواة والعدالة، في كل الأحوال، فإن تأثيراتها بدأت تُلمس على الأرض .. وخصوصًا، في حياة الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون اليوم في حالة من الخوف الدائم، دون أوراق، دون صوت، ودون أفق واضح

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق