أحزاب و نقاباتأخبارمتفرقات

رشيد الطالبي العلمي والعقليات المتحجرة ..!

 

أثارت خطوة وصف رئيس مجلس النواب، وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، رشيد الطالبي العلمي، مجموعة من المغاربة المنتقدين له بـ العقليات المتحجرة جدلا واسعا على الساحة السياسية والإعلامية بالمغرب، مرفقة بتصريح بأنه على الحكومة إنشاء مستشفى لهم لإجراء عمليات جراحية

هذه العبارة التي تلفظ بها في اجتماع علني تعكس مستوى التوتر والصراع بين السلطة التشريعية وقطاعات من المجتمع المدني والمواطنين الذين يتابعون أداء مؤسسات الدولة بمنطق نقدي وموضوعي

تطرح تلك التصريحات العديد من التساؤلات حول علاقة المسؤولين المنتخبين بالنقد الشعبي، ومفهوم الحوار الديمقراطي وحرية التعبير، فضلا عن مدلولات استخدام مصطلحات تهمل وتهمش المنتقدين، وتضعهم في خانة العدو بدلا من كونهم شركاء في بناء الوطن

جاء هذا الوصف في وقت يشهد فيه المغرب حالة استقطاب سياسي تتزامن مع نقاشات حادة حول شفافية العمل البرلماني، ودور المجلس في الرقابة على الحكومة، ونجاعة الإصلاحات المعلنة، وأن وصف رشيد الطالبي العلمي للمنتقدين بأنهم يحملون عقليات متحجرة يوحي بوجود انغلاق وتصلب في التعامل مع هذه النقديات، وكأن من ينتقد هو عائق أمام التقدم والتنمية لا مساهم في تصحيح مسار العمل .. إن مصطلح العقلية المتحجرة يحمل في طياته استبعاد الآراء الأخرى ونظرة دونية لمن يفكر خارج إطار معين

بالمناسبة، هذا الوصف شكل إهانة معنوية لأشخاص يملكون وجهات نظر نقدية مبنية على ملاحظات واقعية أو تقييمات موضوعية لأداء المسؤولين والمؤسسات، كما يطرح تساؤلات حول مدى التقبل والتنوع الفكري داخل هياكل السلطة، ومدى قدرة المسؤولين على تحمل وجهات نظر مخالفة بعيدا عن التشنجات .. ففي المجتمعات الديمقراطية، التنوع في وجهات النظر واحترام الآخر هما علامة نضج سياسي وثقافي

إن تداعيات هذه التصريحات على العلاقات بين المواطن والسلطة واستخدام تعبيرات تجرح وتطعن نوايا وذكاء وحق النقد تعمق الهوة بين المسؤولين والمواطنين، لأنه عندما يشعر المواطن بأنه يهان أو يحتقر بسبب مواقفه النقدية، قد يدفعه ذلك إما إلى التراجع عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية أو إلى تصعيد انتقاده والتعبير عن غضبه بأساليب أقل سلمية وأقل إنتاجية

ينبغي على كل مسؤول، وبخاصة من يشغل منصبا رفيعا كرئيس مجلس النواب، أن يحتفي بالنقد ويحوله إلى فرصة للحوار والتغيير، وليس إلى سلاح للهجوم على المنتقدين .. فتحمل المسؤولية يتطلب حكمة ومرونة وقدرة على التواصل الإيجابي، بعيدا عن الانفعال والاتهامات التي تضعف مكانة المؤسسة وتقلل من مصداقيتها في نظر الجمهور

في هذا السياق، يجب إطلاق دعوة صريحة لتغيير لغة الخطاب الرسمي إلى لغة أكثر احتراما وتفهما، تعكس إرادة الإصلاح وتعزز الوحدة الوطنية، وتفتح المجال أمام نقاشات موضوعية منبثقة عن احترام الرأي والرأي الآخر، لأن الحوار الوطني الشفاف هو ما يصنع وطنا متماسكا قادرا على تجاوز تحدياته الراهنة

ختاما، لا يمكن للوطن أن يستمر في مواجهة تحدياته وتعقيداته دون أن يحتضن ثقافة الحوار الوطني الشفاف والمفتوح، الذي يعتبر الركيزة الأساسية لبناء مستقبل مشترك ومستدام .. إن فتح أبواب النقاش بابتسامة تفاهم واحترام للرأي الآخر، يكرس قيم الديمقراطية ويقوي الوحدة الوطنية، ويحول الاختلاف إلى مصدر قوة لا ضعف

لذلك، على جميع الأطراف، من مسؤولين ومجتمع مدني ومواطنين، أن يجلسوا معا حول طاولة الحوار بروح من الانفتاح والتعاون، لتجاوز الخلافات وبناء جسر طويل من الثقة والمشاركة الفعالة في صنع القرار، تلبية لطموحات شعب يريد وطنا يحترم فيه كل صوت ويعزز فيه كل رأي، ويتجاوز فيه كل نزاع لخدمة الصالح العام .. بهذا، نؤسس لمرحلة جديدة من التواصل الوطني البناء الذي يرتقي بالمجتمع ويصنع مستقبله بيد الجميع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق