أحداث دوليةأخبار

لبنان والبلطجة السياسية الخليجية

AL KHALIJ

بعيدا عن الانحياز للأطراف المتصارعة على السلطة والثروة النفطية في الخليج العربي، ومن أجل الاقتراب من الوعي الصحيح بخلفيات المواجهة السنية والشيعية الإيرانية السعودية على ضوء ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان، يبدو أن الصراع بدأ يتجه نحو التصعيد وكسر العظام، والمواجهة المباشرة بين الطرفين في مناطق النفوذ التقليدية في المنطقة كلبنان الذي تتدخل فيه اليوم السعودية عبر الضغط على رئيس حكومته للاستقالة، واتهام لبنان بما لا يوجد في سياسته الخارجية، انتقاما من إيران وذراعها حزب اللـه الذي أصبح يشكل قوة مهددة لمصالح السعودية.

كيفما كانت المبررات التي اضطرت سعد الحريري للإعلان عن استقالته من الحكومة من الرياض، فإن الموقف الصائب كان يقتضي الإعلان عنها من بيروث، بدل الرياض، وهذا ما عبر عنه تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري في موقفه الرافض للوصاية الأجنبية على رئيسه، والمطالبة بعودته السريعة إلى لبنان للحفاظ على دم الوجه والوزن السياسي لتيار المستقبل في لبنان، وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه باقي التيارات المشاركة في هذا التيار، تجنبا للإحراج وإهانة الدولة اللبنانية.

لن نكون في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أكثر وطنية من اللبنانيين الذين عبروا قاطبة عن الموقف المعارض لسياسة السعودية التي تستهدف استقلال لبنان وحريته في السيادة على قراراته الداخلية والخارجية .. ومن ذلك، موقف حزب اللـه اللبناني الذي حمل السعودية مسؤولية التدخل في الشأن اللبناني، وإجبار رئيس الحكومة المنتخب من اللبنانيين وغير المعين من الرياض، وهذا ما أكد عليه موقف الدول الكبرى من خلال سفرائها في بيروث، الذين أكدوا على وحدة لبنان، والحرص على استقلاله الوطني وسيادته على قراراته الوطنية.

إذن، من يهولون من مسار الصراع السني والشيعي في عالمنا الإسلامي والعربي يبحثون عن المبررات لإخفاء من يقرعون طبول الحرب من خارج هذا العالم الإسلامي والعربي حتى لا يتمكن من النجاح في معارك الديمقراطية والتنمية، وبإصرارهم على إيقاظ الفتنة المذهبية، وافتعال المشاكل الجابية، إنما يريدون أن يظل هذا العالم الإسلامي والعربي خارج زمن الثورة الاقتصادية والتقنية والعلمية من جهة، وسوقا قارة لمنتوجاتهم، ومتجرا مفتوحا لتجاربهم في جميع المجالات .. لذلك، يلعبون بالنار لتأجيج المزيد من الاحتقان الديني بين العرب وبين المسلمين .. خصوصا، بعد اقتناعهم أن هذا العالم العربي والإسلامي لا يزال في الإمكان السيطرة عليه، انطلاقا من بوابة الدين عبر هذه الصراعات الطائفية التي تخدم وتؤمن مصالح أعداء شعوب المنطقة.

لم يعد ممكنا إخفاء حقيقة الصراع على النفوذ في الشرق العربي بين إيران والسعودية، خاصة بعد رجحان انتصار دول محور المقاومة الذي ترفض الرياض الاعتراف بشرعيته في مقابل إصرار محور المقاومة على الكشف عن طبيعة تورط دول الخليج في الفوضى والدمار الذي تتعرض له دول سوريا والعراق واليمن وغيرها من المناطق التي تتعرض للإرهاب التكفيري القاعدي والداعشي.

إن سياسة البلطجة الخليجية تكشف في نموذجها السعودي محاولة للتستر عن الصراع داخل الأسرة الحاكمة، بعد تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، وإصرار هذا الأخير على تكريس نفوذه لقطع رؤوس معارضيه داخل الأسرة وخارجها، وافتعال الأزمة خارج السعودية عبر هذا التدخل في لبنان الذي يعتبره من دول مجالها الحيوي ونفوذها الإقليمي بالرغم من التوجه الحكيم للبنان بالبقاء خارج هذه الصراعات السياسية والمذهبية في المنطقة.

إذن، أي مستقبل لدول الخليج العربي في ظل سياسة البلطجة التي تنهجها بعض الدول كالسعودية ..؟ فمهما كانت طبيعة العلاقة التي تربط السعودية مع بعض الأطياف السياسية في لبنان، فإنها لا يسمح لها بالتدخل في سيادتها واستقلالها، كما حدث لرئيس حكومتها سعد الحريري الذي طلبت منه الاستقالة مقابل تغيير الواقع الداخلي في لبنان، و التحكم في حزب اللـه الذي أصبح متحكما في نظرها في المشهد السياسي والحكومي، وهذا مالا يوجد على أرض الواقع الذي يمثل فيه حزب اللـه أحد المكونات السياسية المشاركة في الحكم الدستوري الديمقراطي فقط .. إذن، كل التعليقات حول حدث الاستقالة من الرياض تفسر التحكم الخارجي في سيادة لبنان الذي اعتبرته بعض الأطراف الخارجية تطورا خطيرا في سياسة دول الخليج الكبرى مع دول الجوار العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق