أخبارمنبر حر

بين تعويم الدرهم و تحرير اللغة العربية

LOLOGH 3

ذ. عبد اللـه عزوزي

مَن منكم يستطيع فصل اللغة عن العملة الوطنية ..؟ أوَ ليسَ هما وَجهان لعملة واحدة ..؟ هل يمكن مثلا أن نفصل قوة الدولار الأمريكي أو لكندي أو الجنيه الإسترليني عن اللغة الأنجليزية ..؟ هل يمكن أن ننظر إلى قوة اليورو في معزل عن قوة لغة أهم الثقافات التي تبنته عملة موحدة للاتحاد الأوروبي، كالألمانية و الإسبانية و الفرنسية ..؟ هل يمكن أن يكون صعود الين الياباني و اليوان الصيني و الليرة التركية منعزلٌ عن انتشار اللغات الوطنية لتلك العملات ..؟

إن ارتباط قوة اللغة بقوة الاقتصاد، و ارتباط قوة العملة الوطنية بهما معا، أمر لا يُجادل فيه أحد .. لذلك، نرى الطلبة و استراتيجيات الأنظمة التعليمية يتسابقون على تعلم و تعليم و تبني لغات العملات الأكثر تأثيراً و تداولا، بل كثيرا ما كانت قيمة عُملة البلد المُتوَجَّهُ إليه هي المنارة التي يسترشد بها الهاربون من بلدانهم الضعيفة، حيث موت الإنسان و اللغة.

وحيث أن لكل شرط مناسبة، أتساءل معكم هل يمكن تصور عملية تعويم (تحرير) الدرهم بمعزل عن عملية تعويم اللغة العربية، أي تحريرها من التبعية و جعلها واحدة من اللغات/العملات المتداولة ..؟ ترى، هل يمكن أن نتحدث عن اقتصاد مغربي قوي بمعزل عن لغة عربية قوية و رسمية في الإدارات و الإعلام و المناهج و المعاهد و الإنتاج ..؟

هل لا زال بيننا من يعتقد أن أمر اللغة هو أمر ثانوي و مشهد خلفي في سينما واقع الاقتصاد و الإنتاج الحضاري الوطني ..؟ هل لا زال بيننا من يعتقد أنه بإمكاننا أن نستقل و نتحرر اقتصاديا و اجتماعيا بدون لغة وطنية تكون تاج رؤوسنا و ألسنتنا ..؟ هل يعرف مسؤولينا كم تُنفق الدول الأجنبية على لغاتها حتى خارج حدودها الوطنية في سبيل توسع هويتها الجغرافية و تقوية بُنيان شخصيتها الثقافية و الحضارية ..؟

تذكروا معي مثلا، ما يعرف بين تلامذة و طلاب اللغة الأنجليزية ببرنامج أكسيس للمنح الصغرى الذي ترعاه الحكومة الأمريكية بتنسيق مع سفاراتها عبر العالم، كم من خريج سنوي لذلك البرنامج ..؟ أليس ذلك مساهمة غير مباشرة في تقوية صورة و حضور اللغة الأنجليزية على حساب اللغات المحلية ..؟ ألا يُساهم ذلك في إزاحة (displacing) اللغة الأم و اللهجات المحلية من تصنيفها و يعمل على إطفاء بريقها و قتل العُملة الوطنية و إضعاف الاقتصاد المحلي، بشكل أو بآخر ..؟ هل يمكن الكلام عن نجاح عملية التحرير التدريجي للدرهم بمعزل عن التقوية التدريجية للغة الوطنية في المنظومة التعليمية و الاجتماعية ..؟

مَنْ مِن الاقتصاديين و السياسيين يجرأ على واحدة من هاتين: إنكار الصلة القوية و المشروطة بين اللغة و العملة الوطنيتين ..؟ أوِ القول بأن عملية تحرير صرف الدرهم ستنجح و لو بتهميشنا -بل عبثنا- باللغة العربية ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق