أخباررسالة موجهة إلى ...

رسالة مفتوحة إلى كل الضمائر الحية .. إلى كل حرائر وأحرار الوطن

ALMONTADA

المدرسة العمومية:
من سياسة التقزيم .. إلى بَغْرَرَةِ التعليم ..
ومن زمن ”بوكماخ”.. إلى وطن التكلاخ

*ذ. محمد أنين

ــ إذا كان المنتظم الدولي، على اختلاف إيديولوجياته الفكرية، وتوجهاته المذهبية، يعتبر قطاعاتٍ من قبيل: “التعليم” و”الصحة” و”السكن” و”الشغل”، قطاعات اجتماعية بامتياز، ولا يمكن بالتالي للدولة ـ بأي حال من الأحوال ـ أن تتخلى عنها؛

ــ وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948ـ والذي ستحل الذكرى السبعينية للاحتفال به في العاشر من الشهر القادم ـ قد أكد في الفقرة الثانية من المادة 26 منه على أن : ” لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة “؛

ــ وإذا كان العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في 16 دجنبر1966، ينص في الفقرة الثانية من المادة 13 منه قائلا : “وتقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق ـ أي حق الفرد في التربية والتعليم ـ يتطلب:

أـ جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع؛

ب ـ تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم؛

ج ـ جعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم..”.

ــ وإذا كان الحق في التعليم، وفق تعريف لجنة الأمم المتحدة المَعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المكلفة برصد تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدول الأطراف فيه، حسب التعليق العام رقم 13 هو “حق من حقوق الإنسان في حد ذاته، وهو في نفس الوقت وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى .. والتعليم، بوصفه حقاً تمكينياً، هو الأداة الرئيسية التي يمكن بها للكبار والأطفال المهمَّشين اقتصادياً واجتماعياً أن ينهضوا بأنفسهم من الفقر، وأن يحصلوا على وسيلة المشاركة كلياً في مجتمعاتهم .. وللتعليم دور حيوي في تمكين المرأة، وحماية الأطفال من العمل الاستغلالي الذي ينطوي على مخاطر، وكذلك من الاستغلال الجنسي، وفي تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، وحماية البيئة، ومراقبة نمو السكان، ويُعترف بالتعليم بشكل متزايد بوصفه واحداً من أفضل الاستثمارات المالية التي يمكن للدول أن تجريها .. ولكن، أهمية التعليم ليست أهمية عملية وحسب، فالعقل المثقف والمستنير والنشط القادر على أن يتمتع بحرية وإلى أبعد الحدود، هو عقل ينعم بمسرّات الوجود الإنساني ومكافآته”؛

ــ فإذا كان .. وإذا كان .. وإذا كان .. فإن “المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” ببلادنا ـ وهو الذي يستنزف سنويا، بل وفي كل اجتماع يعقده، حتى وإن تعلق الأمر باحتساء ما عَذُبَ من المشروبات والتلذذ بما طاب من المأكولات، مبالغ ضخمة من الضرائب التي تُمتص امتصاصا من عروق وشرايين هذا الشعب المسكين، المثير للشفقة ـ قد صادق ـ فيما صادق فيه ـ “بلا حيا ولا حشمة” على مشروع الرأي الذي كان قد تقدم به رئيس الحكومة السابق/رئيس الحزب الأقل أقلية، خلال ولايته المنتهية بشأن القانون/الإطار للمنظومة التربوية، والمتعلق بإلغاء مجانية التعليم في السلكين العالي والثانوي؛
وحقيقية الأمر أن تعليمنا العمومي، ما كان في يوم من الأيام مجانيا، بدليل رسوم التسجيل و واجب الانخراط في جمعية الآباء والتأمين .. إلخ؛ وكل ما في الأمر، أن تعليمنا العمومي قد كان في الزمن الجميل، أقل تكلفة بالنسبة للأسرة المغربية، وذا جودة عالية ومصداقية لا يُشَك فيها قيد أنملة..!

تعليمنا في ذلك الزمن ـ الذي نتحسر عليه بمرارة كبرى ـ كان مقترنا بالتربية، ومدعوما بإعلام سمعي وبصري مسؤول، ومحاطا بأسر بسيطة طيبة وطاهرة، وممزوجا بتلك الغيرة الوطنية الصادقة، التي صنعت لنا نساء ورجالا في جميع الميادين، وفي شتى المجالات الفكرية والعلمية والسياسية والاقتصادية والرياضية .. نساء ورجال قد لا ولن تُنجب هذه الأرض نماذج مثلهم ..! تعليمنا العمومي، الذي تغرورق عيوننا بالدموع، تحسرا عليه، كلما استحضرنا ذكرياته، ونتائجه الطيبة الممتازة .. هو تعليم نساء ورجال وطنيين شرفاء من طينة المرحوم أحمد بوكماخ، ومقرره الأسطورة “اقرأ”..!

أما تعليمهم اليوم، فقد أضحى يتيما بانفصال التربية عنه؛ ليجمع من العلل والأمراض والأسقام والتفاقمات والتناقضات و”العُظَيْمَات”، وضبابية الرؤى، ما يؤهله لأن يكون بالفعل أقل قيمة من “المراحيض المحترمة ..!” للسادة ” البرلمانيين والبرلمانيات المحترمين ..!” تحت “القبة المحترمة ..!” والتي ما زلنا بعد نستحضر بمرارة كبيرة، فضيحتها التي سَرَتْ بها الركبان، وحزنت لأجلها لغة القرآن ..! (مليار و400 مليون المخصصة لمراحيض البرلمانيات والبرلمانيين)؛
تعليمهم اليوم: اكتظاظ لا مسبوق، تجاوز في بعض المدارس حدود الممكن والمعقول، موازاة مع عدم إمكانية وفاء كل الأرقام، وكل التكهنات، والتجهيزات حتى بالحد الأدنى لتمدرس كريم، وبنايات متهالكة وأسقف آيلة للسقوط، و رؤوس في انتظار السقوط، أو بالأحرى رؤوس ـ حسب وصف الحجاج بن يوسف الثقافي ـ ” قد أينعتْ، وقد حان قطافها”.. في انتظار ذلك “السيف المسؤول/المحاسب/العادل”، الذي لا يخاف في الله لومة لائم ..!

تعليمهم اليوم: مؤسسات تعليمية بدون مكاتب إدارية، وأخرى بدون مرافق صحية، وداخليات بأسرة مهترئة، ومطاعم خارج المواصفات الصحية، وتسيب إداري ومالي، لم تنج منه لا مؤسسة “الوزير”، ولا مؤسسة ” المدير”، ولا حتى مؤسسة ” المسؤول الصغير” ..!

تعليمهم اليوم: إهدار لميزانيات بالملايير .. ومنح لمنعم عليهم، لدراسات بالملايير .. وتباهٍ بمشاريع بالملايير، تقبر أُخَرَ سابقة لها بالملايير ..!

تعليمهم اليوم: قرارات ارتجالية ومزاجية بإعادة الانتشار، وفوضى عارمة وغير مسبوقة، اسمها “الحركة الانتقالية”.. وتوقيف قسري ـ في بعض الجهات ـ لصرف مستحقات طباخات/كادحات ينتظرن منذ مدة “قطعة خبز” سوداء ( 0,10 سنتيم .. مقابل إعداد وجبة غذاء واحدة )؛

تعليمهم اليوم: اعتكاف لمسؤولين داخل مكاتب مكيفة، تفعيلا ـ حسب فهمهم الضيق، بل والخاطئ ـ لسياسة القرب واللا تركيز إداري .. و ملايير الدراهم تهدر هنا وهناك .. وربما هنالك ـ بدون حسيب ولا رقيب ـ من أجل “برامج وطنية تخريبية”، يحاول أصحابها إِهَامَنَأ بأنها “إصلاحية ..!” وحرمان أساتذة متكونين من الالتحاق بالوظيفة العمومية، والعمل على تشغيل ـ في إطار المناولة ـ “لأشباه” أساتذة لا تكوين ميداني ولا نظري لهم، وذلك عن طريق ما يسمى “العقدة Contrat”.. وإن كانت في واقع الحال “عقدة ـ بمفهومها الحقيقي الصائب ـ Complexe”؛

تعليمهم اليوم: حبوب مهلوسة تباع أمام أبواب المؤسسات “وبالعلالي .. وعلى عينيك آ بن عدي ..! “، وأيضا “كالات” تشوه أسقف فصول الدراسة، ومراهقين غرباء، يلجون ـ في تحدٍ لا مسبوق لكل القوانين والضوابط والأعراف ـ لفصول الدراسة.. وقنينات خمر تُحْتَسَى بكل وقاحة داخل أسوار المؤسسات التعليمية، بل وداخل أسوار الأقسام، وأثناء الدرس .. عنف جسدي ولفظي في حق نساء ورجال التعليم 
تعليمهم اليوم: كبث وتحرش .. اغتصاب جنسي، لطفلات وأطفال أبرياء.. اغتصاب للبراءة.

تعليمهم اليوم: “طامة كبرى”.. أعضاء بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالمنظومة التعليمية، ومع ذلك فهم يستنزفون ميزانية الدولة ـ وليت الأمر يقف عند هذا الحد ـ، بل يصدرون قرارات مصيرية تحكم مستقبل البلاد والعباد .. قرارت بمثابة “صلاة جنازة على غائب اسمه المدرسة العمومية ..!” والطامة الأكبر والأعظم: بغريرة .. وبْرَيْوة .. وبطبوطة .. و”نزعُ صغيرةٍ لسروالها، لكونه يشعرها بالحر”.. واستخفاف ـ إلى حد الاستهزاء ـ بالمحامي والمدرس .. وإجلال لمؤخراتِ ماجناتٍ راقصاتٍ، على منصات مهرجانات، حاصرتها “مقاطعة شعبية”، حتى الاختناق ..!

تعليمهم اليوم: ” كلمات نشاز” .. ” لفتة كبيرة”.. ما نظنها ـ في المنتدى الوطني لحقوق الإنسان في ظل خنوع المجتمع، وقبوله بها، سوى مشروع “فجلة كبيرة”.. وما أدراك ما الفجلة الكبيرة ..! (بالمفهوم الداجي، الذي نجد أنفسنا ـ في هذه الرسالة ـ مضطرين لاستخدامه، عل من يحاولون تخريب العربية بمقرراتهم البئيسة، يفهمون “المقصود”؛

تعليمهم اليوم: “غول إمبريالي مفترس”، منزوعةٌ الرحمة والمصلحة العامة من قلبه .. غول استعبد نساء ورجال التعليم، بشكل مهين وماس ومحط بكرامة الإنسان؛

تعليمهم اليوم: تختزله معاناة الأستاذة (ر. رمسي)، التي تعرضت لاعتداء بواسطة السلاح الأبيض، أحدث جرحا عميقا على مستوى وجهها، وآخر غائر على مستوى نفسيتها، لتفاجأ بمنع المسؤولين لها، بالمدرسة الخصوصية التي تعمل بها بالدار البيضاء، بمنعها من ولوج قاعة الدراسة، ومنع ابنتها هي الأخرى من متابعة دراستها، بنفس المؤسسة .. لتبدأ رحلة معاناة هذه السيدة الفاضلة مع الحياة ( عاهة مستديمة.. وطرد تعسفي من العمل .. ومنع لابنتها من متابعة دراستها .. وغياب لأي مواكبة قضائية أو اجتماعية .. أو حتى إنسانية لحالتها المركبة)، وإن كانت كل مكونات المنتدى الوطني لحقوق الإنسان، قد أخذت على عاتقها مهمة إنصافها، مهما كلفنا الأمر من نضال، ومصاحبة دائمة ولا مشروطة لها، حتى النصر بإذن الله؛

تعليمهم اليوم: مدارس خاصة، لا تعرف للمصلحة العامة سبيلا ..!

تعليمهم اليوم: مناصب مسؤولية، تمنح على المقاس .. وأغراق للحقل العلمي بدكتوراه، وماستر، تمنح برشاوى .. ومنتمون لأحزاب، أصبحوا بقدرة قادر دكاترة ..! وهكذا، وبعد تهييئ من يهمهم الأمرـ ومنذ مدة ـ لمراسيم تغسيل وتكفين “المرحومة المدرسة العمومية” ببلادنا، وبالضبط قبل سنوات قليلات، من فضيحة “الطاولات”، والتي كانت عبارة عن تمثيلية سيئة الإخراج، وببطولة مشتركة بين الوزير البوليسي، والمدير العام السابق للتكوين المهني، وهما الشخصيتان اللتان حظيتا بإعفاء صاحب الجلالة لهما، لتبات تورطهما.

تعليمهم اليوم: أصبح قابعا في مؤخرة الترتيب على المستوى العربي، وعلى المستوى العالمي، على حد سواء .. والحالة هاته، وأمام هذا الوضع المأساوي بامتياز، فإن المنتدى الوطني لحقوق الإنسان، وهو يتابع ـ بقلق كبير .. وبعين غير راضية، بل و ساخطة، على ما حيك وما يحاك ضد “المدرسة العمومية” من دسائس ومكائد وإقبار، يقف مصدوما ومستغربا ومذهولا، و”المدرسة العمومية “تغتصب وتذبح بدم بارد أمام الجميع .. وبالتالي، يطلقها صيحة مدوية، في وجه الصمت الرهيب .. صمت المقابر ـ الذي تعيشه الأحزاب السياسية والنقابات، وجمعيات المجتمع المدني، والتي لا وجود لها إلا على الأوراق، وكل المتشدقين بحب الوطن والمصلحة العليا للبلاد ـ ليقول لكل “رويبضات المغرب”، عبارة واحدة: “خذوا العبرة من التجربة التركية، على الأقل في مجال التعليم، وسترون كيف أن النتائج الإيجابية ستفيض بسخاء وكرم على بلادنا، في كل المجالات .. وبالمقابل سنوفر ميزانيات ضخمة، وبملايير الدراهم، تنهبها مؤسسات عديدة من بينها “، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” .. مجلس بلا علو ولا تربية ولا تكوين ولا بحث.. علمي ..!

وفي انتظار أن يُفَعَّل هذا الاقتراح، يقول لكم المنتدى الوطني لحقوق الإنسان: “تصبحون على مدرسة عمومية .. تصبحون على وطن

*رئيس المنتدى الوطني لحقوق الإنسان 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق