منبر حر

هكذا سقطت زهرة الربيع .. هكذا رحل الربيع

AZZOUZI AZZOUZI

ذ. عبد اللـه عزوزي

يعيش الطواغيت حياة دنيوية ثم يموتون موتا أبديا .. و يموت الشهداء ثم يحيون حياة أبدية .. ولد محمد مرسي عيسى العياط يوم 17 يونيو 2019، في ما يشبه ولادة رمزية و معنوية سيحتفي بها التاريخ و الأجيال القادمة أكثر من احتفالها بتاريخ ولادته البيولوجية (08 غشت 1951) .. محمد مورسي الذي تغير وجه العالم العربي مع دخوله قصر السلطة في 4 2 يونيو 2012، و لمحت معه الشعوب العربية بريق الأمل الذي لاح من بعيد، و شربت معه، و لو لوهلة من الزمن الغادر، من قَدَح الكرامة و القرار و المعنى .. مرسي الذي طار ذات يوم من بداية هذه الألفية من مطار أكبر و أوسع ديمقراطية في العالم، مُمَنّيّاً النفس بالمساهمة في بناء ديمقراطية كتلك التي ترعرع في أوساطها و تفَتّحَ، انتهى به المطاف وراء القضبان، بعدما تم حرق الآلاف من مؤيديه الذين أمطروه بأصواتهم في أول انتخابات مدنية حرة و نزيهة، و هم الذين لم يكونوا أقل ولع بالديمقراطية و حبّ في السيادة الوطنية و الازدهار الاقتصادي و العدالة الاجتماعية .. مرسي يرحل في نفس الفصل تقريبا (الصيف) الذي شهد فوزه الكاسح في الانتخابات الرئاسية، ثم الانقلاب على برنامجه و نواياه التحررية بعد أقل من سنة، و كأنه يريد أن يذكرنا بالبداية و ساحاتها و ميكروفوناتها و عدساتها و قناصيها و جرافاتها و دخانها .. الذي سرعان ما نسته الذاكرة البشرية رغم هوله و فضاعته .. تحدت تأثير ثقافة العبث و الجشع.

يرحل مرسي و الشرق الأوسط كنجمة سقطت من السماء يتخطفها قراصنة البحر و البر .. يرحل ابن عيسى العياط ليذكر الغافلين أن العالم العربي بعيد كل البعد عن التحرر حتى و لو تعلق الأمر بأرض الكنانة و أم الدنيا .. فكيف لوطن بشساعة مصر، و عمقها التاريخي، أن يتم التلاعب بتاريخها الحديث على هذا النحو الذي يزيد من مذلة العرب و انهزاميتهم.

يرحل مرسي و العالم المتحضر كله جمعيات و لوبيات و منظمات و كليات و معاهد، و تحالفات .. اختارت لنفسها أن تدافع عن الديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و الحق في تقرير المصير ..! فكيف صمت الجميع لسنوات و هم يرون أن رجلا أُدْخلَ السجن فقط لأنه تم اختياره رئيسا لمصر بالإجماع، وبدلا عنه يتولى الحكم مصري بالقوة العسكرية، بل بالحديد و النار ..؟

بموت مرسي يكون الربيع العربي التاريخي قد أصبح عبارة عن فيلم هوليودي يؤرخ لعشرية استثنائية صنعها المواطن العربي البسيط في كل من تونس و مصر و سوريا و السودان .. ربيع كان بوسعه أن يرقى بالعالم العربي إلى مصاف الأقطاب العالمية التي أصبحت تتحكم في مصير الأمم .. وضع كان بإمكانه أن يوفر الكرامة و العدل و المساواة و يقوى من دور المؤسسات و إشعاعها، خاصة المراكز البحثية و الجامعية، و يحفظ للدول العربية سيادتها و قدرتها على تدبير ثرواتها المادية و اللامادية، و في مقدمتها اللغة و الثقافة و الاختيارات الديمقراطية، و يجنبها مرحلة الهشاشة و اللايقين التي مازالت تلازمها إلى صباح اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق