
الفنان المغربي بين التهميش والاستغلال السياسي
* سعيد ودغيري حسني
كثر اللغط حول الفنان وحقوقه حتى صار الكلام أكثر من الفعل وصار الألم أكبر من الصبر، وصارت الهوة بين الفن وصناع القرار تتسع يوماً بعد يوم
الفنان ليس زينة ولا وسيلة ولا رقمًا في حملة انتخابية .. هو صورة الوطن وصوت الناس وذاكرة الأرض .. هو من يضحك الشعب في لحظات الانكسار ويبكي معه في زمن الانهيار .. هو من ينقل قيم المجتمع ويصون هويته من خلال كل عمل فني، ومع ذلك كثيرًا ما يُستغل في الحسابات السياسية الضيقة
تُستثمر شعبيته وصورته وكلماته، في حملات انتخابية مسبقة لأحزاب تتقاذفه، كما لو كان أداة
يُغفل عنه دوره الحقيقي ويُحاصر في زاوية الخدمات المادية المؤقتة، ويُستنزف عطاؤه ليخدم مصالح لا علاقة لها بالإبداع ولا بالثقافة
ورغم هذه القيمة العميقة، يظل الفنان المغربي أسير قطاع غير مهيكل، بلا ضمان اجتماعي، بلا تقاعد كريم، بلا دعم مستمر، بلا رؤية واضحة للمستقبل
قلة من يشتغل وإن عمل فإن أجره لا يكفي إلا لفترة قصيرة، وفي ظل هذه الهشاشة وقلة فرص العمل، كيف له أن يؤدي أقساط الضمان الاجتماعي، وهو ليس أجيراً، حتى الاشتراك المتواضع في التعاضدية الوطنية للفنانين كثيرًا ما يستعصى عليه، تاركاً إياه عرضة للفقر والحرمان رغم عطائه وإبداعه
إن الحل يبدأ من النقابات .. النقابات التي عليها أن تكد وتجتهد وتطرح مقترحات وحلول عملية، وتتشبث بكل ما خول لها الدستور من حقوق وصلاحيات، ولا تركن إلى الحسابات الضيقة أو المصلحة الشخصية
عليها أن تكون الصوت الجريء للفنان الدرع الواقي لعطائه ومظلة لاستقلاله .. عليها أن تصنع رؤية استراتيجية واضحة تجمع بين الدفاع عن الحقوق والمطالب الاجتماعية، وتدعم المشاريع الإبداعية وتفتح آفاق التعاون بين جميع الفاعلين في الحقل الفني
وعليها، أن تفرض تفعيل قانون الفنان بشكل كامل لضمان حقوقه الاجتماعية والمهنية والمعنوية،
كما يجب أن تتضافر جهود المؤسسات الرسمية وتعمل كحاملات لرؤية مشتركة
المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة عليه حماية حقوق الفنانين المادية والمعنوية، ومراقبة استغلال أعمالهم و وضع آليات واضحة لحفظ حقوقهم الفكرية والفنية
وزارة الثقافة تتحمل مسؤولية وضع السياسات الثقافية ودعم الإنتاج الفني، وتوفير البنية التحتية المستدامة للإبداع وتمويل المشاريع والمبادرات الفنية
وزارة الشباب والرياضة تعمل على دمج الفنون في البرامج الشبابية وتمكين المبدعين من الانخراط الفعلي في المشهد الثقافي، وفتح آفاق المشاركة والإبداع للشباب
هذه المؤسسات يجب أن تعمل بتكامل كحاملات لرؤية متفق عليها تعيد للفنان مكانته وتضمن استقلاليته واستمرارية عطائه، ويجب أن تشمل الحلول العملية .. تفعيل قانون الفنان لضمان الحقوق والواجبات لكل المبدعين .. دعم الفنانين غير الأجراء لتغطية اشتراكات الضمان الاجتماعي والتعاضدية حتى يتمكنوا من العمل بحرية دون عبء مالي يثقل كاهلهم
إنشاء نظام تقاعد للفنانين الذين تجاوزوا الستين ليعيشوا شيخوختهم بكرامة ويستعيدوا حقوقهم بعد عمر طويل من العطاء .. فتح المجال للشباب عبر تكوين مستمر ودعم إنتاجي وتمويلي يضمن الاستمرارية ويجدد المشهد الفني
تكريس العدالة المجالية في توزيع الدعم والإمكانات الثقافية ليصل الفن إلى جميع مناطق المغرب، دون تهميش
المستقبل للفنان المغربي هو أن يكون حراً ومستقلاً قادرًا على العطاء، دون خوف من الفقر أو التهميش، هو مرآة المجتمع وهو صانع الهوية وموصل الحلم، إن أُهين انعكس الذل على الأمة، وإن كُرّم أشرق الوطن بالجمال والعطاء
الفنان المغربي ليس للبيع ولا للأحزاب ولا للأجندات السياسية، يستحق أن يكون محور السياسات الثقافية والاجتماعية وصوت الوطن الحر .. الفنان المغربي يستحق أكثر من التكريم الشكلي يستحق أن يكون في صلب السياسات الثقافية والاجتماعية .. يستحق أن يكون محور الرؤية الوطنية للفنون .. يستحق أن يعيش حياته وعطائه دون خوف من الحاجة، ويستحق أن ترى جهوده صدى في كل أرجاء الوطن
النقابات هي الدرع الحامي للفنان وهي الصوت الجريء في وجه الاستغلال السياسي، عليها أن تصر على استقلالية الفنان وألا تسمح لأحد باستغلاله في حملات انتخابية أو أجندات ضيقة ..
عليها أن تكثف الجهود وأن تطرح خططًا واستراتيجيات واضحة لحماية الحقوق ودعم المشاريع .. عليها أن تظل وفية للدستور وفية للفن وفية للمبدعين، وعليها أن تفرض تفعيل قانون الفنان كحقيقة واقعية على الأرض لضمان العيش الكريم للفنانين
الفنان هو روح الأمة ومرآة المجتمع إن كُرّم أشرق الوطن وإن أُهين انعكس الذل على الجميع ليكن الفن حرًا والمبدع مستقلًا والرؤية واضحة لضمان استمرارية الإبداع وكرامة الفنان
*فنان وكاتب