
تصنيف كارلو سيبولا لأفعال الإنسان نموذج تحليلي لأخلاقيات الصحافة المغربية في ضوء فضيحة التسريبات

يقدم المفكر والباحث الإيطالي في التاريخ الاقتصادي، كارلو سيبولا، إطارا فكريا عميقا يعيد تقييم الإنسان في المجتمعات المعاصرة، بعيدا عن الانقسامات التقليدية التي تعتمد على العرق أو الدين أو اللغة
يرى سيبولا أن الأفعال هي المعيار الحقيقي الذي يحدد قيمة الإنسان وتأثيره على نفسه ومحيطه، وقد استند في تصنيفه للبشر إلى أربعة أصناف وفقا لما تؤول إليه نتائج أفعالهم:
* العقلاء – الذين تفيد أفعالهم الجميع
* الأشرار- الذين ينفعون أنفسهم على حساب الآخرين
* الحمقى – الذين يضرون أنفسهم والآخرين معا
* الأغبياء – الذين يضرون أنفسهم وينفعون غيرهم
تكتسب الرؤية التي طرحها سيبولا بعدا ناضجا في ظل التحديات الراهنة التي يواجهها المشهد الصحافي المغربي، خاصة على هامش فضيحة التسريبات الأخيرة التي كشفت عن ممارسات غير مهنية وسلوكيات ألحقت ضررا بسمعة بعض الفاعلين الإعلاميين، بيد أن الدول التي تسعى إلى امتلاك صحافة مستقلة وموثوقة تحتاج إلى تقييم أفعال العاملين في المجال الإعلامي وفق التصنيف الذي قدمه سيبولا .. فالصحفي الحقيقي هو العاقل الذي تنتج أفعاله منفعة للمجتمع، بدلا من إلحاق الضرر به
وهكذا، كشفت التسريبات الأخيرة عن تصرفات يمكن تصنيفها ضمن الفئات الثلاث الأخرى: الأشرار الذين يسعون لاستغلال المنصات لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الحقيقة والشفافية .. الحمقى الذين يفتقرون إلى المصداقية والتدقيق، مما يسبب أضرارا متعددة .. الأغبياء الذين يحيدون عن مصالحهم المهنية ويرتكبون أخطاء تلحق الضرر بالمجتمع الصحافي ككل
تجربة الفضيحة في المغرب توضح كيف يمكن لأفعال قلة غير مسؤولة (…) أن تهدد مصداقية الصحافة ومكانتها، وتطرح تساؤلات ضرورية حول آليات المراقبة الذاتية وأهمية الأخلاقيات المهنية، إلى جانب دور الهيئات الناظمة في متابعة وضبط العمل الإعلامي
من هذا المنطلق، يحتاج الإعلام المغربي إلى إعادة بناء ثقافته المهنية على أساس الأخلاق والمسؤولية المجتمعية، لتصبح أفعاله مصدر نفع لخدمة الإعلام الحر والمسؤول، كما يجب النظر إلى دور الجمهور والمجتمع المدني كطرف فاعل يمارس الضغوط على الإعلاميين للحفاظ على نزاهة العمل الصحفي وتفادي الوقوع في فخ الأفعال الضارة التي تؤدي إلى فقدان الثقة
إن النتائج المتجلية في الفضيحة الأخيرة تؤكد ضرورة احترام قواعد الشفافية والمهنية، خصوصا عند تغطية قضايا حساسة مثل التسريبات والتحقيقات التي تمس الشأن العام .. ففي عالم الإعلام المتغير، حيث تثمر الأفعال آثارا واسعة النطاق، يظل التصنيف الذي قدمه سيبولا أداة قياسية وعملية لفهم سلوكيات الفاعلين الصحافيين، إما أن يكونوا عقلاء يقدمون الفائدة، أو ينحدرون إلى مستويات أخرى تخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة
وهذا يجعل من الضروري تطوير فرضيات ترتكز على تدريب وتنشئة الإعلامي ليؤدي دوره بأمانة وإيجابية، بما يضمن استمرار الصحافة المغربية في رفض الفساد الإعلامي وتعزيز مصداقيتها




