للمستقلة رأي

ما هذه العبثية في التحليل للواقع المصري يا عبد الباري عطوان ..؟

رغم تناوله القاصر والغير مقنع للوضعية في مصر بعد ثورة 30 يونيو، لا زلنا نعتبر ونقدر الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان، وإن كنا لا نرى في الاختلاف معه ما يفسد هذا الاحترام والتقدير، لكن ما جاء في مقاله “الإسلاميون عائدون في مصر وسحر الانقلاب ينقلب فوضى” المنشور مؤخرا في إحدى الجرائد اليومية المغربية .. جعلنا لا نتمالك مشاعرنا ومنظورنا لما يجب أن يكون عليه تحليل مثل هذا الصحفي، الذي لا يتجاهل أحد نضاله الفلسطيني والقومي والأممي المتميز، سواء في قضايانا العربية أو العالمية .. وبالخصوص، القضية الفلسطينية، وصحة مواقفه النقدية حولها وما يقترحه من حلول ومقاربات لا يجادله فيها أحد، فماذا حدث ل. عبد الباري عطوان في الحالة المصرية، التي انكشف فيها زيف المشروع الإخواني ودعارة توجهه الانتهازي وخطابه الديني النفعي ..؟ ! فهل اختلطت عليه الأدوار والمواقف المعلنة من هذا التيار الذي اتضحت تبعيته لمموليه في أوروبا وأمريكا، حتى يمثل نموذج الإسلام السياسي الذي يصون مصالح الغرب الرأسمالي الجديد ..؟

إنها قضية كبرى ومن العيار الثقيل، أن نجد عبد الباري عطوان الحداثي والديمقراطي في جبهة الدفاع عن التوجه الإخواني الظلامي الحقيقي، سواء داخل مصر أو خارجها، والذي يستهدف واقعا عربيا جديدا يتلاءم والمخطط الأمريكي الذي يتعلق بالشرق الأوسط الكبير، الذي يعرفه عطوان ويدرك أهدافه وبرامجه وتوجهاته، فبالأحرى الحالة المصرية القريب منها والمتابع لها، والتي لا زالت تحبل بالجديد في ظل ديناميتها الملتهبة التي تساقطت خلالها صدقية الكثير من المقاربات والسناريوهات التي صيغت حولها، سواء من داخل مصر أو من خارجها، ولا يتوقع في ظل الصراع المفتوح بين القوى المصرية، سواء التي تدير المرحلة الانتقالية أو التي سقطت مع خروج الجماهير في ثورة 30 يونيو التصحيحية، التي يعتبرها عبد الباري انقلابا عسكريا واضحا ضد شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي.

لن نناقش صحفينا الكبير في وجهة نظره الشخصية حول ما جرى ويجري في مصر، لأن ذلك يخصه، لكن عرض الموضوع من خلال التلويح بإمكانية عودة حكم إخوان المسلمين، فهذا ما لا يتجاوب مع ما كان عبد الباري عطوان يتميز به في الساحة الصحفية العربية، إلا إذا كان مطمئنا في خلاصته إلى ما يروجه الإعلام الإخواني والغربي حول الموضوع، حتى لا تنكشف دعارة تدخله السافر في فضيحة انتخاب الرئيس المعزول محمد مرسي، والتي تبين من الحقائق التي كشفها الإعلام المصري عن هول التدخل الغربي في العملية الانتخابية التي أنفق عليها الأمريكيون أكثر من ثمانية ملايير دولار، حتى يكون الرئيس المعزول فائزا في الانتخابات الرئاسية، وليس في إمكان عبد الباري عطوان التنكر للحقائق التي بدأت تعرف طريقها إلى المصريين وغيرهم من أكثر من مصدر مسؤول، فماذا يمكن قوله اتجاه تأكيد عطوان من أن ثورة 30 يونيو التي نقلها التلفزيون المصري وتراجع الغرب بكل جبروته عن رفضها، والبحث مرة أخرى عن ترتيب عودة العلاقات مع النظام الانتقالي الجديد الذي لايملك فيه الجيش الكلمة الأولى على غيره من المشاركين في الإدارة الانتقالية، التي يقودها رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور، الذي تمكن من إدارة المرحلة الانتقالية باقتدار حتى انتخاب الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي، الذي ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، التي اعتبرت وصولها إلى الحكم انقلابا عن الشرعية الدستورية مع أن مساهمتها منذ ثورة 25 يناير 2011، كانت بجانب الشعب المصري حتى إجراء الانتخابات الرئاسية بعد ثورة 30 يونيو 2013، وفي هذا الإطار، يحق لنا أن نسائلك يا عبد الباري عطوان عن هذا السحر الانقلابي الذي تحول إلى فوضى في مصر ..؟ هل تقصد به الإرهاب الإخواني لإعادة سلطة رئيسهم المعزول ..؟ أم إقحام مصر ضمن جغرافية الإرهاب الذي تقوده القاعدة لصالح الغرب والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ..؟ أم أن إسقاط حكم الإخوان سيدخل مصر في عالم الفوضى التي لن تنتهي بمصر إلا إلى الانهيار حتى يتمكن الإخوان من استرجاع حكمهم مرة أخرى ..؟

إن أبسط مقومات العمل الصحفي الموضوعي ترى في مقاربة عبد الباري عطوان خروجا عن المألوف، وعملا صحفيا مخدوما ودعائيا رخيصا للإخوان الذين أسقطهم الشعب المصري، نتيجة فشلهم في إدارة الوطن وترجمة المشروع النهضوي، الذي فازوا به في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي لم يفوزوا فيها لولا التزوير الممنهج الذي تحقق لهم على أيدي المجلس العسكري، الذي كان يقوده محمد الطنطاوي، ناهيك عن استخدام الوسائل الغير المشروعة في العملية الانتخابية كالمتاجرة بالدين وشراء الأصوات بالهدايا والمنح والمعونات والوعود التي كشف عنها قبل سقوط حكمهم في نهاية المطاف.

ونظن أن عبد الباري عطوان يعرف هذه الحقائق، التي تجاهلها في هذا المقال الغريب عن منهجيته المألوفة في العمل الصحفي، التي نادرا ما تكون وجهة نظره فيها قاصرة أو ضعيفة في التحليل والموقف كما تعودنا ذلك منه في افتتاحياته في جريدته وفي المناظرات والندوات التي يشارك فيها .. والأغرب أن يكون فاقدا للاتزان المعروف عنه في تناول القضايا العربية والدولية كالذي برز بقوة في التعاطي مع الحالة المصرية الجديدة، التي أراد أن يكون فيها كمجموعة من أصحاب الأعمدة السياسية والثقافية في الصحف العربية الكبرى، الذين لم يعلنوا صراحة حتى الآن عن مواقفهم مما حدث في مصر، مما يطرح أكثر من علامة استفهام على هذه الخدمة الصحفية والسياسية التي يقدمونها لمن رفضتهم الجماهير في مصر، إلا إذا كانوا فعلا من الطابور الخامس الذي وظفه الغرب مؤخرا في فعاليات الربيع العربي لتنفيذ وترجمة مشروعه الاستعماري الجديد في المنطقة العربية.

إننا في الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي تعرف نبل نواياك القومية والتحررية نستغرب لهذا الجنوح في تحليلك لما حدث في مصر ونعتبر ذلك مجرد فضول صحفي انفعالي طارئ، ونتمنى أن تتجاوزه وتعود إلى رصانة سلوك وقوة توجهك الديمقراطي والثوري والنضالي الذي لا يغازل أو يساوم أو يناور .. خصوصا، في قضايا مصيرية كالتي يعيشها الوطن العربي اليوم، في ظل فعاليات الربيع العربي الديمقراطي الذي يريد الغرب سرقته من شعوبنا العربية التي تتطلع إلى شمس الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الإنسانية، ونعتقد أنك لا تفتقر إلى البداهة وسعة النظر في تحليلاتك الصحفية التي تنشرها في جريدتك وفي معظم الصحف العربية حول القضية المصرية بكل حمولاتها الملتبسة، والتي يمكن أن تؤثر على اختياراتك ومواقفك القوية التي تميزك عن غيرك إن وضعناك في المقارنة مع من يوجدون الآن في المشهد الصحفي العربي اليوم، ولعلك على يقين من أن الحالة المصرية سترهن الواقع العربي مهما كانت نتائجها المرحلية المستعصية على المتابعة في الظرف الراهن، وإن كان ميزاج الجماهير الواسعة فيها قد حسم أمره في دعم خريطة الطريق التي تقوم القيادة الانتقالية المصرية الحالية بتنفيذها رغم كل الصعوبات التي تواجهها، وهذا في اعتقادنا ما يبرر قناعتنا في موقفك من الحالة المصرية كما حددته في عنوان مقالك .. ولن تفوتك الفرصة أبدا لتصحيح هذا الخطأ الذي لايتلاءم مع وزنك تماما، لأن موقفك من الإخوان وتوجههم السياسي ليس في صالحهم على الإطلاق مهما حاول البعض تصنيفك ضمن أنصارهم، أو الحالمين بما يمكن أن يصدر عنهم غدا من مشاريع حالمة وخيالية، كنموذج مشروع النهضة الذي وجه الحملة الانتخابية للرئيس الإخواني محمد مرسي والذي فشل في إنجازه نتيجة الافتقار إلى الرؤيا التخطيطية والعلمية الكفيلة بترجمة أهدافه على الأرض، ولتسمح لنا يا صحفينا الكبير عبد الباري عطوان بالقول أن تقييمك لما حدث في مصر أثناء ثورتها الأخيرة لم يكن موفقا من العنوان حتى آخر فكرة ناقشتها في مقالك، وربما يعود ذلك إلى الشعور بالإحراج اتجاه رموز الإخوان الذين كانوا يملؤون الشارع العربي والإسلامي بضجيجهم الخرافي والإيديولوجي المتخلف الذي أوضح بالملموس عجز منظريهم القدامى والمحدثين على ممارسة التفكير والتحليل المنطقي والعلمي السليم في الممارسة السياسية، التي أرادوا تجميلها بالخطاب الديني الدعوي الذي كانوا يعيشون عليه تحت الأرض من ثورة عبد الناصر حتى عهد مبارك.

ختاما لهذا الحوار معك حول مضمون مقالك، نؤكد لك تقديرنا الكبير لالتزامك المصري في مناصرة نضالات الشعوب وابتعادك عن الإعلام الصحفي الموجه والمخدوم، ونطلب منك مراجعة خلاصتك عن الحالة المصرية التي جعلتك خارج الموضوعية والنزاهة في التعاطي معها للأسباب التي تخصك حولها، وأملنا كبير في أن تعود إلى ذاتك الحرة التي ظلت توجهك في تحليل ومتابعة جميع القضايا العربية والإسلامية والأممية حتى الآن .. ولنا اليقين أنك ما زلت تتمتع بالفطنة والنضج والقدرة على التمييز في اختياراتك المعرفية والمهنية والسياسية والإيديولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق