متفرقات

المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات بين العلمانية وحقوق الإنسان ..!

LAFDALI

عبد الصمد لفضالي

بأي مكيال يكيل به مؤسسو ” المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات” ..؟ فهم لا يتكلمون عن العلم والعلوم ولا يرتدون جبة العلمانية، إلا عندما يتطرقون إلى أمور يتوهمونها تسير في اتجاه نعرتهم العرقية و تحاملهم على العربية، إن هؤلاء “المفكرين العباقرة” رغم تبجحهم بالعلمانية، فإنهم يتجاهلون بأن العلمانية تعني فصل الدين عن السياسة، و تنبذ كل تعصب عرقي أو طائفي، وترتكز على كل ما هو علمي و اقتصادي من أجل تلاحم و وحدة المجتمع العلماني (1)، في حين نجد هؤلاء، عندما تثور عليهم نعرتهم العرقية يخوضون في تناقضات لا صلة لها بالعلمانية، ومن بين هذه التناقضات تأسيسهم “للمرصد الأمازيغي للحقوق والحريات ” واتخاذهم له كملجأ لزمرة من الذين لا زالت تعشعش في أفكارهم سموم التفرقة الإثنية، واستعمالهم لهذا المرصد كمظلة لندوات و محاضرات تفوح منها روائح العنصرية والنعرة العرقية.

فلو كان مؤسسو “المرصد الأمازيغي للحقوق و الحريات ” يفقهون شيئا في العلمانية أو مقتنعين بها، لما وصفوا مرصدهم ب” الأمازيغي” لأن العلمانية – كما أسلفت – لا صلة لها بكل ما هو مذهبي أو تمييز عرقي، والعلماني هو من يتعايش مع غيره كيفما كان جنسه ولونه وعقيدته.
و لو كانوا يتمتعون بفكر تحليلي لأدركوا قبل أن يتحاملوا على اللغة العربية، بأن الصين والهند رغم شساعة مساحتيهما و نسمتيهما السكانية المرتفعة، وغزوهما لجميع الأسواق العالمية فإنهما – أي الصين و الهند – لم تستطيعا أن تفرضا لغاتيهما بدل اللغة الإنجليزية، و ذلك بسبب التفوق السياسي والعسكري للإنجليز إبان النهضة الأوروبية، وبمواكبتهم لهذه النهضة استطاعوا أن يهيمنوا بلغتهم الإنجليزية على المصطلحات العلمية والاقتصادية، وأضحت هذه الهيمنة واقعا مفروضا ولو إلى حين.

أما اللغة العربية، فإنها لم تنتشر بسبب استقوائها على اللهجات الأخرى، كما يتوهمون، وإنما انتشرت ولازالت تنتشر مع اتساع الإسلام .. كما يجب على مؤسسي المرصد المذكور أن يعرفوا بأنه لا يمكن لأي لغة أو لهجة أن تنتشر ب “بالشفوي” و بندوات فارغة، ليس لها أي ارتباط بأي أفق علمي أو اقتصادي أو اجتماعي، ولو كان لهؤلاء “العباقرة والفياقهة” أدنى خبرة مجتمعاتية أو اجتماعية، لأدركوا بأن المجتمعات المتقدمة لم تصل إلى ما وصلت إليه من التقدم والرقي، إلا بنبذها للعنصرية والنعرة العرقية و احتضانها للتعايش والحوار بالتي هي أحسن، و إيمانها بسواسية مواطنيها -كيفما كانت أعراقهم- في الحقوق والواجبات، و لكانوا كذلك على يقين بأن المجتمعات الغارقة في التخلف هي التي لا زالت تسبح في مستنقعات الطائفية والنزاعات العرقية.

كما أنه لو كان كبيرهم ” الفيلسوف” احمد عصيد الذي علمهم التعصب العرقي، يعي جيدا صفته كأستاذ للفلسفة، لما سقط في هذه التناقضات، لأن الفلسفة في تعريفها العام تعني حب المعرفة ومحاولة الوصول إليها بالعقل وبدون تحيز أو تعصب.

إن هؤلاء النشطاء” الحقوقيين ” كما يدعون، يتناسون بأن البند الأول من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاء فيه ” يولد الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم البعض بروح الإخاء” وهذا البند يتعارض كل التعارض مع التوجه العرقي لمؤسسي المرصد الأمازيغي ل”الحقوق والحريات” .. كما أن اسم هذا المرصد يتضمن كلمتين متناقضتين وهما ” أمازيغي” و “حقوق” فالحقوق الإنسانية لاصلة لها بالتمييز العرقي.

إن هؤلاء ومرصدهم يتناقضون مع العقل والديمقراطية والقيم الإنسانية، ويسعون بنعرتهم العرقية والإثنية إلى الرجوع بنا إلى العصور المظلمة من التاريخ البشري، ربما عن جهل أو تجاهل، أو ربما تحت الطلب، فالأمازيغية جزء لايتجزء من هويتنا وثقافتنا وتاريخنا، فبعض القبائل العربية تمزغت، وبعض القبائل الأمازيغية تعربت ولا يوجد في المغرب إلا مغاربة يتعايشون فيما بينهم.

(1)الاتحاد الأوربي يتكون من 28 دولة، لها أعراق وأصول مختلفة ولغات متباينة، و يبلغ عدد سكان هذه الدول ما يقارب 600 مليون نسمة، لكنها تنهج سبل التقدم والرقي المرتكز على التعايش وقطع الصلة بكل ماله علاقة بالطائفية والعرقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق