منبر حر

أدب المرأة الخليجية .. استثناءات أم فِعل انعتاق ..؟

 

SANAE EL HAFE

سناء الحافي

لعلّ ما يجعلنا نشكّك في معرفة الخريطة الثقافية الخليجية ودقّة إحداثياتها، ذاك النزاع حول المفهوم السطحي للإبداع النسائي، وما يواكبه من تمييز وتقليل من قدرته على أن يكون رافدا مهماً للإبداع العربي، بشكل عام.

وعدم بروز المرأة الخليجية أدبياً إلى الآن إلى السطح الثقافي العربي، كما يليق بها وبإبداعها خاضع للنظرة الثقافية العربية في بعض المراكز الثقافية المهمة، على أن الخليج ليس فيه إبداع، وكأن عدم معرفتهم بالخريطة الثقافية الخليجية يعني عدم وجودها، وبالتالي فإن الإعلام يلعب هنا دورا مهما، وأنا أقول ذلك لأنني من خلال ما شهدته من مؤتمرات ثقافية حول إبداع المرأة كان يتضح حجم الجهل بالأسماء النسائية الخليجية، وعدم معرفتهم بها، وكان الحديث دائما يجر إلى ردود فعل مصابة بالكثير من الدهشة، حين يعرفون أن المرأة الخليجية لا تعيش في خيمة وتربط أمام باب خيمتها جملا .. فكيف أن يتضح الأمر بأن هناك أقلاما نسائية ناضجة في مجالات الإبداع والصحافة والمشاركة الاجتماعية، وأعتقد أن هذه الدهشة ستظل ملازمة لكل الإبداع الخليجي.

إن مجال البحث في هذا الحقل الملغم من نواح كثيرة يجعلنا نتوقف عن إرسال الأحكام الجاهزة أو العامة، بل الأحرى بنا أن نكتفي بنماذج وعيّنات محدودة يمكن مقاربتها بشكل ملموس ومقارنتها بتجارب أدبية لنساء عربيات استطعن أن يضعن بصمتهن على الخريطة الثقافية العربية بكل جرأة وجدارة.

فالمرأة المبدعة كانت عبر التاريخ العالمي والعربي استثناء، أما اليوم فإن تجليات الإبداع لدى المرأة أصبحت ظاهرة واضحة، لأننا نجد في كل بلد عربي، ومن بينها دول الخليج مساهمة مؤثرة من المرأة في مجالات الشعر والقصة والرواية، ومعها في الفن التشكيلي والمسرح والسينما ( تأليفا وتمثيلا وإخراجا)، ورغم اعتبار منطقة الخليج منطقة غير ذات تأثير مركزي في الثقافة العربية، مثل بعض العواصم الكبرى إلا أن الأدب النسائي الخليجي في كل تجلياته لم يتخلف كثيرا عن إبداع النساء العربيات في المناطق الأخرى، فإذا كانت ظاهرة الإبداع النسائية (عربيا) بدأت مع الأربعينات والخمسينات (بغض النظر عن الاستثناءات) فإن المرأة الخليجية بدأ إبداعها في الستينات تقريبا بشكل متواتر، وهناك أسماء خليجية كثيرة شقت طريقها منذ ذلك الوقت، وتركت إرثاً أدبيا قيّما يستحقّ أن يُدَرَس…

كما أن المرأة الخليجية المبدعة لم تتخلف زمنيا بشكل كبير عن المبدع الخليجي .. وفي دول خليجية عديدة، بدأ الكثيرون كتابا وكاتبات يمارسون الإبداع من خلال آخر تطورات النظريات الفنية والأسلوبية الإبداعية العربية والعالمية منذ الستينات، حيث تجاوزت المرأة المبدعة في الخليج الكثير في كتابتها، رغم احتياجها الحقيقي في أن يرافق تجاوزها هذا مدٌ فكري وإعلامي علمي يراجع فيه صورة المرأة المشوهة في التراث والأساطير والحكايات الشعبية العربية والعالمية، وحتى فيما يطرح في السينما العربية.

ولو نظرنا إلى الفحوى العام للمنتج الأدبي النسائي في الخليج، فإننا نجد أن الموضوعات الشائعة في قصائد معظم الشاعرات الخليجيات، هي الدليل الأفضل إلى تلمّس فعل الانعتاق ذاك، والتماس أشكاله المتعدّدة التي تبدوــ هنا أيضاً ــ وكأنها تتباين أو تتقاطع أو تلتقي لا لشيء إلا لكي تصنع مشهداً متجانساً في نهاية الأمر، مشهداً جدلياً في اختلاف الشاعرات واتفاقهنّ، وحيوياً في تعبيره عن البُني الشعورية المعقدة للمرأة الخليجية المعاصرة، حيث أن تحرّر الشاعرة من صورة الجسد المسخرّ لإشباع الرغائب البهيمية وحدها هو في الآن ذاته تحرير للذات من المنفى، وهو عتبة إطلاق النصّ وانطلاقه .. وإن كانت الاستثناءات أحياناً تجعل العمل الإبداعي متميّزا وله نكهته الخاصة، فإن الاستثنائية في الأدب النسوي الخليجي جعلته أكثر تهميشاً، وجعلت المرأة المبدعة في خانة الشكّ حول جودة طرحها الأدبي أو الإبداعي بشكل عام .. ومن هنا نستطيع أن نضع للخريطة الثقافية بنوداً وحدوداً تليق بالإبداع بكل أطيافه وأجناسه، حتى يتماشى مع التطور الفكري للمجتمع وللمرأة على حد سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق