ذ. عبد الله عزوزي
أحيانا تبدو السياسة كفن الهندسة تماماً، بحيث يجب أن تكون القياسات و المقاسات مُعدة بشكل دقيق، و موضوعة في المكان الصحيح، و في الوقت الصحيح .. أكثر من هذا يجب على السياسي/ المهندس أن يرى ما لا تستطيع عيون الناظرين إلى الورش أو المحلقين فوقه رؤيته .. فهو الوحيد الذي يستطيع أن يصور في رحم ذهنه الأشكال و الأحجام، و تبعاتها حتى قبل أن تولد ..!
ما لم تتوفر هذه الموهبة (talent) في الرجل السياسي، فإن كل مشاريعه ستكون موضع انتقاد و سخرية، بل سيتحول المشروع برمته إلى مجرد سحر و هو ينقلب على صانعه بالعرض البطيء، ليس هذا فقط، بل غالبا ما كانت و ستكون بلادة السياسي سببا في اندلاع الفتن و النزاعات و تهديد الأمن المجتمعي، بل قد تكون سببا في اندثار أنظمة و ظهور أخرى
لكي تعرفوا جيداً، و بطريقة أوضح، ما أودُّ أن أعبر عنه هاهنا، يكفيني أن أحيلكم إلى التأمل في التوقيت و التاريخ الذي اختاره الرئيس التركي الطيب رجب أردوكان لتنفيذ قرار المحكمة الوطنية، القاضي بإرجاع طبيعة متحف آيا صوفيا إلى ما قبل المرسوم الرئاسي لسلفه العلماني كمال أتاتورك سنة 1934، أقل ما يمكن أن يُقال عنه أنه جاء قبيل بضعة أيام من حلول الذكرى 25 لمجزرة سربرنيتسا بالبوسنة، التي راح ضحيتها، و بدم بارد، ما يربو عن 8350 مسلم، ما بين طفل و امرأة و عجوز ..! هذه استراتيجية مُعدة سلفا لمحاصرة أعداء التسامح و رواد الإبادة الجماعية للإنسان حينما يصابون بعمى الألوان.
