أخبارمنبر حر

التنشيط الإيكولوجي

*يحيى تيفاوي

يواجه العالم المعاصر تحدي المشكلات البيئية، لعل أبرزها الانفجار السكاني، والتلوث البيئي، واستنزاف الموارد الطبيعية، نتيجة التفاعل السلبي للإنسان مع عناصر البيئة التي يعيش فيها، وعدم إدراكه لقيمة العلاقات المتبادلة بين هذه العناصر الضامنة للتوازن الطبيعي، وهو ما يستدعي ربط حل جل المشكلات البيئية بالبحث عن  ﺁليات و ضع تعاقد جديد بين الإنسان و بيئته  من منطلقات رئيسية لوسائل حماية البيئة الثلاث (العلم والقانون والتربية)، في مستوى الدور الوقائي والدور العلاجي معا قصد التصدي للمشكلات البيئية الحارقة، و كمدخل لإحداث تغييرات جذرية في أساليب تعامل البشر مع الأرض والحياة، و إعادة مراجعة أنظمة قيمنا  الاستهلاكية والمادية بإعطاء أهمية كبرى للتوازن الطبيعي والنظام البيئي

وفي سياق رؤية حاجة المجتمع العالمي إلى التأسيس لمنطلقات تربوية تساهم في تشخيص وعلاج الأزمة البيئية ..  وذلك، لأن التربية أداة هامة لضبط السلوك الإنساني وفق ﺁلية التكيف adaptation أو تفاعل المتعلم أو المنشط مع بيئته .. و من أجل إحداث التغيير المنشود، وإسهاما منا كباحثين بحكم المسؤولية الأخلاقية و العلمية و المدنية اتجاه مجتمعنا و المجتمع الإنساني، نحاول من خلال وضع  هذا المقال التربوي الايكولوجي رهن إشارة المهتمين بقضايا البيئة، تأسيسا لمقاربة علمية جديدة أطلقنا عليها  “التنشيط الإيكولوجي” في إطار الدراسات و البحوث التي تخدم حماية البيئة، كمقاربة مستحدثة قابلة للدارسة و البحث و التطوير، بوضع هدف عام لها يتمحور حول خلق ضمير مجتمعي إنساني يواجه الرواسب السلبية العالقة في تمثلات الإنسان وسلوكياته اتجاه بيئته، و بهدف خاص يتم أجرأته في تعديل  وبناء سلوك إيجابي للأفراد اتجاه البيئة، ارتكانا في تحققهما  لأهمية  التنشيط الايكولوجي في خلق هذا الضمير المجتمعي، وفي تعديل  وبناء هذا السلوك الإيجابي بما يساهم في سلامة البيئة وحمايتها وصيانتها والمحافظة عليها وتنمية مواردها و استدامتها

وانطلاقا من رؤيتنا بأنه رغم أهمية ما يصدر من تشريعات و مواثيق قانونية دولية و وطنية تعنى بحماية البيئة، إلا أنها لم ترق إلى مستوى الالتزام العملي في العديد من دول المعمور، وأن أثرها و وقعها يبقى محدودا إن لم نقل غائبا بالنسبة للدول التي لازالت مجتمعاتها لم تدرك أولوية وأهمية الثقافة المدنية الإيكولوجية في تقدم المجتمعات، مما يجعلنا تحت مبرر الحاجة بالتأسيس لوعي الأفراد بواجباتهم  في المستوى الأخلاقي و المادي اتجاه البيئة كمدخل للمواطنة الخضراء، وفقا لآليات و ميكانيزمات التغيير ارتباطا بما هو  ثقافي تربوي بدرجة الأولوية، سعيا نحو خلق ضمير مجتمعي يؤمن باحترام القوانين في مستوى بنية الوازع الداخلي و الرغبة و القابلية لدى الأفراد للتغيير ببناء سلوكيات قويمة و توجيهها في علاقة التفاعل مع البيئة، وهو ما تؤطره  مقاربة التنشيط الإيكولوجي تعبيرا لحاجة ماسة بأسس علمية عملية  للتربية البيئية للأفراد والجماعات بصفة عامة، والأطفال والشباب منهم بصفة خاصة، حيث أن تيسير فهم العلاقات والقوانين الطبيعية التي تحكم البيئة تساعدنا على التعامل معها ومشكلاتها قبل حدوثها .. و بالاستناد إلى  ثقافة إيكولوجية كانت موجودة في الأصل، و البحث عن سبل إعادة إنتاجها وتطويرها تكييفا و وفقا لشروط تاريخية مغايرة نعيشها في عالمنا المعاصر، سمته الأساسية تدمير الطبيعة واستنزاف مواردها، مما يستوجب إعداد الإنسان المتفهم لبيئته والمدرك لظروفها، والواعي بما يواجهها من مشكلات وما يتهددها من أخطار، والقادر على المساهمة الإيجابية في حل هذه المشكلات، بل تحسين ظروف البيئة على نحو أفضل، باعتبار الإنسان جزء من بيئته، لأنها  ببساطة  المحيط الذي يعيش فيه ويؤمن مصادر عيشه وبقائه واستمراره، وتلويثها أخطر ما يهدد هذه الحياة ويحول دون قدرة البيئة على استمرار العطاء والتجدد للوفاء بمطالب الإنسان إن هذه الحقائق تضعنا أمام أهمية إعادة التوازن البيئي بالبدء عمليا بنشر الثقافة الإيكولوجية وتعميق الوعي الجمعي المجتمعي بأهميتها، لاكتساب آليات الدفاع المدني لمواجهة قضايا البيئة وحل مشكلاتها، و وضع آليات تحقيق الأهداف البيئية  التي تستدعي بالضرورة  قيام الحكومات بإعداد السياسات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، وبالتعاون البيئي على كل الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية مع الأخذ بحقيقة مفادها أن هناك علاقة تأثير و تأثر جدلية بين البيئة و ما هو اقتصادي و سياسي و اجتماعي، لأن المخاطر البيئية تعني تهديد الأمن البشري، و تهديد الأمن البشري يعني (الأمن الاقتصادي – الاجتماعي– الغذائي – الصحي – الشخصي – وأمن المجتمع)، وكل واحد من هذه الأبعاد يتوقف على الآخر بشكل مترابط .. فمثلاَ تهديد الأمن الاقتصادي و السياسي يعني تهديد الأمن البيئي، وصولا إلى المدخل الثقافي التربوي الذي نعتبره أحد روافد  الحل، بالنهل من مقوماته، و بوضع أسس لمجال التنشيط الإيكولوجي  كوعاء تجميع واستثمار للبيداغوجيات الحديثة في علوم التربية وعلوم البيئة بصفة عامة،  وعلم النفس البيئي وعلم النفس النمو وعلم الاجتماع بصفة خاصة، نظرا للتعقيد الذي يطبع المشكلات البيئية، مما يتطلب مواجهتها بتضافر مختلف مجالات المعرفة الهادفة إلى تأطير الأطفال والشباب في حقل حماية البيئة، كما أن بناء الأسس لمقاربة التنشيط الإيكولوجي يرتكز على الاستفادة من تراكم الحاصل في مجال التنشيط السوسيو ثقافي، واكتساب هذه المقاربة الشرعية العلمية التي ترتقي بها لخدمة عملية غرس قيم الثقافة البيئية من خلال إجابة نظرية تطبيقية لإشكالية رهانات البحث عن الوسائل الكفيلة بحماية هذا الكوكب الأزرق  من منطلق تربوي .. كما تقدم هذه المقاربة مدخلا لبعض الطرائق المنهجية لجعل المادة التنشيطية الإيكولوجية وفق  مختلف الوضعيات الممكنة للأفراد والجماعات في متناولهم وفي متناول  الطفل خاصة، من خلال هذه المادة التربوية الإيكولوجية ككائن حي يتطور و ينمو  مع الزمن بيولوجيا و نفسيا و اجتماعيا، ويحتاج إلى الرعاية و يدرك ويستوعب تدريجيا ما يقدم إليه ويجب التعامل معه على هذا الأساس و في إطار علاقته بالبيئة، استثمارا للموارد التنشيطية المتنوعة بإعادة تشكيلها خدمة لأهداف مقاربة التنشيط الإيكولوجي، وبتوظيف آليات و تقنيات التواصل في  مراحل إنجاز العملية التنشيطية الإيكولوجية  الهادفة إلى  تنمية الوعي البيئي والمشكلات المتعلقة بحماية البيئة وتمكين الأطفال  من المعرفة والمهارات والاتجاهات الإيكولوجية، وهو ما يساعد على توفير الشروط لإعداد أجيال إيكولوجية تتحمل المسؤولية الفردية والجماعية تجاه حل المشكلات البيئية المعاصرة، والعمل على منع ظهور مشكلات بيئية جديدة و مستقبلية

*باحث و متخصص في مجال الشباب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق