
التقرير الإحصائي لا يكذب وإقليم اليوسفية حقا ينزف في صمت
ذ. يوسف الإدريـــــسي
سبق أن التزمت إعلاميا أمام قرائي الأعزاء، سواء داخل إقليم اليوسفية أو خارجه، بنشر سلسلة من المقالات التي تسبر أغوار الواقع الاجتماعي والبنيوي والتنموي بالإقليم، انطلاقا من وثيقة رسمية مستندة إلى التقرير الإحصائي الأخير حول إقليم اليوسفية، وهي وثيقة لم يكن الحصول عليها بالأمر اليسير
تناولت في المقال الأول جزءا من هذه الوثيقة، بمناسبة الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH)، حيث تطرقت إلى حصيلة مشاريع لم ترق، في نظر فئات واسعة من ساكنة الإقليم، إلى مستوى التطلعات، ثم أتبعت ذلك بمقال ثان مدعم بأرقام ومؤشرات قاسية، وجهت فيه رسالتي إلى من يبدون حبهم ومشاعرهم لعامل الإقليم الجديد، داعيا إياهم إلى المصارحة وقول الحقيقة كاملة لهذا المسؤول الترابي، لأن تزييف الواقع أو تلميعه لا يخدم الصالح العام في شيء
وفي هذا المقال، سأواصل بإذن الله الاشتغال على الوثيقة الإحصائية نفسها .. ولكن، من زاوية أخرى، حيث سأتناول مؤشر الهشاشة والفقر المتعدد الأبعاد بإقليم اليوسفية، مع الإشارة طبعا إلى أنني أكتب ذلك انطلاقا من قناعة راسخة كون النقاش الإعلامي الجاد والمسؤول يشكل نقطة انطلاق نحو بناء وعي جماعي يفضي، عاجلا أم آجلا، إلى رقي وتنمية مجالية منشودة
هكذا، فإن إقليم اليوسفية يعيش منذ سنوات على إيقاع فقر صامت، لا يعلو صوته إلا في تقارير إحصاء المندوبية السامية للتخطيط، أو في احتجاجات يائسة سرعان ما تخفت دون أثر .. وقد بلغ مؤشر الفقر متعدد الأبعاد 4.54%، بينما نسبة الفقر وصلت إلى 11.9%، ثم نسبة الهشاشة بلغت هي الأخرى 15.8% وفق بيانات التقرير الإحصائي
الأكيد، أن هذه ليست مجرد أرقام، بل إنها وجوه وأسر وأطفال وشباب يتنقلون يوميا بين قسوة العيش وانسداد في الأفق
غير أن الأخطر من كل ذلك، أن التعليم يساهم بحوالي 49.7% من هذا الفقر .. تخيلوا معي، إقليما تعتبر المدرسة فيه عامل فقر لا عامل وعي وتحرر .. والمحصلة؛ مدارس تفتقر إلى الجودة، أقسام مكتظة، نقل مدرسي شبه غائب، وهدر يتسلل في صمت إلى مستقبل الأجيال .. فكيف يمكن إذن أن ينمو مجتمع أفرغ من فرصة التعلم أو حق التعليم وهو التعبير الأصح ..؟ !
أما الصحة، فتلك حكاية أخرى يقول فيها التقرير مفككا مؤشرها بمصدر حرمان يفوق 26.4 %، وهو ما يشير إلى أن سكان إقليم اليوسفية يعيشون معاناة يومية في الوصول إلى طبيب أو دواء أو مرفق صحي، وفي غالب الأحيان تكون الوجهة المعتادة للعلاج هي مدينة مراكش، وكأن ملائكة الرحمة والشفاء لا تحلق فوق سماء إقليم اليوسفية
وحينما ننظر إلى ظروف العيش من معيار الفقر والهشاشة المتعددة الأبعاد، نجد نسبة حرمان تبلغ 23.9%، كما نجد واقعا من الجروح اليومية في أجساد ساكنة سئمت الانتظار
بمعنى آخر، أن ما كشفت عنه هذه المؤشرات الإحصائية الرسمية هو أزمة عميقة في الرؤية والسياسات، ليس لأن مؤسسات الدولة المعينة والمنتخبة غائبة، بل لأن الحضور غالبا ما يكون شكليا، أو غير قادر على لمس عمق الأزمة .. وهنا بالضبط يكمن الخلل