أخبارمجتمع

من سفينة نوح إلى قنطرة وادي القصبة، تعددت التحديات و العزم واحد ..!

SAFINA A

*عبداللـه عزوزي

حُبّاً في فك أغلال العزلة و تحرير الرهائن الذين تلقي عليهم القبض أيام و ليالي فصل الشتاء الطويلة، تولدت لدى أهالي جماعة فناسة باب الحيط فكرة تحدي نهر موسوم بوادي القصبة، وادٍ طالما وقف سداً، منيعاً أمام أمانيهم التي لا تتحقق إلا في الضفة الأخرى من النهر. فبنفس الطريقة التي فكر فيها النبي نوح عليه السلام في صنع سفينة، ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾، من أجل تحدي الطوفان، فكر المواطنون الواقفون بباب الحيط في بناء جسر، “ذي قَنَواتٍ و صَخْرٍ و إسْمَنْتٍ” ، من أجلي تخطي فيضانات وادي القصبة و بالتالي التمكن من ربط جسور التواصل مع أسباب الحياة و الاستمرارية.
رُواد الفايسبوك الذين واكبوا صناعة الجسر من عين المكان، وصفوا الحدث في كل تدويناتهم بكونهم بصدد المشاركة في “بناء قنطرة”، لكن في حقيقة الأمر إنما كانوا يشاركون في بناء “جِسْرٍ” سيضمن لهم البقاء على اتَّماس بخيط الحياة؛ أما “القنطرة” فغالبا ما ينخرط في بنائها الذين يودون ركوبها و الذهاب بعيداً دون التفكير في العودة أو في إلقاء التفاتة إلى الوراء.
فكرة بناء أول جسر بسواعد الأهالي و بآليات شبه بدائية، في إقليم ينحدر منه العديد من وزراء الحكومات المغربية، كان أول من استقبلها هم الساخرون و المستهزؤون، فتماما كما في المشهد الذي قابل به خصوم نوح مشروعه القائم على بناء السفينة والذي وثقه القرآن الكريم بهذه الآية الكريمة ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ . غير أن صدق و عزم بعض المواطنين، فضلا عن حسهم القيادي الداخلي، جعلهم ينجحون في الرد على المستهزئين من خلال شحذ همم إخوانهم المواطنين و جمع كلمتهم على هدف واحد، كان عنوانه ” الجسر، ثم الجسر، ولا شيء غير الجسر”.
و أَصدقُ الرجال في ملحمة بناء جسر وادي القصبة هم أولئك الذين أمسكوا بمعاول البناء، وعجن الإسمنت المسلح، ونسج الشبابيك الحديدية، و إمداد العمال و المتهاونين بكؤوس الشاي و زيت الزيتون. لكن تضحية هؤلاء ما كانت لتكون لولا الرجلين الفاضلين اللذين ساهما كل واحدٍ منهما بمبلغ عشرون ألف من أصل 30.000 ألف درهم التي كلفها المشروع.
فأصل المشاريع الكبرى التي غيرت مجرى حياة الكثير من الناس تبدأ بأفكار بسيطة تكون بمثابة “وحيٍ” رباني يقذفه الله في قلوب التواقين للإصلاح و الإحسان؛ أفكار غالبا ما يسخر منها البعض، و يقتلها الآخرون في مهدها إما بسبب ضعف ووهن عزائمهم، و إما بمبرر الحسد و المكائد. و جسر وادي القصبة، قبل أن يكون منشأة فنية، غابت فيها وزارة التجهيز و مندوبيتها الإقليمية، هو في الحقيقة لوحة سياسية اجتمعت فيها لمساتُ جميعِ المدارسِ الفَنية، من المدرسة الواقعية إلى المدرسة المستقبلية، مروراً بالمدرسة السِّيرْيالية؛ تحضر فيها المشاركة السياسية و تغيب فيها الوعود الانتخابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق