أخبارملفات و قضايا

هل من التفاتة لاحتضان فئة المشردين خلال هذه الأيام والليالي الباردة ..؟

السؤال "هل من التفاتة لاحتضان فئة المشردين في أماكن تحميهم وتصون كرامتهم وإنسانيتهم خلال هذه الأيام والليالي الباردة ..؟" ليس سؤالا موجها فقط إلى الحكومات أو المجالس المنتخبة، بل إلينا جميعا

 

مع أولى نسمات البرد القارس، تتبدل ملامح المدينة .. معاطف ثقيلة .. أقدام تسرع الخطى .. نوافذ تغلق باكرا، وبيوت تزداد دفئا .. لكن، في الزوايا المعتمة، وتحت الجسور، وعلى عتبات المتاجر المغلقة، هناك من لا يجد سوى إسفلت بارد وغطاء مهترئ يواجه به موجات الصقيع .. إنهم المشردون؛ تلك الفئة المنسية التي لا يظهر حضورها في النقاش العمومي إلا مع الكوارث أو وجع الصور الفاضحة لواقعهم

في مثل هذه الأيام والليالي الباردة، يصبح السؤال أكثر إلحاحا: هل هناك التفاتة حقيقية لاحتضان هؤلاء المشردين في أماكن تحميهم، وتصون كرامتهم، وتحفظ ما تبقى من إنسانيتهم بعيدا عن منطق المنة والشفقة العابرة ..؟

الجميع يعلم أنه لا يمكن اختزال التشرد في كونه قدرا فرديا أو نتيجة اختيارات شخصية خاطئة، غالبا ما يكون ثمرة تراكم اختلالات اجتماعية واقتصادية ونفسية .. فقر مدقع .. تفكك أسري .. إدمان .. أمراض عقلية غير معالجة .. بطالة طويلة الأمد، وعنف بشتى أنواعه

 عندما تلتقي هذه العوامل في غياب سياسة اجتماعية استباقية وفعالة، تكون النتيجة طبيعية .. شارع يتحول إلى “بيت” قاس .. مدينة لا تعترف بكل أبنائها .. وجود أشخاص ينامون على الأرصفة تحت درجات حرارة تقترب من الصفر، هذا ليس مجرد مشهد حزين، بل مرآة تعكس فشلنا الجماعي -دولة، ومجتمعا، ومؤسسات، ونخبة فكرية وإعلامية-

المجتمع الذي يقبل -بصمت- أن يتحول بعض أفراده إلى “أجساد زائدة” على الهامش، يتخلى تدريجيا عن جزء من إنسانيته، لأن كل موجة برد قارس ليست مجرد ظاهرة مناخية عابرة، بل اختبار أخلاقي لمدى قدرتنا على حماية الأضعف بيننا نحن الذين نتأهب بتغيير ملابسنا أو زيادة استهلاكنا للتدفئة، هناك من لا يملك ترف الاختيار، ولا حتى بابا يغلقه ..

 في هذا الامتحان الأخلاقي، لا يكفي تبادل عبارات الشفقة أو صور مؤثرة على شبكات التواصل .. المطلوب فعل مؤسسي منظم، يقوده منطق الحقوق لا الإحسان الظرفي، لأن النقاش الحقيقي ليس هل نعطيهم غطاء ووجبة ساخنة ..؟

هل نعتبر لهم حقا أصيلا في المأوى والحماية والكرامة ..؟

للإشارة، لا يمكن إنكار وجود مبادرات محمودة تقوم بها جمعيات ومبادرات شبابية وفردية، خاصة خلال موجات البرد كتوزيع بطانيات وملابس دافئة .. تقديم وجبات ساخنة .. محاولات إيواء مؤقت، غير أن هذه المبادرات تظل محدودة، محكومة بسقف الإمكانيات وغياب التنسيق الشامل، وغالبا ما تكون موسمية تتحرك فقط مع الصقيع وتخبو مع تحسن الجو

الدساتير والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان تؤكد على كرامة الإنسان وحقه في العيش الآمن .. لكن، هذه المبادئ تبقى حبيسة النصوص إذا لم تترجم إلى برامج عملية .. الحق في المأوى ليس ترفا أو امتيازا أو جميلا، بل جزء لا يتجزأ من الحق في الكرامة والحياة

المشردون ليسوا “فئة زائدة”، بل مواطنون فقدوا الحماية ويحتفظون -ولو بصمت- بحقوق كاملة يجب استعادتها كحقهم في السكن الملائم أو مراكز إيواء لائقة .. الرعاية الصحية (خاصة للأمراض المزمنة والاضطرابات النفسية) .. الحماية من العنف والاستغلال، وبرامج إدماج مهني واجتماعي تعيدهم إلى البداية

خلاصة القول، كيف نقبل أن ننام في دفء بيوتنا، ونحن نعلم أن في نفس المدينة من يتقاسم العراء مع الريح والمطر والصقيع ..؟

نعم، قد لا يستطيع الفرد بمفرده تغيير السياسات .. لكنه، يستطيع تغيير زاوية النظر، أن يرى في المتشرد إنسانا كاملا في حقوقه، لا “حالة” هامشية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق