منبر حر

المشروع النهضوي الوطني و المآسي المرتبطة بمنح التعليم العالي في المغرب ..!

ABDELLAH AZZOUZI

*عبد الله عزوزي

نعم تكاد أساليب حياتنا اليومية كمغاربة تشبه أسلوب حياة الغربيين في كثير من المجالات وعلى عدة مستويات … تَكلُفة التقليد في تلك المجالات أو المستويات غالباً ما تكون رخيصة ماديّاً، لكنها مكلفةٌ معنوياً، كمسألة التقليد في الحقل الثقافي و الاحتفالي ( اللغة، الأعراس، أعياد الميلاد، رأس السنة، السياحة، المراكز التجارية، المعارض …)، لكن في الأمور الجادة و العميقة تجدنا متخلفين عنهم، إن لم نقل غائبين بالكامل.
أحد المبادرات التي تشكل قناعات راسخة في النظام الفكري و الثقافي الغربي والتي نجدها مُغيَّبة في ثقافتنا و تاريخنا المغربي هي المبادرات المتعلقة بمنظومة المنح المقدمة للطلبة . الطلبة المغاربة الذين لهم تجاربٌ مع الجامعات الغربية يدركون غنى قاعدة المعطيات المتعلقة بالمنح، و التدريبات المدفوعة الأجر، التي تقدمها تلك الجامعات لطلبتها من مختلف أنحاء العالم، شرطها الوحيد في ذلك مَلَكاتُ الإبداع وحس القيادة وطابع التميز لدى من يرغبون في التتويج بتلك المنح.
هناك منح باسم قادة تاريخيين، وعسكريين، وعلماء وأساتذة وعمداء الجامعات، أو باسم جمعيات مدنية أو وداديات خيرية؛ فضلا عن منح تقدمها مؤسسات الدولة من وزارات وسفارات وأبناك وشركات، وكذا منظماتٍ غيرُ حكومية …
نجد من الجامعات الأمريكية و الأوروبية الخاصة، حتى، من تخصص قسطاً معتبراً من أرباحها التي تجنيها من رسوم التسجيل لتقدمه في شكل منح استحقاق للملتحقين الدوليين الجدد الذين ترى فيهم قدرتَهم على العطاء و التميز الذي يمكنه أن يرفع من سمعة الجامعة، في ظل تنافسية عالمية شديدة بين مراكز التنوير و البحث العلمي. تفعل تلك الجامعات هذا الأمر في الوقت الذي يكون المستفيد أجنبياًّ وليس مساهما في اقتصاد البَلَدِ المُستَضيف و لا دافعاً للضرائب لفائدة خزينته ..!
في المغرب لا يوجد شيء من هذا القبيل؛ باستثناء مبادرة محتشمة بدأت قبل سنوات مع مؤسسة محمد السادس للتربية و التكوين و التي تبقى مبادرةً محدودةً و مُقتصِرةً على أبناء رجال و نساء التعليم، علماً أن النبوغ والتميز ليس حكراً على أبناء هؤلاء. بالمقابل نجد أن جل السفارات المعتمدة بالمملكة المغربية تقدم رُزْمَةً من المنح السخية لفائدة الطلبة المغاربة المتفوقين؛ منحٌ غالباً ما تصنع الفارق، و تجعل من ذلك الطالب الفقير المنحدر من جبال الريف أو الأطلس أو الريصاني الذي عاش يدرس مفترشاً الحسير و منيراً بيته بالشمع أو المصباح التقليدي، يتحول إلى نابغة عالمي قادرٍ على نيل أعلى الجوائز والأوسمة في تنافس دولي محموم. ولنا في الخمار المرابط و رشيد اليزمي، المنحدرين من إقليم تاونات، على سبيل المثال لا الحصر، خير مثال.
الدولة إذن محاطة بتلك السفارات، وهي على علم بما تقدمه لمواطنيها، في حين لا فكرة لديها أو مخطط يروم تقليد الغرب في هذا الباب الذي يعتبر دعامة أساسية من دعامات رفع الاقتصاد الوطني وتقوية الديبلوماسية المغربية والحفاظ على الوحدة الوطنية وخدمة الثقافة المغربية وصيانة ذاكرتها. حري بالدولة أن تضع برنامجاً للمنح المقدمة للباحثين و الدارسين بسلكي الماجستير و الدكتوراه بشراكة مع الأبناك الوطنية كالبنك الشعبي والبنك المغربي للتجارة الخارجية .. والمكاتب الوطنية كالمكتب الشريف للفوسفاط، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، والفاعلين في مجال الاتصالات، كاتصالات المغرب و ميديتيل، فضلا عن الشركات التي تحقق أرباحاً سنوية بملايير الدراهم. و يمكن لتلك المنح أن تكون مُقيدة بدفتر تحملات يضمن حقوق الجهة المانحة و المستفيد معاً؛ كما يمكنها أن تحمل أسماءً رمزية لأسلافنا الذين لن نعمر طويلا قبل اللحاق بهم، كإدريس الأول، فاطمة الفهرية و يوسف بن تاشفين و مولاي إسماعيل .. أو إبن بطوطة .. أو عابد الجابري ، ولما لا جائزة المرحومين عبد الله باها و أحمد الزايدي ..؟

*عضو الأمانة الإقليمية  للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة – تاونات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق