غير مصنفنافذة على الثقافة و الفن

وقفة مع النسخة الجديدة من البرنامج الكوميدي “رشيد شو” ..! ‎

12199

فريدة المويسي

يلاحظ المتتبع للبرامج التلفزيونية المغربية في الآونة الأخيرة، حدوث طفرة نوعية طفيفة من ناحية الشكل و تراجع كبير على مستوى المضمون .. فإذا أخدنا على سبيل المثال لا الحصر، النسخة الجديدة للبرنامج الكوميدي “رشيد شو”، وقمنا بتحليلها على بعض المستويات وليس جلها، مثلا من حيث سيميائية اللغة المستعملة استعمال مصطلحات شعوبية .. الإدارة والتدبير إلى العيطة والبندير، شعر حرش .. الشيخة، استعمال نهج لغوي يكرس التفاوت الطبقي في الحديث عن موضوع التعليم، استعمال مصطلحات غير بريئة في المقارنة بين الضيفين، من حيث شكلهما المورفولوجي تكرس نوع من العنف اللفظي والسخرية السوداء.

كما أن استقبال ضيفين من طبقتين اجتماعيتين مختلفتين لم يكن عفويا .. الكوميدي باسو، ينتمي إلى المغرب غير النافع (زاكورة .. واختياره دراسة اللغة الانجليزية للاشتغال كمرشد سياحي. … ) وإلى طبقة اجتماعية هشة وبسيطة في العالم القروي، بينما (الموسيقى) ملين ينتمي إلى طبقة راقية من المغرب النافع (الرباط .. ودراسته الإدارة والتدبير على الطابع الفرنكفوني ) وينتمي إلى العالم الحضري الرباط، وتتم المقارنة بين الضيفين بطريقة تكرس التفرقة، الميز العنصري على أساس الجنس، اللون والمرتبة الاجتماعية.

ومن ناحية اللغة التراثية لمسنا نوعا من الاستهزاء بالتراث والذاكرة الشعبية، مثلا الاستهزاء من مصطلع “البندير” والذي له دلالات رمزية وتاريخية في الحضارة المغربية العربية والامازيغية … الخ، وخصوصا، في مرحلة مقاومة الاستعمار.

أما ناحية تقسيم الديكور، فنجد أن ديكور مسرح البرنامج وشكله الدائري عبارة عن مكان للمحاكمة، وجود مكتب كبير “للإعلامي” ذو حجم كبير في مقابل كرسيي الضيفين من الحجم الصغير، كرسي الاعتراف، مسابقة الأغاني الموسيقية ووقوف الضيفين كأنهما في محاكمة أمام القاضي .. ألوان حمراء توحي بالدم، حتى طريقة انتهاء البرنامج ترمز أن المنشط للبرنامج لبس ثوب المدعي العام ليقوم باستنطاق الضيفين ومحاكمتهما علنا باسم الشعب (الجمهور ) عن مسارهما، ترصد أخطائهما، وتمييع صورهما عن طريق دفعهما إلى الرقص البوهيمي، في سناريو يوحي بالإعلان عن العودة إلى سنوات الرصاص عبر طقوس كرنفالية.

إن تمويل هذه البرامج من مال الشعب يعتبر جريمة كبرى .. خصوصا، لتدجين الشعب (دون مراعاة حقوق المستهلك ) وبرمجته بطريقة غير بريئة بلغة كوميدية ساخرة واستغلال ربما سذاجة “الإعلامي” المنشط واستعماله بطريقة ماكرة لتكريس البرامج التلفزيونية للمحاكمات العلنية التي تعود لسنوات خلت.

إن الإخلال الواضح بدور الإعلام يبدو جليا من خلال برنامج “رشيد شو” في إبراز دور الفنون الإنسانية ومدى أهميتها في تكريس قيم المواطنة والسلم الاجتماعي على أساس التسامح وتقبل الأخر، عوض نشر ثقافة الفوارق الطبقية وتفشي الفوضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق