أخبارالدين و الناس

مصطلح الردة

LAFDALI

      عبد الصمد لفضالي

بعد إثارة الجدل سنة 2012، بإصدار المجلس العلمي المغربي لفتوى تتعلق بقتل المرتد، عاد هذا المجلس العلمي هذه السنة بفتوى جديدة تساير الآراء المناهضة لقتل “المرتد “، فكما نرى، فالموضوع لا يحتاج إلى قراءات أو اجتهادات تساير التغيرات التي تعرفها المجتمعات الإسلامية كما يزعم بعض المفكرين و المختصين، و لكن بكل بساطة لم يرد في القرآن الكريم أي حكم يأمر بقتل المرتد، فقوله تعالى ” ومن يرتد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون “، فهذه الآية القرآنية لا تتضمن أي عقاب دنيوي، و تدخل في سياق الإيمان و الكفر الذي يرجع الحكم فيه إلى الله وحده سبحانه و تعالى، عكس حكم المعاملات التي كلف بها القائمون على العدل من البشر، و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، فالنص القرآني لا يقبل الأمر و نقيضه كما يدعي المتحاملون على الإسلام.

إن قضية الردة بدأت سياسية بالمعنى العام للسياسة التي سعت آنذاك لتفريق الجماعة و إفساد مفهوم الدين، ثم أضحت تتأرجح بين ما هو سياسي و ما يعتقد أنه ديني، فقد اقترنت هذه الردة بحروب وقعت في حقبة معينة من التاريخ الإسلامي، حقبة تولي أبي بكر الصديق أول خلافة إسلامية، حيث كانت هذه الحقبة حاسمة بالنسبة للخلافة الإسلامية الفتية فقد واجهت هذه الخلافة أول مؤامرة تهدف إلى تحطيم الجبهة الداخلية للمسلمين، و زعزعة ثقتهم بدينهم الذي هو الأصل في وحدتهم و قوتهم، و هكذا تكالب على الدعوة الجديدة ما اصطلح عليه ب ” المرتدين ” الذين يتكونون من المنافقين الذين أعلنوا إسلامهم نفاقا من أجل حماية مصالحهم و قوافلهم التجارية، و الذين يدينون بغير الإسلام، بالإضافة إلى أولائك الذين لم يستسيغوا مساواتهم مع العبيد و العوام الذين لم يكونوا في مستوى درجاتهم الاجتماعية قبل الإسلام، و كذلك من“المسلمين” الذين اعتبروا أن الزكاة فرضت عليهم كرها.

و هكذا واجهت الدولة الإسلامية هذا التمرد بكل حزم و قوة في إطار ما اصطلح عليه بحروب ” الردة “، في حين كان يعيش داخل مختلف شرائح المجتمع الإسلامي و منذ بداية الدعوة أناس معروفون بتخليهم عن الإسلام دون إكراههم أو مضايقتهم ما داموا لا يحاربون علنا المجتمع الإسلامي، فحكم الردة في تلك الحقبة الحاسمة من التاريخ الإسلامي لا يسري على ما يحمله الشخص من عقيدة و أفكار، و لكن يسري على ما يصدر عنه من أفعال، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، فحكم الكفر و الإيمان مرده إلى الله سبحانه و تعالى، و القرآن الكريم لا يحتوي على حد للردة كعقوبة دنيوية، و لم يشر إلى ضرورة إكراه ” المرتد ” على العودة إلى الإسلام، فمن يعتبره بعض العلماء مرتدا، فإنما هو في الحقيقة لم يستوعب الإسلام و إلا لما ارتد عنه، و عوض أن يهدر المسؤولون عن الشأن الديني في المجتمعات الإسلامية وقتهم و إمكانياتهم في الجبر و الإكراه، يتوجب عليهم توظيف وقتهم و إمكانياتهم في التقرب من المجتمعات التي تعرف فراغا دينيا، كالمجتمعات الأسيوية القوية بتقدمها الصناعي و الاقتصادي من أجل تعريفها بالإسلام السمح بالحوار و الإقناع في إطار مبدأ الدين المعاملات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق