أخبارمتفرقات

نبذة عن حياة المرحوم الدكتور عبد الكبير بن العربي بن هاشم العلوي المدغري

مدغري

*الدكتور ادريس البوخاري

لقــد تلقــــيت صبيحــة يـــوم الســبـت نبـــأ وفـــاة فضـــيلة العلامـــة الأستـــاذ المحــترم الدكتـــور عبد الكبيـــر العلـــوي المدغـــري يــــوم 19 غشت 2017 بأسف كبـــير وحزن عميق لعدة أسبـــاب منها، أهمها هي شخصيته المتمــيزة وإخلاصـــه لدينه ووطنه، ووفائه لشعبه وملكه باسم الله والحمد لله، قال الله تعالى:( لكل أجـل كتاب ) وقال سبحانه : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) سورة الفجر الآيات 27-28-29-30 .

الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري

هو عبد الكبير العلوي بن العربي بن هاشم العلوي المدغري (1942 م- 1368هـ/ ت:2017 م– 1438 هـ) هو من الشخصيات المغربية الإسلامية في الغرب الإسلامي المتبحرة في العلوم الإسلامية والفقه والحديث النبوي الشريف والقانون الوضعي .

ولد الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري بمدينة مكناس بالدار الكبيرة بالمدينة العتيقة لمكناسة الزيتون سنة 1942، ودرس بها وفاس والرباط وغيرها .
ففي مكناس درس على يد والده العالم الجليل مولاي العربي العلوي خريج القرويين، وعلى يد علماء وشيوخ كبار منهم من درس جلالة الملك الحسن الثاني على يديهم بلالا عودة وسيدي بابا وباب بغل بالباب الجديد والهديم وغيره من الأماكن والذي كانت فيه أكبر مدرسة مغربية اندثرت بعوامل شتى وأسباب مختلفة وأصبحت فندقا للبهائم وهي التي تخرج منها أكبر علماء مكناس ونسيت ولم يعاد تفكرها أو ترميمها .
وبعد حصوله على الباكالوريا التحق بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس حيث الآداب والعلوم الإنسانية ( الشريعة الإسلامية )، ثم درس العلوم القانونية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وله إجازتين في القانون الخاص والشريعة الإسلامية، ثم درس في دار الحديث الحسنية وتخرج منها بدبلوم الدراسات الإسلامية العليا تخصص علوم قرآنية وناقش الدكتوراه في تحقيق كتاب لأبي بكر بن العربي المعافري في موضوع :” الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ” تحت إشراف الدكتورة عائشة عبد الرحمن أو عائشة بنت الشاطئ المصرية الجليلة القدر، والتي أشرفت على بحث الدكتور محمد الرواندي شفاه الله وحفظه في أسرته والدكتور محمد يسف وهي صاحبة عدة مؤلفات، منها التفسير البياني للقرآن الكريم رحمها الله، كانت صاحبة ثقة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، حيث كان يخصص لها طائرة خاصة للتدريس بالمملكة المغربية.
فدرس على يد كبار العلماء أمثال الدكتور سيدي محمد فاروق النبهان أدام الله حفظه وعافاه والمغفور له الشيخ محمد المكي الناصري والمغفور له مولاي العربي العلوي والمغفور له محمد الأزرق والمغفور له مولاي المصطفى العلوي والمغفور له علال الفاسي والمرحوم الشيخ محمد البعاج والمرحوم الحاج محمد الصقلي وغيرهم، والمرحوم محمد بن الصديق الطنجي وكلهم كانوا أساتذتي إلا المرحوم علال الفاسي الذي عرفته في طفولتي، وكان من بين زملائه الذين لازموه في الدراسة بدار الحديث الحسنية، الدكتور الحسين التاويل والدكتور محمد الرواندي والدكتور السعيد بوركبة والدكتور علال الخياري الهاشمي والدكتور عبد السلام الإدغيري شفاه الله والدكتور محمد يسف حفظه الله والمرحوم الدكتور الحسين التاويل وأخوه سي محمد التاويل رحمه الله، والمرحوم الدكتور أحمد بوزيد وغيرهم من السادة العلماء الأفاضل أبناء المدرسة الحسنية والقرويين .
فتميزوا على الدوام باجتهاداتهم العلمية الراسخة ودفاعهم عن المملكة المغربية ودين المغاربة والمذهب المالكي الراسخ عبر الأزمان والأجيال، متكبدين الكثير من أجل المحافظة على الأصول والقواعد وأصول الدين وبناء هذا الوطن، بل كانوا يشكلون أهل التحقيق والتدقيق والحل والقوة الاقتراحية والفكر المستنير الذي لا ينضب وبإخلاصهم ووفائهم الدائمين لفقيه العلماء ومربي الأجيال جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه .
عرفته في أواخر السبعينيات وهو لا زال طالبا جامعيا في مدينة مكناس، وخصوصا في الدار الكبيرة بالروامزيل بالمدينة الإسماعيلية العتيقة، التي لا يمكن أن أمر إلى سيدي اعمر إلا وأعقب على الدار الكبيرة ثم المرور نحو ضريح المولاي إسماعيل الذي كنت أقضي فيه جل أوقاتي، ولما كنا نسكن بدرب بورحيل بسيدي اعمر بمكناس، وبعد ذلك انتقلنا إلى حي كارتي برادة قرب حي المرس بمكناس المطل على أكدال و القصبة والثكنة العسكرية السادسة ودرب بوعماير وحمرية .

عينه جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية في 11 أبريل 1985، فسعمت تعيينه على رأس وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بفرح وسرور كبير، وكان ذلك باقتراح من طرف المرحوم مولاي المصطفى العلوي الاسماعيلي المكناسي الرباطي .
والدكتور عبد الكبير بن العربي العلوي المدغري رحمه الله، هو أحد علماء المملكة المغربية الأفذاذ المتبحر في العلوم الإسلامية والحديث والفقه والقانون الوضعي، وصاحب الأخلاق الطيبة، صاحب الغيرة النادرة على العلماء والأصدقاء والعارف بأحوالهم والمدافع عن بعض هفواتهم وانزلاقاتهم في مهام الخطابة والإمامة والوعظ والإرشاد قيد حياته، ذكي ومتمكن وهو من رجالات القصر الملكي فقد اقترحه العاهل المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني نور الله ضريحه .
الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله، رجل متميز بدماثة أخلاقه وغيرة على زملائه، فلاحظت ذلك لما أصيب الأخ محمد الرواندي بحادثة سير مميتة، فلاحظت كم من مرة كان يزوره ولولا ملاحظاتنا وتدخلاتنا معا لكان الدكتور محمد الرواندي في عداد الموتى، وكذلك نفس الشيء مع الدكتور محمد يسف .
تخرج عبد الكبير بن العربي العلوي المدغري رحمه الله، من دار الحديث الحسنية وحصل على شهادة الدكتوره، نزيه محايد مدني بطبعه خدم الإسلام بالمملكة المغربية ودافع عنه بشجاعة، وتصدى لخصوم الثقافة الإسلامية، وصاحب حكمة وكلمة وعفة وشرف وهذا حقيقة ومن أصول علوية إسماعيلية مدغرية ومثقف كفئ وعالم من علماء خريجي دار الحديث الحسنية الأبرار، مقتدر ومحايد ومشارك، ورجل ثقة الملك الحسن الثاني، فسانده واستطاع أن يحقق الكثير من الانجازات لصالحه متغلبا على خصومه في الإدارة وإدخال الإصلاحات عليها وعلى الدروس الحسنية التي ساهم المرحوم الحسن الثاني بدرس قيم بها سنة 1965، ورابطة العلماء والمجالس العلمية وجميع الأنشطة الإسلامية بالمملكة المغربية والخارج، واهتم بدار الحديث الحسنية محافظا على حيادها عن القضايا السياسية وإدخال طلاب المعاهد العتيقة لجامعة الكراسي العلمية حتى تكون دار الحديث الحسنية كمدرسة تضاهي وتنافس الأزهر الشريف وغيره من المؤسسات العلمية الكبرى، ومنها غيرته على الإسلام الصوفي في إفريقيا جنوب الصحراء، وعلى المرأة المغربية، حيث تصدى لخطة إدماج المرأة التنمية وهي التي عرفت انحرافا في الطرح وفي بعض المعاني التي ما كانت أن تكون لأن الأسرة قضية دينية واجتماعية وسياسة من اختصاص أمير المؤمنين حامي الملة والدين وسيادة الأمة، وسبق لي أن ساعدته في بعض الاستشارات لما كنت مكلفا بالدراسات بوزارة حقوق الإنسان وأشتغل على موضوع خطة إدماج المرأة في التنمية من خلال أطروحة التصور الحكومي وأطروحة منافسيه وبعد ذلك خصومه ومسايرة النقاش العمومي في الموضوع .
-وأستاذنا الدكتور عبد الكبير بن العربي العلوي المدغري رحمه الله، كان أستاذا محاضرا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، وأستاذا بالمعهد المولوي بالرباط، وهو معهد تابع للقصر الملكي يدرس به الأمراء والأميرات، ومحاميا بارعا مدافعا عن الفقراء والمحتاجين كان مكتبه بجوار مكتب المحامي محمد اليازغي والمحامي إدريس لشكر بشارع فرنسا بأكدال .
-الدكتور عبد الكبير بالعربي بن هاشم العلوي المدغري رحمه الله، كان له دور كبير في إعداد صيغة البيعة التي تمت للملك محمد السادس حفظه الله، وهو من تلى خطاب البيعة إثر تولي الملك محمد السادس الحكم عقب وفاة والده الملك الحسن الثاني صيف عام 1999.
-شغل الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله، منصب مدير عام بيت مال القدس الشريف التابع للجنة القدس التي يترأسها الملك محمد السادس التابعة للمؤتمر الإسلامي .

-الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله له مواقف صلبة كلها خدمة للصالح العام والإسلام والعالم الإسلامي، فألف كتابا حول :” الحوار بين الأديان ” فكتبت عنه مقالا مهما في جريدة النضال الديمقراطي سنة 1996 وقلت أنه أفضل ما كتب .
-الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله كان صاحب الثقة الملكية من خلال حسن تدبيره للإدارة والوزارة والملفات وسداد أعماله وحسن نصائحه وقوة قراراته عند اتخاذ المواقف الصعبة بلغة الجد والحزم و الحوار المتبادل والتواصل المستمر والثابت مع المغاربة ومع بعض الدول الإسلامية الأعضاء في المؤتمر الإسلامي، حتى كاد أحد الشخصيات في عالم البحث العلمي لا داعي لذكر اسمه أن يفقد عقله، وعارض الدكتور ادريس بنصاري في ملف أقلقه .
-شغل الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله، عضوية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، وعضو آل البيت للفكر الإسلامي بالأردن، وعضوية رابطة علماء المغرب تحت الأمانة العامة للمرحوم الشيخ سيدي محمد المكي الناصري الذي لم يجد الله به إلا للمملكة المغربية سمعة وسلوكا وعلما وأثرا بالمغرب وخارجه، حيث أسس لدار المغرب بمصر العربية، وهو الذي كان رحمه الله يحترم الدكتور عبد الكبير بن العربي العلوي المدغري إلى حد التقديس والتعظيم وكأحد علماء المغرب وأحد شيوخه المميزين، وهو الذي قبل له يوما يده بمسرح محمد الخامس في إحدى لقاءات الصحوة الإسلامية .
-كان الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله، عضوا بلجنة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية بالمغرب يسمى بخطة إدماج المرأة في التنمية في حكومة عبد الرحمن اليوسفي منبها إياه إلى أخذ الحيطة والحذر و رأي العلماء بالاعتبار ورفع له تقريرا في الموضوع بناء على شكايات توصل بها من المجتمع المدني فقال له، قال شوفينمان بأن على الوزير إما أن يصمت أو يقدم استقالته، فأجابه : ” كن على يقين السيد اليوسفي أنني لن أصمت، ولن أقدم استقالتي لأن مدونة الأسرة هي شأن ديني يعود البت فيها لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله .

-أشرف الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله، على جامعة الصحوة الإسلامية التي أعطت إشارات كبيرة دونها في مؤلفات خاصة به، عنها وكان ذلك بضوء أخضر من المغفور له الملك الحسن الثاني الذي كان يريد إدماج جزء من الإسلاميين في المجال السياسي وتربيتهم، وكان من نتائجها أن منح للإسلاميين الكثير من الظهور ومن الإشعاع الدولي والجهوي، وعن الفكر المتطرف كان موجودا منذ مدة طويلة عندنا، ولكننا لم نكن نريد أن ننظر إلى الأمر نظرة صريحة وحتى قبل إقامة الجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية سنة 1990 وقت أن كانت الحركات الإسلامية تعمل في السرية والخفاء، وكانت تتهم بالعلاقة مع التنظيمات الأجنبية في مصر والجزائر، فقررنا اعتماد منهجية الجهر والتواصل والحوار وتقريب وجهات النظر ومد الجسور بدل الصمت، فاكتسب ثقة الإسلاميين فوجدوا أنفسهم في وسطهم الطبيعي ففهموا أن كل شيء تغير وأن أمامهم كل ما يربحونه من الشفافية والتخلي عن كل أشكال الانطواء والتعصب والعمل من داخل المؤسسات وبإدانة كل عنف وقطع العلاقات مع كل منظمة خارجية يكون الهدف منها طلب تمويلات أجنبية، واستقبلهم جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله بقصر الصخيرات .
شارك الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله، في حكومـــة عبد الرحمن اليوسفــي وظــل في منصبــه حتــى 7 نونبر 2002 لمــدة 19 سنة يدرس المزايا والمساوئ، ويصلح الإدارة، حيث كان مقتنعا رحمه الله بأن الحركة الإسلامية يجب أن تعامل على غرار جميع التنظيمات السياسية والأيديولوجية وبنفس الوسائل التي تتيحها لنا الديمقراطية كإمكانية التعبير والحرية وضرورة الرجوع

إلى رأي الشعب، بل أن العنف في حق الإسلاميين سوف لن يؤدي بنا إلى أي نتيجة، بل قد يسرع بلجوئهم إلى العمل السري داخل الكهوف مما سوف يجعل الأمن الاجتماعي في حالة سيئة ودافع عن الحوار مع الإسلاميين .
فألف عدة مؤلفات وكتب مهمة ، أبرزها :
-كتاب في موضوع : ” الناسخ والمنسوخ – دراسة وتحقيق لأبي بكر بن العربي المعافري ” .
-كتاب في موضوع : ” المرأة بين أحكام الفقه والدعوة إلى التغيير “.
-كتاب في موضوع : ” الفقيه أبو علي اليوسي نموذج من الفكر المغربي في فجر الدولة العلوية “.
كتاب في موضوع : ” ظل الله “.
-كتاب قيم في موضوع : ” الحوار بين الأديان ” .
-كتاب في موضوع : ” الحكومة الملتحية .. دراسة نقدية مستقبلية “.
-رواية في موضوع : ” ثورة زنّو “.
-رواية في موضوع : ” في مرآتنا علم آخر “.
وله أكثر من 25 محاضرة علمية مطبوعة من الدروس والدراسات التي افتتحت بها الدروس الحسنية الرمضانية، وبعضها مترجم للفرنسية والانجليزية، وقد جمعت في كتاب تحت عنوان :” إمتاع النفوس بفواتح الدروس ” .
*دكتور في العلوم الإسلامية والحديث والفقه والقانون الوضعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق