كلمة النقابة

هكذا هي النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة .. ! (1)

يظهر أن المتابع للشأن النقابي في المغرب، ولتجربة النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة بالذات، في قطاع الصحافة والإعلام، سيجد نفسه مضطرا إلى البحث في المنظومة القانونية، الموجهة لنشاطها الذي يعرف تطورا ملموسا في كل مظاهره، هذه المنظومة التي حرص الإعلاميون على صياغتها عبر كم من المناقشات العميقة والطويلة حتى تكون بديلا حكيما لما يتطلع إليه الإعلاميون .. وللتاريخ، فهذه المنظومة لم تولد من فراغ قانوني أو دستوري أو حقوقي، وبالنظر إليها يمكن تلمس الاجتهادات المتقدمة، التي صيغت بها حتى تستجيب لرهانات الإعلاميين النقابية والمهنية و الحقوقية، وحتى تكون هذه النقابة أيضا، تنظيما نقابيا مدنيا ملتزما وفاعلا نزيها، وديمقراطيا ومغايرا لما هي عليه النماذج النقابية الأخرى، التي لم تتمكن من التفاعل والتجاوب مع مجتمعها الضيق المرتبطة بالفاعلين الإعلاميين فقط، كما هو حال باقي النقابات الأخرى التي تعاني من التعارض والتناقض في أدائها النقابي، الذي لا يتجاوب مع قوانينها الأساسية، سواء النقابات المحسوبة على الأحزاب اليمينية، أو اليسارية أو أحزاب الإسلام السياسي، أو التي تحاول أن تكون مستقلة في اختياراتها، وباعتبار النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نقابة قطاعية إعلامية، فهي مفتوحة في وجه كل الممارسين للمهن الإعلامية في الصحافة المكتوبة .. المرئية .. المسموعة والالكترونية، وفي القطاعات المرتبطة بها، وعلى ضوء ذلك، فهي نقابة مركزية لجميع العاملين في هذه المهن الإعلامية، سواء كانوا في الإنتاج أو الإدارة، وتهتم بمصالحهم جميعا حتى تكون في خدمة الجميع، سواء في تأمين المصالح والحقوق، أو في تنظيم العلاقات، أو في مجال تأهيلهم المستمر للرفع من مستوى الإنتاجية والفعالية وأداء المهام في جميع قنوات الإعلام، إلى جانب تحصين هذه المهام من التجاوزات والأخطاء المضرة بمواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة الإعلامية، وصولا إلى أن يكون المنتوج الإعلامي محققا لأهدافه المجتمعية والوطنية والتنموية في نهاية المطاف.

إذن، النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، تريد للفاعلين في قطاع الإعلام أن يكونوا جزءا من القوة المجتمعية المنتجة والقادرة على بلورة مشروعها بمشاركة ومساهمة وإيمان المحسوبين عليها، من خلال وعيهم بما تهدف إليه النقابة لصالحهم، ولفائدة من سينخرطون في صفوفها مستقبلا، ككيان تنظيمي حي ومرن يشعرون فيه بكامل الأهلية في الرأي والنقد، والحق في التداول على المهام التي تقوم عليها الأجهزة التنظيمية الوطنية والجهوية والمحلية، لترجمة مضمون الفلسفة التي تتبناها، وكفضاء متعدد ومتفتح في وجه كل الإرادات الخيرة، التي تريد خدمة مجتمعها القطري والإنساني من خلال ما تسمح به المهن الإعلامية التي تؤطرها نقابيا، عبر البرامج والأنشطة التي تنظمها لصالح كل الشرائح الاجتماعية، التي تستفيد من وجودها، فبالأحرى ما يريده ويتطلع إليه الإعلاميون كأفراد وجماعات من منخرطيها، وليس مجرد أداة لمعالجة المشاكل التي يعيشها الأجراء في المقاولات، دون أن تتمكن من أن تجعل هذه المقاولات فضاءات للإبداع والتطور، وتوطيد العلاقات الإنسانية بين الأطراف المعنية بهذه المقاولات الإعلامية، ومن أن تكون في النهاية قادرة على تأهيل الإعلاميين لممارسة وظائفهم الإعلامية، سواء في الإخبار أو المساءلة أو التنوير.

ولعل من شاركوا في مناقشة مشروع النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، قبل تقديمه للمؤتمر التأسيسي في 29 يناير 1999، يدركون قيمة المداخلات والمقاربات التي أغنت المشروع لغة ومضمونا، والذي لايزال مطروحا للنقاش المفتوح في أفق اعتماده في المؤتمر الوطني الأول للنقابة، الذي سيعقد بعد انتهاء الخطوات التنظيمية، التي يتطلبها الوضع .. وبالتالي، فإن البديل النقابي الذي تطرحه النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، يمثل خطوة متقدمة في العمل النقابي، وتحولا جديدا سيعزز على الأرض بالتطبيق الملموس حقيقة شعارات المهنية والاستقلالية والمواطنة، التي يراهن عليها الإعلاميون في نشاطهم المهني، وفي المشروع النقابي، الذي يشتغلون على تكريسه، من خلال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي اختارت التفاعل الإيجابي والمنتج، مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي والمهني.

نستخلص من هذه القراءة في المشهد النقابي، الذي تتبناه النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، في قانونها الأساسي، وفي منهجية ممارستها، هو أن هذه النقابة تناضل بالفعل من أجل إعلام مهني ومواطن ومستقل، ولا يوجد في نموذج أدائها ما يشكل عرقلة في وجه جميع المبادرات الفردية والجماعية، التي يمكن أن تشكل قيمة مضافة جديدة للنهوض بها، وبالقوة المنتجة، المعبرة عنها في كل قنوات العمل الإعلامي، وتعتبر مشروعا في طور التكوين المستمر، تبعا لشروط الممارسة الإعلامية، التي تقتضي ذلك باستمرار، على غرار جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية، على أن طابع المنتوج الإعلامي الخدماتي يفرض على ممارسيه تحصين العلاقات الإنتاجية السائدة في المقاولات الإنتاجية، التي تقوم على خدمة القوة المهنية، لما تخططه الإدارة المالكة لهذه المقاولات، التي تؤدي أجور هذه القوة المنتجة مقابل الإنتاج، الذي يبني أرباح الرأسمال الموظف في هذه المقاولات، بينما أن القوة المنتجة الإعلامية تخضع في مهامها لمعايير وقوانين وقيم أخرى تتجاوز هذا المنظور الاقتصادي للعمل في المقاولة التقليدية، خاصة في المهن الإعلامية، المكتوبة والمسموعة والإلكترونية، التي يشتغل فيها الجميع، بعيدا عن ما يحكم عملية الإنتاج في القطاعات الإنتاجية والخدماتية والتدبيرية المختلفة عن ما يقوم عليها نشاط المقاولة الإعلامية، وهذا التميز للمقاولة الإعلامية، هو الذي يتحكم في خصوصية العمل النقابي، الذي يجب أن يسود فيه، والذي يختلف بالضرورة عن النموذج السائد في بقية المقاولات الأخرى، وبذلك تكون طبيعة العمل النقابي الذي تسعى النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة إلى تكريسه في هذا القطاع، هو العمل المحقق لمصالح وحقوق كل المحسوبين على هذا القطاع، سواء في إدارته أو إنتاجه أو تسويقه، دون تميز فئوي ضيق، ويمكن أن يؤدي إلى ترسيخ القيم المكرسة للإنسانية، وفي مثل هذا البديل النقابي الديمقراطي الحداثي، الذي يتطلع إلى أن يؤسس لتنظيم نقابي مدني يتجاوز الحضور النقابي التقليدي، كما يظهر في النشاط التنويري الإشعاعي، الذي يخدم وظيفة الإعلام كسلطة صحفية دستورية معبرة عن الرأي المواطن القادر على ممارسة وظائفه في الإخبار .. المساءلة والتنوير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق