أخبارالدين و الناس

مجادلة علمانيين تـــابع

بزاوي

الإسلام لايمتلك مقومات المرجعية السياسية للدولة 

د. الصديق بزاوي

إن إقرارنا بالحقائق السابقة لا يمنعنا من الاعتراف بكون البحث الإسلامي في المجال السياسي لا يزال ضعيفا جدا، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الراهنة والمستجدات المعاصرة، وهذا ما يدعو إلى مضاعفة الجهود من أجل إغناء البحث في هذا المجال وتحيين ما تراكم من الفقه عبر العصور .

أما فيما يخص مسألة مقاربة شعار (الإسلام هو الحل) مع شعار (الديمقراطية هي الحل)( 20 ) الذي يتبناه بعض الإسلاميين ويعتبره العلماني مجرد غوغاء كلامية، فإننا نعتقد بأنه في حاجة إلى مراجعة .. فالإسلام أعم وأشمل لمختلف جوانب الحياة، في حين أن الديمقراطية تتعلق بواحد من جوانبها فقط وهو الجانب السياسي، ولذلك فهي لا تشكل إلا جزءا من الكل، المتمثل في الإسلام، أو أداة من أدواته فقط .

إن قوة المرجعية الإسلامية وشموليتها تكمن في قدرتها على استيعاب، ليس فقط جميع أشكال الأنظمة السياسية الموصوفة بالديمقراطية من رئاسية وبرلمانية ومختلطة، وإنما أيضا كل ما يمكن أن يتوصل إليه الإنسان ويبتكره من أنظمة قد لا تتبادر إلى الذهن حاليا، وهذا هو الطابع التقدمي الحق للشريعة التي مع الأسف الشديد، يصفها بعض العلمانيين المتطرفين بالماضوية والرجعية والطوباوية، وإذا كنا نعترف بضعف البحث الفقهي في المجال السياسي، وخاصة ما يتعلق بآليات الحكم الديمقراطي، فهذا ليس انتقاصا من قيمة الشريعة الإسلامية بقدر ما هو إثراء لها .. فالقرآن الكريم وهو المرجع الأسمى للدساتير بالنسبة للمشروع الإسلامي، ينص على القواعد الأصولية والمبادئ الكلية ويترك، كما سبق أن أشرنا، أمر تدقيقها وتفصيلها واستنباط الأحكام الفرعية للاجتهاد البشري، فما أرحمك يا الله بعبادك منحت لهم المجال واسعا ليجتهدوا ويبدعوا في أمور دنياهم رحمة منك وليس تقصيرا فيصيبوا ويخطئوا .. فسبحان الله العليم الحكيم.

نعم، إننا نعيب على العلمانيين المسلمين الحكم المسبق بفشل مشروع سياسيي يحتكم إلى القرآن الكريم وإلى السنة النبوية، وبكونه لا يواكب العصر ويعوق التنمية، لا لشيء إلا لكونه يقحم الدين في السياسة وهو أمر ترفضه الدول المتحضرة، في حين لا يصدرون نفس الانتقادات لدول أخرى تدعو إلى التمسك بدياناتها وتفعيلها في مجالات سياسية معينة .. فإسرائيل تعلن أمام الملأ أنها دولة يهودية ولا تخجل من ذلك، بل تفتخر بتمسكها بعقيدتها وتعتبر ذلك أساس قوتها الحالية، كما صرح بذلك قاداتهم .. و الرئيس الأمريكي (بوش الابن) أقام دعايته الانتخابية على أساس معتقدات يدعي أنها تنبثق من الديانة المسيحية وهو يفتخر بذلك .. وهذا رئيس أساقفة (كا نتبري) دعا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية عن نفسه في بيان نشر في موقعه على شبكة الإنترنت، وقد أشارت تقارير صحافية إلى أن الدعوة تلك تنسجم بشكل منطقي مع الحملة التي شنتها الكنيسة الكاثوليكية في مواجهة العلمانية الأوروبية .. ورئيس الكنيسة الأ نكليكانية (روان ويليافر) .. يعتبر أن تبني بعض أوجه الشريعة الإسلامية في ابريطانيا أمر لا مفر منه، كما أنه صرح بأنه “يجب منح مسلمي ابريطانيا (1،7 مليون) الفرصة للتعامل مع المسائل الدينية، مثل الزواج والطلاق والقضايا المالية وفق مبادئ الشريعة الإسلامية من أجل الالتحام المجتمعي، وأنه لا يتعين إرغام المسلمين على الاختيارين : “الولاء الثقافي أو الولاء للدولة .” وإذا كان هذا الموقف يحدث في بلدان غير مسلمة ويصدر من طرف شخصيات غير إسلامية والتي تلح على ضرورة تطبيق الشريعة أو بعضا منها على المسلمين المتواجدين في تلك البلدان، فما عسى أن نقوله لعلمانيين مسلمين يدعون بكل وقاحة إلى الاجتهاد في النصوص الشرعية المتعلقة بالأحوال الشخصية، بغية جعلها تساير القوانين الوضعية المعمول بها في العالم كهدف مرحلي، في انتظار إخضاعها للقانون المدني كهدف استراتيجي .. وأوروبا العلمانية حتى النخاع، تعترف بمشروعية الأحزاب المسيحية، وأن هذه الأخيرة، كثيرا ما تفوز في الانتخابات وتمارس الحكم، ومع ذلك، لا أحد ينازع في تقدميتها وحداثتها، ولا أحد يتهمها باحتكار الدين واتخاذه مطية للوصول إلى الحكم، ولا أحد يشكك في كونها نموذجا للديمقراطية والحريات وحق الاختلاف، وما إلى ذلك من القيم التي ينبهر بها علمانيونا ويحتكرونها ويتهمون شعار (الإسلام هو الحل)، بكونه مجرد “غوغاء كلامية ” .. .إن هذا أمر خطير واستفزاز واضح لشعور المسلمين ورفض صارخ لحق الاختلاف، وإنكار صريح لقدرة الإسلام على تسيير الشأن العام وتنظيم المجتمعات، وإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والسياسية، زيادة على المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والروحية، خاصة أن الأنظمة شبه العلمانية في دول المسلمين فشلت في تحقيق هذا المطمح الجماهري الملح .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق