
الصحافة المغربية بين التراجع والتحديات .. استقلالية مهددة وتنظيم ذاتي غائب ..!

في زمن كان من المفترض أن تكون فيه الصحافة والإعلام منبر الحرية والصوت الصادق للشعب، نجد أنفسنا أمام واقع مؤلم يعكس حالة من الذل الإرادي تجثم على صدور أسرة الصحافة والإعلام في المغرب
هذا الذل يتجلى في المواقف، والتصريحات، والممارسات اليومية، ذل ينجم عن خيارات واعية أو شبه واعية بالتنازل عن الكرامة المهنية والأخلاقية لصالح مصالح شخصية أو جهوية أو سياسية .. وهنا يبرز السؤال: كيف وصلنا إلى هذه الحالة التي تقوض دور الصحافة الحقيقية في الدفاع عن الحق والشفافية ..؟ بالفعل، يرتبط الذل الإرادي في الإعلام المغربي بمجموعة عوامل متشابكة تجعله يبدو خيارا مغريا أو مكرها مفروضا
يفسر هذا، أن غالبية الصحافيين والإعلاميين يعتمدون على تمويل مؤسساتهم من جهات ذات توجهات سياسية أو اقتصادية تتحكم في الخطوط التحريرية، فتفقد الصحافة استقلاليتها ..علاوة على ذلك، هناك الترهيب والسياسات القانونية المقيدة، حيث تعيش الصحافة تحت تهديد قوانين الغرامات والمتابعات القضائية، ما يفرض رقابة ذاتية خوفا من العقوبات، كما أن ضعف التنظيم المهني والنقابي يشكل حاجزا كبيرا أمام مقاومة تلك الضغوط، إذ يفتقر الإعلاميون إلى دعم جماعي حقيقي يرفع من مناعتهم المهنية
لذا، لا يمكن تجاهل مظاهر الذل الإرادي في الواقع الإعلامي المغربي، حيث تظهر الاحتجاجات محصورة، وتسيطر عدة ممارسات متسامحة مع التنازلات، ويصبح الإعلام ناقلا لأخبار ومعلومات موجهة دون تحقيق أو نقد حقيقي .. وهذا يجعل المتابع يشهد تراجعا في المصداقية المهنية، إذ يتم التغاضي عن الحقائق أو تحريفها لصالح جهات نافذة، مع حظر تناول مواضيع حساسة أو تنتقد المصالح السياسية والاقتصادية، مما يرسخ الخطوط الحمراء كعائق مستمر
بالفعل، يدفع الذل الإرادي بعض الصحافيين والإعلاميين إلى التماهي مع سياسات رسمية أو مصالح اقتصادية، متناسين دورهم كسلطة رابعة، وهو ما يؤدي إلى فقدان الثقة في وسائل الإعلام التي يفترض أن تكون منبرا للنزاهة والشفافية، تكشف الفساد وتعطي الشعب خيار المعرفة والمشاركة في صنع القرار
في هذه الظروف، يتفاقم انتشار الأخبار الزائفة ويزرع الإحباط بين المواطنين .. لذلك، لا سبيل للخروج من الذل الإرادي واستعادة مكانة الصحافة إلا بمقاومته، رغم أن ذلك يتطلب جهدا متضافرا للحفاظ على كرامة الإعلام وأمانته، ومن الضروري العمل على تعزيز استقلالية المؤسسات الإعلامية اقتصاديا، والاعتماد على تمويلات شفافة بعيدا عن النفوذ السياسي، وبناء نقابات قوية تدافع عن الحقوق المهنية وتوفر الحماية ضد أي ضغوط، إلى جانب نشر ثقافة أخلاقية ومهنية واضحة تشجع على حرية التعبير والنزاهة
الجدير بالذكر، أنه حينما يتحول الصحافي إلى خادم للمصالح وليس مدافعا عن الحق، يصبح الذل خيارا إراديا لابد من محاربته بكل الوسائل المتاحة لاستعادة دور الصحافة الحقيقي كصوت الضمير الوطني وحرية التعبير




