أخبارمنبر حر

أيها الناشط الأمازيغي، كم مقالا كتبت باللغة الأمازيغية ..؟

مبارك بلقاسم

الأمازيغي

قلت مرارا وتكرارا في مقالات سابقة لي، بأن المشكلة رقم 1 التي تواجه الأمازيغية هي رفض المغاربة المتعلمين والمثقفين الناطقين بالأمازيغية أن يكتبوا بلغتهم الأمازيغية في الجرائد والمواقع .. ولست أنا أول من يتكلم حول هذه المشكلة، فقد سبقني الكثيرون إلى التنبيه إليها.
أما مشكلة “سياسة التعريب والفرنسة” التي تنهجها الدولة المغربية حاليا منذ 1912، فهي مشكلة تأتي في المرتبة الثانية حاليا .. ويمكن أن نعتبر أن استمرار الدولة المغربية في القرن 21 في تعريب وفرنسة الحياة العامة، وتجاهل الأمازيغية هي نتيجة (جزئيا على الأقل) لغياب اللغة الأمازيغية عن الميدان الصحفي والمكتوب، ونتيجة لإحجام نشطاء ومثقفي الأمازيغية عن الكتابة بها في مواضيع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي جمعياتهم الثقافية الأمازيغية .. فحتى الجمعيات الأمازيغية لا تصدر بياناتها الصحفية باللغة الأمازيغية أبدا، وإنما تصدرها دائما بالعربية الفصحى والفرنسية فقط.
وما دام المغاربة المتعلمون والمثقفون الناطقون بالأمازيغية قد أقصوا أنفسهم بأنفسهم من هذه السوق اللغوية عبر إحجامهم التام عن الإنتاج الكتابي والصحفي بالأمازيغية، فلا يلومن إلا أنفسهم .. خصوصا، في عصر الإنترنيت هذا (الذي بدأ منذ أواخر التسعينات بالمغرب)، والذي لا تستطيع فيه الدولة أن تتحكم بالمواقع الإلكترونية، وما ينشر فيها كما كانت تتحكم سابقا بالجرائد الورقية وما ينشر فيها.
هناك تهرب عجيب من طرف المثقفين والمتعلمين والنشطاء الأمازيغ من الكتابة باللغة الأمازيغية، لا يمكن تفسيره ربما إلا بواحد من هذه الأسباب الأربعة:

1 – ربما أن هؤلاء النشطاء والمثقفين الذين يسمون أنفسَهم بـ”نشطاء الأمازيغية” مسجونون في مادة الدرس اللغوي العربي والفرنسي التي تعلموها في المدرسة وتعودوا عليها في الإعلام، ولا يريدون تطوير سلوكهم اللغوي فيتكاسلون عن بذل مجهود ولو صغير في كتابة مقال صغير باللغة الأمازيغية من صفحة واحدة كل أسبوع أو كل شهر أو كل ثلاثة أشهر، ويتكاسلون عن البحث في القواميس الأمازيغية من حين لآخر عن كلمات أمازيغية لاستخدامها في مقالاتهم .. فمثلا قد لا يعرف المغربي المتعلم الكلمة الأمازيغية المقابلة للكلمة العربية “الإعداد” .. والحل البسيط هو أن يبحث في أحد القواميس الأمازيغية المتوفرة على الإنترنيت، مثل “المعجم العربي الأمازيغي” للأستاذ محمد شفيق، وفيه سيجد أن “الإعداد” هو asemmuteg ، وأن “الاستعداد” هو amuteg. وقد لا يعرف المغربي المتعلم كيف يقول “السياسة الاقتصادية” بالأمازيغية، ولكن ببضع دقائق من البحث في قاموس أمازيغي سيكتشف أن “السياسة الاقتصادية” بالأمازيغية هي Tasertit tadamsant. وقد لا يعرف عبارة “كأس العالم” بالأمازيغية وببضع دقائق من البحث في قاموس سيكتشف بسهولة أن “كأس العالم” بالأمازيغية هو
Akerwas Omaḍal.
فالمتعلم والمثقف المغربي الناطق بالأمازيغية كلغة أمّ يستطيع بسهولة توسيع رصيده اللغوي الأمازيغي وتطوير مهاراته الكتابية الأمازيغية لأنه يملك الأساس الأمازيغي اللغوي أصلا ألا وهو لغته الأمازيغية اليومية بنظامها النحوي والصرفي الموحد طبيعيا بين مختلف لهجات الأمازيغية. وما عليه إلا أن يعوّد نفسه على مراجعة بضعة قواميس أمازيغية من حين لآخر. والقواميس الأمازيغية كما قلنا متوفرة بالمجان على الإنترنيت وهي غزيرة الثروة اللغوية. وأقصد هنا القواميس الأمازيغية الكثيرة التي تم تأليفها سنين طويلة في المغرب والجزائر قبل أن يكون هناك شيء اسمه “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” (الإيركام) الذي تأسس عام 2001.

2 – ربما أن هؤلاء “النشطاء الأمازيغيين” يخجلون من الكتابة باللغة الأمازيغية على المواقع الإلكترونية والجرائد المغربية مثلما يخجل السوسي أو الريفي أو الأطلسي أو الجنوبي الشرقي من الكلام بلغته الأمازيغية أمام الغرباء فيتعمد أن يتكلم بالدارجة أو بالدارجة المتفرنسة أمامهم حتى يبرهن لهم بأنه متحضر وغير بدوي وغير أمي وأنه ليس بـ ahebbuj (قروي ساذج)، أو مثلما يخجل الكازاوي أو الرباطي أو الفاسي من الحديث بالدارجة الشعبية أمام الغرباء فيبدأ بالتفرنس والخشخشة والنغنغة الفرنسية أمامهم باذلا أقصى جهده في تجنب “الكلمات البدوية” وإكثار الكلمات الفرنسية في كلامه بلا داع وذلك دحضا لخطر أن يعتبره الناس أو الفتيان أو الفتيات بدويا “عْروبيا” أميا قُبّانيا.

3 – ربما أن هؤلاء “النشطاء الأمازيغيين” يختبئون وراء مبرر انتظار صدور وانتشار لغة وهمية يسمونها “الأمازيغية المعيار” يصدرها الإيركام. طبعا لا يوجد شيء اسمه “أمازيغية معيار”. هناك فقط لغة أمازيغية بتنوعاتها الجهوية الريفية والسوسية والأطلسية والجنوب-شرقية والتي يمكن دمجها بسهولة وسلاسة في الكتابة بدون “معيرة” ولا يحزنون. وهذا ما أفعله بمنتهى السهولة في مقالاتي المكتوبة باللغة الأمازيغية المنشورة على بعض المواقع المغربية والجزائرية، وأيضا في ترجمتي للدستور المغربي إلى اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني والتي كنت قد قدمتها للقراء في مقال سابق.

4 – ربما أن هؤلاء “النشطاء الأمازيغيين” قد وضعوا أنفسهم في فخ حرف ثيفيناغ حين أعلنوا أن “الأمازيغية يجب أن تكتب بحرف تيفيناغ لوحده ولّا بناقص گاع”، ولكنهم وجدوا أنفسهم الآن أمام حقيقة واقعية وهي أن لا أحد يقرأ الأمازيغية بحرف ثيفيناغ وأن هذا الحرف لا ينفع الأمازيغية بل يفرملها ويعطلها ويؤجل دورها الوظيفي الإداري والمجتمعي بعشرات السنين، وبالتالي فإذا كتبوا للمغاربة مقالا أمازيغيا بحرف ثيفيناغ فسيكون كمقال بالحرف الصيني أو بالحرف العبري أو بالحرف الروسي: لن يقرأه أحد في المغرب ولن يفهمه أحد وسيكون مجرد ديكور مثل تلك اللافتات التيفيناغية (المملوءة بالأغلاط) على أبواب بعض الإدارات والمدارس: مجرد ديكور لا يقرأه أحد ولا يفهمه أحد.
وبما أن هؤلاء النشطاء قد قرروا وحسموا أمرهم (تماهيا مع الإيركام) بأن “الأمازيغية يجب أن تكتب بحرف تيفيناغ لوحده ولّا بناقص گاع” فإنه ربما يصعب عليهم أن يتراجعوا عن موقفهم المبدئي المتصلب ويصعب عليهم أن يبدأوا الآن في 2018 بكتابة المقالات بالأمازيغية بالحرف اللاتيني (أو باللاتيني وثيفيناغ معا) على الجرائد ومواقع الإنترنيت، حيث أن تغيير أو تعديل قناعاتهم الحرفية سيبدو كتمرد على الإيركام أو على النغمة الجماعية وقد تكون له عواقب وخيمة على فرص بعضهم في الظفر بالمناصب والوظائف لدى الإيركام أو لدى المجلس اللغوي. وهكذا قرروا على ما يبدو أن لا يغيروا موقفهم من الحرف وأن لا يكتبوا باللغة الأمازيغية بحرف ثيفيناغ، أي أنهم قرروا أن يمسكوا العصا من الوسط فقرروا أن يسكتوا عن الموضوع ويصوموا صياما دائما عن الكتابة باللغة الأمازيغية ويهربوا إلى الأمام عبر الاقتصار على كتابة الإنشائيات بالعربية الفصحى يطالبون فيها الدولة بتنزيل القانون الفلاني والمجلس الفلاني، وبعضهم يضع عينه ربما على المناصب والتوظيفات والرواتب السمينة في المعهد الملكي والمجلس اللغوي.
في عصر جريدة Tawiza الرائدة التي أدارها الأستاذ محمد بودهان في التسعينات وأوائل الألفية الثالثة كان هو والعديد من نشطاء الأمازيغية يقومون فعلا بمجهود جيد في كتابة المقالات والإبداعات باللغة الأمازيغية. وكان معظم تلك المقالات الأمازيغية مكتوبا بالحرف اللاتيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق