أخبارمنبر حر

بك آمنت فلا تعاقبني ببعلي- مقاربة النوع-

ذ. عبد الرحمان مجدوبي

عبد الرحمان المجدوبيكانت تعيش حياة هنية بلا هم أو مشاكل .. لكن، المسكينة تفتقد ثمرة الحياة ونسمتها وعطرتها، إذ لم ترزق بولد يؤنس وحشتها ويكسر صمتها و وحدتها، ويحقق آمالها وأحلامها، لم ترفع أكف الضراعة، ولم تدق بابا رغم ما يحويه من حسن الضيافة والوداعة، ولم تفقه ما هي فيه من النعمة والعطية والسعادة، إذ الأنس بالزوج والأرواح الصافية النقية، وقوام الألفة حب مزارعه شاسعة، فالأوراق تعشق النور، والأذهان تسكر بنسمات العطور، راحت تخجل من زوجها الذي عصر الألم قلبه، وغادرت البسمة دربه، فقررت محاسبة الأقدار خوفا من الهجران، إذ أوتاد الخيمة في عرف الرعاع لحم وعظام وبسمة كورد الرمان، وامتداد يحفظ الإرث، ويحمل راية الفحولة ويغني ورد الرجولة، كيف السبيل إلى الخروج من النفق، وكيف تهتدي لتنجو من الغرق، أتصنع خديجا بيدها وتعبده تعبيرا عن حب هائم وتضليلا لعقل شاتم سائم-عقل البعل- فيزغرد النساء لصنيعها وتحتفل الشياطين بمولودها ويطمئن قلب زوجها بوريثها، أم تستسلم لحكمة القدر، وما كانت حكمة القدر إلا لتردها لصوابها، فتعرف ما هي فيه من الرغد والنعيم، وتتمرد على أفكار الشيطان الرجيم، وها هي الآن بُشرت بحملها، فانقلب الوجه العبوس بدرا منيرا، وراحت تعقد الحلقات في المجامع لتفك عقدة كانت لجسدها النحيف زمهريرا، احتفلت وصالت وجالت وانغمست في حلم رائع وتصالحت مع الله وعقدت العزم بعد العتاب على طي الصفحة ورسم لوحة جديدة يشكل فيها المولود قطب الرحى، ويحمل الزوج مشعلا في وقت الضحى ليسخر ممن سخروا، ويهتف في آذان من بالعيب جهروا.

نادى مناد أيتها العير ارجعي إلى مرابطك، ويا أيتها الألسن اللعينة اخرجي من مراقدك، ويا أيتها الأعناق تطاولي وتجاهلي، فقد خرج إلى الوجود ربيب وانطمس في الأفق حبيب، فأهلا بمجامع السمر تلوك فيها الألسن خبر ولادة زائفة جلبت الهم والغم بعد فرحة، فالانشغال على البدر بعدم اكتماله، وعلى الخيل بانطماس صهيله، وعلى الجميل الفاتن باغتراب ملامحه وحروفه واندثار تضاريسه، وعلى الناي باعتكاف أنينه.

1

بزغ المولود حملا لا يقوى على حمل جسده الصغير النحيف بعدما حُمل وهنا على وهن اختيارا، يرتشف من ثدي أمه رحيقا حارقا ثم ينطفئ بملاطفة نتوءاته البريئة، فالأم في واجهة فكر ضحل ومنهج يسن وجوب الحفاظ على النوع مهما كان، وعرف يخلص الذكورة من حمل ما ثقل وزان، فتُصب عليها حمم لتبقى جاثية مخذولة، تتعب يوما بعد يوم من ثقل جسد ابنها وانطماس البسمة.

غاب الذكر مرة أخرى عن المشهد، إذ راوده نوم ثقيل في الكواليس، وبقيت المرأة فوق الخشبة تحمل هم جمهورها ومتفرجيها الذين لا يتقنون سوى لوك الكلام وقذف السهام في جوف الظلام، إذ الأضواء مسلطة على تلك الأمة الضعيفة، تخوض معركة البقاء وتحارب البؤس والشقاء بصبر استمدته من تجربة سابقة عقيمة رحيمة، كان فيها الطلب مخالفا للمعقول، وحنينا للماضي الذي تنفرد فيه بزوجها وإن كان يبدو قاسيا فهو لم يخن العرف والمتداول، رفعت يدها ليأخذ الرب وليدها رحمة فقد انحنى الظهر وتتضاعف الهم والقهر، وغدر بها السر أكثر مما خانها الجهر، رفعت يدها ليأخذ الرب أمانته، ويريحها مما أبت الجبال حمله وأشفقت منه تقديرا لجسامته، تعبدت الليالي الطوال لا لتدخل الجنة ولكن ليكون المشهد كاملا تتحمل شخصياته مقاتة أدواره، ويعاد توزيعها كل حسب طاقته وطموحه، فما من امرأة حبلت حلما، وما من ذكر حرث الماء وأنبت بقلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق