أخبارنافذة على الثقافة و الفن

فــاس / المسرح والبحث الأكاديمي اليوم: الإشراقات والإشكاليات، موضوع ندوة علمية

ICHRAQAT

عبد الحق ميفراني

احتضنت أيام الشارقة 30 المسرحية، وضمن ملتقاها الفكري وعلى مدى يومين (1و2 مارس)، فعاليات ندوة علمية حول موضوع

المسرح والبحث الأكاديمي اليوم: الإشراقات والإشكاليات

في محاولة لتشخيص وضعية البحث الأكاديمي، في كليات الدراسات العليا، على مستوى درجتي (الماجستير والدكتوراه)، والمعاهد والمؤسسات العمومية المعنية بالظاهرة والممارسة المسرحية والفنية .. وقد لامست الأوراق المقدمة، وإن تركزت على مستويين أساسيين، محاولة شخصنة واقع وراهن البحث الأكاديمي اليوم، في بعض التجارب العربية .. وتوقفت جلها عن واقع البحث الأكاديمي، في ظل وضع تعليمي ونظام بيداغوجي، ومنظومة مجتمعية وثقافية وسياسية، قد لا تسهم في خلق حراك لافت ومعين وتراكم نوعي لهذه الممارسة، واقتربت أوراق الباحثين، ابراهيم نوال وأحمد شنيقي (من الجزائر)، ومعز لمرابط وهشام بن عيسى (من تونس)، مثلا، من واقعي البحث الأكاديمي في كل من الفضاء الجامعي الجزائري والتونسي، فيما اتجهت مداخلات كل من مقاربات الباحثين: زياد عدوان (سوريا)، مدحت الكاشف (مصر)، فراس الريموني (الاردن)، إلى الجوانب النظرية ومحاولة تقديم نظرة تاريخية وتقريبية لواقع البحث الأكاديمي، والاقتراب إلى من أسئلة المسرح ومواضيع الممارسة البحثية، على ضوء التحولات التي يشهدها العالم اليوم.

الملتقى الفكري، الذي ترأس أشغاله المسرحي الدكتور مسعود بوحسين، أجمعت جل مداخلاته على خلاصات أساسية، لعل أهمها توطين دراسات الظاهرة المسرحية في المجال الأكاديمي، وترسيخ التمرين النقدي على مقاربة الظاهرة، ضمن المنظومة البيداغوجية والديداكتيكية والتعليمية العربية، محاولة الاقتراب من فهم نظريات المسرح، وتجاربه الكونية والعربية، والفرجات وفنون الأداء، في ظل ما عرفته المعاهد والجامعات العربية، من تطور وانفتاح على الدرس النقدي، وأيضا في ظل ما تشهده الظاهرة المسرحية والممارسة البحثية معا، من تطور للوسائط التكنولوجية، وما يمكن أن يخلق من فتح هوامش جديدة أمام الدرس النقدي.

على مستوى الإشكالات المركزية، يبدو لافتا الخلط المنهجي أحيانا، والتشويش النظري وعدم صياغة منظورات نقدية متناسقة، لبعض الآراء والمداخلات المقدمة، فيما نجحت العديد من الأوراق من إعطاء صورة مقربة، وضمن جرد منظم ومحين، للبحوث والدراسات الأكاديمية في بعض البلدان العربية (تونس والجزائر مثلا ومصر بدرجة أقل). وأسعفت النقاشات والمداخلات، في محاولة استقصاء ورصد، طبيعة الممارسة البحثية، وارتهانها لوضعية الخطاب النقدي المتخلف على الانفتاح على التجارب الرائدة الكونية، فيما استطاعت بعض التجارب والمختبرات الفردية المدنية (المركز الدولي لدراسات الفرجة بطنجة المغربية مثلا)، إعطاء صورة لافتة بما يمكن أن تشكل المختبرات البحثية من تمثل لأفق الدراسات البحثية للظاهرة المسرحية.

ولعل أهم الإشكالات التي حددتها طبيعة المداخلات، والنقاشات الغنية، ضرورة مراجعة بعض البديهيات واليقينيات والخلاصات، لعل من أبرزها مفهوم العلم والعلمية، علاقة المسرح والعلم، الوعي الدراماتورجي بالظاهرة المسرحية في العالم العربي، المصطلحات والمفاهيم النقدية في مجال المسرح، العلمية والوضوح المنهجي في رصد الظاهرة المسرحية، غياب بلورة مشروع بحوث تنفتح على التجارب المسرحية العالمية والعربية المتعددة، الاكتفاء الذاتي بالدراسات الخارجية للظاهرة المسرحية والبقاء سجيني مقولات التأصيل والتأسيس والتراث الخ، وعدم ربطها بتحققها الركحي والجوانب التطبيقية والممارسة الفعلية، ضمور حركية النشر والدعم للبحث الأكاديمي.

إن محاولة الوصول إلى إستراتيجية عربية، خاصة بالبحث الأكاديمي، في ظل الواقع المترهل للأنظمة التعليمية والمعاهد والمؤسسات الموجودة والواقع السياسي الحالي، يدفع في اتجاه، وضمن توصيات الملتقى الفكري لأيام الشارقة الثلاثين، إلى المناداة بضرورة تأسيس مركز للأبحاث الأكاديمية للظاهرة المسرحية وتشجيع الترجمة للدراسات والبحوث التي تناولت المسرح العربي، وخلق قنوات تشجيعية لأساليب الدعم كالمنح الدراسية للقيام بالدراسات الميدانية، والأرشفة والتوثيق والرقمنة للمسرح العربي، وتكوين بنك معلوماتي للدراسات البحثية الأكاديمية، ومراجعة الاجتهادات المعرفية وضبط المصطلحات والمعارف، على ضوء ما تشهده الممارسة المسرحية من تطور، إلى جانب التبادل والانفتاح على الشركات العربية ـ العربية والعربية ـ الأجنبية.

لم تفتح الأوراق المقدمة كوة على التجارب الأكاديمية، و واقع البحث العلمي في الدول الغربية، اللهم استدعاء بعض التجارب الرائدة كألمانيا وفرنسا .. لكن، وضمن السياق العام، للجرد الذي قدم، يبدو لافتا الالتباسات الهيكلية التي تتمثل بها كل من، البحوث الأكاديمية والخطابات الراصدة والمفكرة بها، في ناحية التركيز الدائم على المنظور التاريخاني، والوقوف عند أسس التقدم لا التراكم، وهو ما يعمق من منظور مورفولوجي لتشكل الظاهرة المسرحية، وفق تناول الجوانب الظاهراتية دون المساس بالعمق، عمق الإشكالات النظرية المتمثلة لها.

يبدو أن الحاجة ماسة اليوم، لإعادة مقاربة خطابنا المسرحي، ومراجعة الكثير من المفاهيم والخطابات التي تشكلت على الظاهرة المسرحية العربية، فتح أفق علمي للدراسات تقتضي آليات أخرى جديدة، قادرة على بلورة سلسلة من المشاريع والمنظورات القرائية الجديدة، والتي تستطيع أن تفضي إلى ترسيخ المسرح ضمن النسيج المجتمعي والتعليمي في عالمنا العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق