أخبارمجتمع

ذ. عبد اللـه عزوزي: ما آلمني بشكل عميق هو أن ترتبط “القيادة بالهدم و التشريد، بدل البناء و الترشيد

AZZOUZI 1

كنت أود أن أشارككم إحساسا بالسعادة و الإمتنان الذي يحسه أي فرد و هو يستحضر نعم الله و فضله عليه بعدما يتخلى عنه الجميع .. لكن، ارتأيت أن آؤجل ذلك و بعد حين، مراعاة لأحاسيس الصدمة و الحزن الذي انتاب سماء المواقع الإلكترونية و التواصلية بتاونات بحر الأسبوع المنصرم، و الذي يعود لمشهد أليم اعتدنا أن نراه سوى في مناطق النزاع العالمية، مشهدٌ زلزل كياني، و عمَّقَ مستوى فقدان الأمل و الثقة في مجتمع مسالم، متضامن، و مستعد لأن يعض على كرامة مختلف أعضائه كما يعض الغارق على حبل النجاة.

المشهد يعود لمواطنة — لأم قروية، لمكافحة كانت تحضن أسرة، كرست لها شبابها و كهولتها و حمتها من ذل التسول و دناءة الغش، و هوان التواكل، و بسطت فوقها أجنحتها كما تفعل أنثى أي طائر عندما تحاول الأفاعي التسلل إلى عشها، أو يهم معتد بكسر بيضها.

ما آلمني هو أن تقسو المرأة على أختها المرأة بهذا الشكل، ليس أي امراة، من أي بقاع في العالم، بل أن تفعل ذلك المغربية ضد أختها المغربية، أن تكون الضحية صاحبة الأرض، و مُخَطّطَةُ التدخل (intervention) موظفة، سيأتي اليوم الذي تشد رحالها إلى وجهة ترابية أخرى.

ما آلمني هو أن يكون من بين الجيل الجديد لرجال السلطة — و لو على قلتهم — من يفكر بهذه الطريقة المتسرعة، و المغيبة لكل الأليات القانونية، في إبراز واضح لغياب الذكاء الإجتماعي و الحس الإنساني ..!

ما آلمني أيضاً هو أن يكون ذلك في عز شهر كريم، تَرقُّ فيه النفس، و تنشرح فيه الصدور و توقض القلوب، و تحيى الضمائر، و تنكمش فيه أصابع النفس الأمارة بالشر، و تنطلق فيه النوايا الحسنة كخيول سليمان ..!

ما آلمني مرة أخرى هو أن يَهدم المشهد في ظرف دقائق معدودة ما بنته الدولة و أبانت عليه من حس اجتماعي رفيع و غير مسبوق طيلة الأزمة الوبائية السارية المفعول لحد الآن و منذ ما يربو على الشهرين تقريبا .. للتذكير، أجلت الدولة أداء الفواتير، و وزعت المساعدات، و أرجعت المطرودات من بيوتهن إلى بيوتهن، و المحكوم عليهم بالإفراغ إلى مساكنهم المؤقتة، و أجلت دفع دفوعات القروض العقارية والاستهلاكية .. لكن، لم تستطع قائدة شابة أن تستحضر أو تستوعب كل هذا فتؤجل قرار الهدم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

ما آلمني بشكل عميق هو أن ترتبط “القيادة — Leadership” بالهدم و التشريد، بدل البناء و الترشيد و ابتكار الحلول و التمكين لخيارات الوساطة والمفاوضات .. لكن، أعرف يقينا أن الأصل هو الكفاءة و أن ما حصل لا يعدو أن يكون استثناء و حالة منعزلة جاءت كنتيجة مباشرة لسياقات لا يعلمها الرأي العام إلإقليمي و الوطني، كما أعرف يقينا أيضا أن التاوناتيون لم ينسوا بعد كيف استطاع رجل سلطة أن يقود قطار التغيير و التنمية في وقت ما بدوار يطل على نهر وادي ورغة و جماعة عين عائشة.

ما آلمني كذلك هو أن ينتهي التدخل باستشهاد عماد البيت، فموت الأم يكون أليما حتى فوق أسرة المستشفيات، أو في ركن من أركان البيت، فما بالك بأن يٌقرَنَ بهدم الخيمة والتنكيل بسكانها ..؟

ما آلمني من ناحية أخرى، هو أن نعرف أن مدناً بكاملها بُنيَّتْ وفْقَ تصاميم البناء العشوائي و تحت سحب غبار الحملات الانتخابية و عند عسعسة الليل، و لنا في أحياء كعوينات الحجاج، و عين هارون، و باقي أحزمة المدن خيردليل و أَبْلغَ مثال ..!

ما آلمني، في النهاية، هو أن أضطر إلى أن أتجنب مواصلة المشي على أرصفة الشوارع بالمدن و أنزل إلى قارعة الشارع جنباً إلى جنب مع السيارات، لا لشيء، سوى لأن مالك المقهى ارتأى أن يُلْحقَ الرصيف بملْكه الخاص، و أن يُحاط برجال قرروا التغاضي لأسباب لا ندركها .. في الوقت الذي تُقرر فيه “مي الشهيدة” أن ترفع من كرامة و خصوصية أسرتها باستثمار من ما جمعته من دريهمات في بناء صور و كسوته باللإسمنت، مواصلة حلمها بأن تستطيع ذات يوم ( بعدما تكبر الكتاكيت و تصبح ما بين قادر على الصياح، وجاهزة للإباضة) صباغته بالجير الأبيض كعربون عشق للحياة و تعلق بالأمل، فينتهي بها المآل إلى ما أنتم شاهدون عليه و صامتون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق