أخباررسالة موجهة إلى ...

“التسول الانتخابي”.. أو الإجهاز على ما تبقى من أمل ديمقراطي

* ذ. محمد أنين

     وأنت في السوق .. وأنت في الشارع العام .. وأنت في طريقك إلى المسجد أو خارجا منه .. وأنت داخِلَ سيارتك، تنتظر الضوء الأخضر، كي تتحرك .. وأنت متجه إلى الشباك البنكي الإليكتروني .. وأنت داخل حافلة النقل العمومي ..

 باختصار، أينما حللت أو ارتحلت، تجده منتصبا لك كالقدر، متربصا بما في جيبك من دريهمات، مُوظّفا كل أساليب الخداع، لكسب تعاطف المارة .. وإثارة الشفة، وعصر القلب، وتقطير دموع العين .. عاهةً به أو بأحد مرافقيه، وحتى لو لم تكن، فإنه يدعيها؛ رضيعا يحمله بين ذراعيه، مدعوما بعلبة حليب فارغة، أو رضَّاعة متآكلة؛ فاتورةً لاستهلاك الماء أو الكهرباء، أو هما معا؛ وصفةً طبية، أو علبة أو علبتين فارغتين للأدوية .. ناهيك عن تفننه في نسج “القصص السريعة” ـ القابلة للاستهلاك الفوري، ومن غير تسخين ـ والتي يرددها على مسامعك، بكل إتقان ودهاء ومكر واحتيال .. حسب تنوع الزمان وتغير المكان، بطبيعة الحال

إنه المتسول، ذلك الشخص الذي يشحت النقود أو الصدقة منك ومن الآخرين ـ  بكل جرأة و”تْقَصْدير” و”بوجه صحيح” ـ دون مقابل أو عمل إيجابي يقدمه لك أو للأغيار .. أو للمجتمع ككل ..  والحالة هاته، فإن التسول قد انتقل من مجرد ظاهرة، إلى إشكالية خطيرة وسلبية، تجر المجتمع ككل، إلى أعماق التخلف والتواكل والانحلال والتفسخ .. غير أن الطامة الكبرى، تكمن في تأقلم التسول وتطوره، بتطور التكنولوجية الحديثة، ليواكب الثورة المعلوماتية بكل مكوناتها، ولينتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلا جل التطبيقات المتاحة، بحيث لا يكاد شريط معروض على اليوتوب على سبيل المثال لا الحصر ـ أن يخلو من العبارات التالية: (فضلا، وليس أمرا، إذا لم تكن مشتركا في قناتنا، ففعل زر الجرس، كي يصلك الجديد، واضغط “لايك”..)

ويظل الهدف واحدا هو الربح السريع، وكسب/نهب المال من الغير، ومن غير عناء، ولو كان ذلك على حساب كرامة “المتسول الإلكتروني” .. إن كانت له كرامة فعلا ..! بل وعن أي كرامة سنتحدث .. طالما أن “المتسول الإلكتروني”، مستعد لكي ” يبقى كما ولدته أمه” أمام عدسة الكاميرا، بحثا عن نسبة مشاهدة عالية .. ومبالغ خيالية، في ظل تسوّل إلكتروني عابر للزمان والمكان ..! ليبقى هذا النوع من التسوّل أعمق شراً وأكبر خطراً، من التسول التقليدي العادي

وفي خضم هذه “الإشكالية التسولية، الاجتماعية والالكترونية”  ـ إن صح التعبيرـ ستبرز أنوع تسولية جديدة، منها “التسول الفكري”، و”التسول العاطفي”، إلى جانب بما يمكن الاصطلاح عليه، “بالتوسل الموسمي”

وهذا النوع من التسول، وأقصد به الموسمي، مرتبط بفترات معينة من الزمن؛ وهو أكثر خطورة في نظري  من سابقيه، لكونه يقوض “الإرادة الشعبية” بكاملها، ويدفعنا بالتالي جميعا وفي كل مرة، إلى أن نخلف موعدنا مع التاريخ .. مع الديمقراطية ..!

 أظن أنكم قد عرفتم عَن ماذا أتحدث ..؟ أجل، إنه “التسول الانتخابي”، وما أدراك ما التسول الانتخابي ..! و”المتسول الانتخابي”، كائن مجرد من كل القيم ومن كل المبادئ، ولا يهمه فيك، سوى صوتك لا غير؛ ولأجل ذلك فهو لا يتوانى في استعمال كل الأساليب الميكيافيلية، بغية دغدغة مشاعر الناخب، وكسب تعاطفه، للوصول إلى هدفه الدنيء اللحظي، والذي ليس سوى “سلب الصوت”.. وبالتالي، وأد الثقة

 فالمتوسل الانتخابي، كل شيء في نظره مباح، طالما أن الهدف هو صوت الناخب، الذي سيقوده إلى “مقعد الأمانة”

 تصوروا معي هذا المشهد الدرامي .. “خائن يشغل مقعد الأمين على أصوات الأمة ” .. للأسف الشديد هكذا هو حالنا السيئ .. وهكذا هو واقعنا الأسوأ ..! ولن يختلف اثنان، في كون “التسول الانتخابي”، كان وما زال وسيظل، السبب الرئيس في فقدان الثقة، لدى الكتلة الناخبة ـ اللهم ذلك الجزء الصغير منها، والذي تعَوَّدَ العيش على “القفف”، وعلى “المساعدات الإحسانية” ـ التي تعتمدها بعض الأحزاب، لكسب قاعدة تصويتية من المغيَّبات والمغيَّبين ..! وبطبيعة الحال، فإن فقدان الثقة، هو ما أوصلنا اليوم، إلى مقاطعة السواد الأعظم من الكتلة الناخبة، للعملية الانتخابية برمتها

 وقد أمسى مألوفا لدى الجميع، أن “التسول الانتخابي”، دائما يكون مُهَّيئا له، بخرجات إعلامية مسبقة لدنيصورات الأحزاب السياسية .. خرجات تحمل من التناقضات، ومن النفاق السياسي المكشوف والبليد، بلادة أصحابه، ما يزيد كراهة الناخبين ..  وخاصة، الشباب منهم للأحزاب السياسية؛ هذه الأخيرة التي أضحت مشكلا في وجه كل عمل تنموي، وليس فقط جزء من المشكل ..!

ولتقريب الصورة أكثر، لا بد من أخذ المثال الحي التالي: فضمن حلقات “حديث رمضان”، التي تنظمها مؤسسة الفقيه التطواني بمدينة سلا، والمخصصة لبرامج الأحزاب السياسية ـ إن كانت هناك فعلا برامج حزبية متباينة ـ  تم مساء الاثنين استضافة “الحاج الشيوعي”، والذي تقدم بخطاب ديماغوجي بامتياز، يحمل من التناقضات، بين ما هو نظري وبين ما هو واقعي، ما يجعله خطابا رنانا، مغلفا بلغة الخشب، ومغازلا للطبقات المهمشة في البلاد .. متناسيا أو متغاضيا، أنه شخصيا ـ وهو ينتقد الحكومة الحالية ـ بأن حزبه، إلى جانب باقي أحزاب الأغلبية، هم من وضعوا البرنامج الحكومي الحالي

  أما عن الانفراج السياسي الحقيقي، الذي نحن في حاجة إليه ـ حسب تعبير “الحاج الشيوعي” ـ هو ذاك الذي نتنفس فيه “شويا ديال الديمقراطية” .. فعليه وعلى غيره من “مسيري الأحزاب السياسية”، أن يعوا تمام الوعي، أن الديمقراطية كل لا يتجزأ .. وبالتالي، فالديمقراطية تبدأ من داخل الأحزاب، من خلال التأسيس لديمقراطية داخلية، يُفسح فيها المجال أمام المناضلين الشرفاء، بدل اعتماد سياسة الإقصاء، والتهميش، بل وحتى التخوين، وبالمقابل سلك منج “تفضيل مول الشكارة”، الذي ينزل على رأس اللائحة، ومن غير ميعاد أو تشاور مع المناضلين، في الدقيقة التسعين، كريمونتادا اتحاد طنجة في شباك الوداد الرياضي

 فعلا، فكما قال ضيف مؤسسة الفقيه التطواني، “فإن عدد من اليقينيات تبخرت”، عقب جائحة كورونا؛ وأضيف بدوري، أن من بين ما تبخر كذلك، شيء اسمه “الحزب السياسي”، بمنظومته النمطية العتيقة .. تلك المنظومة التي سئم منها الجميع ـ وحتى قبل زمان كورونا ـ والمبنية على التخلي عن دور دستوري رئيس، يتمثل من جهة في تأطير المواطنين، ومن جهة ثانية في بناء الدولة الحديثة

 صحيح، أن الكل قد أدرك أن النظام الليبرالي ما بعد كورونا، يستحيل أن يُسيَّر به العالم ـ كما صرح “الحاج الشيوعي” ـ .. لكن، متى كان العالم قابلا للتسيير حصرا بمضامين “ما العمل ..؟” للينين ..؟ 

 أعتقد، أنه لا أحد يجهل بأن الشيوعية، هي إنشاء مدينة فاضلة حسب الفكر الماركسي .. لكنها، تظل مجرد نظام مثالي ونظري وغير واقعي .. وبالتالي، يصعب تطبيقه على أرض الواقع، لكون الشيوعية ببسيط العبارة، تتعارض والقوانين الكونية، مثل “قانون الطبقية” و”الصراع الأبدي بين الحق والباطل”، و”الملكية الشخصية”

وهنا لا بد من تذكير “الحاج الشيوعي”، بأنه من أسباب فشل الشيوعية، ديكتاتورية البروليتاريا؛ وكذا القمع الذي يتعرض له المعارضون، والذي يذهب إلى حد التصفية الجسدية؛ إضافة إلى عدم تداول السلطة؛ زيادة على عدم فصل السلط

 وتظل أكبر المشاكل التي كانت سببا في انهيار المعسكر الشرقي، غياب الضابط والرقيب على السلطة، علاوة على تغييب المنافسة، وكأن الأمر يتعلق بتوجيه ضربة قاضية للطبيعة البشرية؛ وهذا ما أوضحته العديد من الأبحاث السيكولوجية، والدراسات والإصدارات الفكرية، التي تنبأت بسقوط “حائط برلين”، ومعه الفكر الشيوعي قبل ذلك بعشرات السنين

سؤال آخر مركَّب، يستفز كل من يعتمد المنطق في قراءته للواقع: كيف أن “الحاج الشيوعي”، كان حتى وقت قريب حليفا إلى درجة التقديس “للمصباح” بمرجعيته الإسلامية، وعدوا لدودا بالمقابل “للجرار”..؟ وها هو اليوم وبقدرة قادر، يغير موقفه 180 درجة، ليتحالف مع عدو الأمس، ويعادي ـ في ذات الوقت ـ  حليف الأمس ..! 

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من أن أذكر “الحاج الشيوعي”، الذي وللأسف الشديد، قد فقد حزب علي يعته، معه هيبته التشريعية، من خلال فقده لفريقه البرلماني، وانكماشه شكلا في مجموعة برلمانية ..  والحالة هاته، وهو الذي يؤكد أننا في حاجة إلى انفراج سياسي حقيقي، ألا يرى أن هذا الانفراج لن يتحقق، إلا بمبادرته ـ وباقي القادة الفاشلين ـ بتقديم استقالاتهم، وتنحيهم عن مناصب المسؤولية داخل أحزابهم .. وبالتالي، إفساح المجال أمام كفاءات لطالما انتظرت فرصتها لتقول كلمتها، وضخ دماء جديدة في “الجسم الحزبي” المريض .. خاصة، وأن الديوان الملكي عقب تعثر “مشاريع الحسيمة منارة المتوسط” قد صدر عنه بلاغ شديد اللهجة، أرى أن العودة إليه اليوم، ضرورة ملحة، لما فيه من حمولة أخلاقية وإلزامية أمام العاهل المغربي المفدى، قطعا للطريق أمام كل “تسول انتخابي”، والذي يبدأ ـ كلما اقتربت الانتخابات التشريعية خاصة، مع إعادة فتح “الدكاكين الانتخابية” ـ يطل علينا برأسه المشوه المخيف، كرؤوس الشياطين

فيما يلي نص بلاغ الديوان الملكي، وكأنه يذكرنا بأن التاريخ لا ينسى: “استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره اللـه، يومه الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، بالقصر الملكي بالرباط، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، بحضور كل من رئيس الحكومة و وزيري الداخلية والاقتصاد والمالية، وخلال هذا الاستقبال، قدم الرئيس الأول للمجلس أمام جلالته تقريرا يتضمن نتائج وخلاصات المجلس حول برنامج الحسيمة منارة المتوسط .. وقد أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن التحريات والتحقيقات التي قام بها أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة، كما أبرز أن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، وأن الشروحات التي قدمتها، لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ هذا البرنامج التنموي .. وقد أكد هذا التقرير كذلك عدم وجود حالات غش أو اختلاسات مالية

وفيما يخص الحكامة، وعلى سبيل المثال، فإن اللجنة المركزية للتتبع، المكونة من المسؤولين الوزاريين المعنيين، لم تجتمع إلا في فبراير 2017، أي حوالي 16 شهرا بعد توقيع الاتفاقية، في حين تبين عدم قدرة اللجنة المحلية للمراقبة والتتبع، التي يرأسها عامل الإقليم آنذاك، على تعبئة وتحفيز مختلف الشركاء، وعلى إضفاء الدينامية اللازمة لإطلاق المشاريع على أسس متينة .. ويضيف التقرير أنه أمام عدم الوفاء بالالتزامات، والتأخر الملموس في إطلاق المشاريع، فقد لجأت بعض القطاعات المعنية، إلى تحويل رصيد من مساهماتها المالية لوكالة تنمية أقاليم الشمال، كوسيلة للتهرب من المسؤولية .. ونظرا لحجم هذا البرنامج التنموي، وتعدد المتدخلين فيه، فإنه كان من الواجب أن تتحمل الحكومة واللجنة الوزارية للتبع، مهمة الإشراف المباشر عليه، بمبادرة من وزير الداخلية، لاسيما أثناء فترة انطلاقته

 أما على مستوى تنفيذ المشاريع المبرمجة، فقد تمت ملاحظة تأخر كبير في إطلاق المشاريع، بل إن الغالبية العظمى منها لم يتم إطلاقها أصلا، مع غياب مبادرات ملموسة من قبل بعض المتدخلين المعنيين بإطلاقها الفعلي

– ونهوضا من جلالة الملك، أعزه اللـه، بمهامه الدستورية، باعتباره الساهر على حقوق المواطنين وصيانة مصالحهم

– وتفعيلا لأحكام الفصل الأول من الدستور، وخاصة الفقرة الثانية منه، المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة

– وبناء على مختلف التقارير المرفوعة للنظر المولوي السديد، من طرف المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، والمجلس الأعلى للحسابات، وبعد تحديد المسؤوليات، بشكل واضح ودقيق، يأخذ بعين الاعتبار درجة التقصير في القيام بالمسؤولية، قرر جلالة الملك، أعزه اللـه، اتخاذ مجموعة من التدابير والعقوبات، في حق عدد من الوزراء والمسؤولين السامين

 وفي هذا الإطار، وتطبيقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، ولاسيما الفقرة الثالثة منه، وبعد استشارة رئيس الحكومة، قرر جلالة الملك إعفاء عدد من المسؤولين الوزاريين. ويتعلق الأمر بكل من :

• محمد حصاد، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة

• محمد نبيل بنعبد اللـه، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بصفته وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة

• الحسين الوردي، وزير الصحة، بصفته وزيرا للصحة في الحكومة السابقة

• السيد العربي بن الشيخ، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المكلف بالتكوين المهني، بصفته مديرا عاما لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقا

كما قرر جلالته إعفاء السيد علي الفاسي الفهري، من مهامه كمدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب

أما بالنسبة للمسؤولين في الحكومة السابقة المعنيين كذلك بهذه الاختلالات، قرر جلالة الملك، حفظه اللـه، تبليغهم عدم رضاه عنهم، لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم، ولعدم تحملهم لمسؤولياتهم .. مؤكدا أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلا .. ويتعلق الأمر بكل من:

• رشيد بلمختار، بصفته وزير التربية الوطنية والتكوين المهني سابقا

• لحسن حداد بصفته، وزير السياحة سابقا

• لحسن السكوري، بصفته وزير الشباب والرياضة سابقا

• محمد أمين الصبيحي، بصفته وزير الثقافة سابقا

• حكيمة الحيطي، كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة سابقا

 إثر ذلك، كلف جلالة الملك رئيس الحكومة برفع اقتراحات لتعيين مسؤولين جدد في المناصب الشاغرة

 أما فيما يخص باقي المسؤولين الإداريين، الذين أثبتت التقارير في حقهم تقصيرا واختلالات في القيام بمهامهم، وعددهم 14، فقد أصدر جلالة الملك تعليماته السامية لرئيس الحكومة، قصد اتخاذ التدابير اللازمة في حقهم، ورفع تقرير في هذا الشأن لجلالته

ومن جهة أخرى، أبرزت نتائج وخلاصات تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أنه إثر التعليمات السامية التي أصدرها جلالة الملك خلال المجلس الوزاري المنعقد في 25 يونيو 2017، فقد تم تسجيل دينامية جديدة على مستوى تعبئة مختلف المتدخلين، وتحقيق تقدم ملموس على صعيد إنجاز المشاريع

وفي هذا الصدد، إذ يشيد جلالة الملك بالجهود التي تبذلها الحكومة الحالية، للإسراع بتنزيل المشاريع المبرمجة، فقد أصدر جلالته توجيهاته السامية لأخذ العبرة من المشاكل التي عرفها البرنامج التنموي منارة المتوسط، لتفادي الاختلالات والعوائق التي قد تعرقل إنجاز الأوراش التنموية بمختلف جهات المملكة، كما جدد جلالة الملك الدعوة لاتخاذ كافة الإجراءات التنظيمية والقانونية، لتحسين الحكامة الإدارية والترابية، والتفاعل الإيجابي مع المطالب المشروعة للمواطنين، في إطار الاحترام التام للضوابط القانونية، في ظل دولة الحق والقانون .. وكما هو معروف عند الجميع، فإن جلالة الملك، منذ توليه العرش، يحرص شخصيا على متابعة كل المشاريع التي يعطي انطلاقتها، معتمدا منهجية خاصة، تقوم على النجاعة والفعالية والإسراع في التنفيذ، وعلى ضرورة احترام الالتزامات

وتجدر الإشارة إلى أن هذه القرارات الملكية تندرج في إطار سياسة جديدة، لا تقتصر على منطقة الحسيمة فقط، وإنما تشمل جميع مناطق المغرب، وتهم كل المسؤولين على اختلاف مستوياتهم، في نطاق إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحفيز المبادرات البناءة، وإشاعة قيم الوطنية الحقة والمواطنة الملتزمة بخدمة الصالح العام .. وفي هذا السياق، أصدر جلالة الملك تعليماته السامية لوزير الداخلية، قصد القيام بالتحريات اللازمة على الصعيد الوطني، بشأن المسؤولين التابعين لوزارة الداخلية بالإدارة الترابية على مختلف درجاتهم .. كما وجه جلالته الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، للانكباب على دراسة وتقييم عمل المجالس الجهوية للاستثمار”

أما فيما يرجع، إلى تصنيف “الحاج الشيوعي”، للناخبين إلى ثلاثة أصناف:

  • الصنف الأول: ناخبون شبههم بالخلايا عندما تستيقظ تصوت على التوجهات الإسلامية” .. واصفا إياها بـ”الجيش من الناخبين الذين يصوتون لحزب العدالة والتنمية .. مسترسلا إن خلايا نائمة تصوت لـ”البيجيدي”
  • الصنف الثاني: ناخبون تتم استمالتهم بجميع أنواع المال، وهو أمر مرفوض ـ يضيف الحاج الشيوعي ـ ولا يجب القبول به في المغرب .. وخصوصا، القفة الرمضانية، التي توظف خلال رمضان الحالي، منتقدا ما وصفه بـ”توزيع جميع جود القريبة من حزب التجمع الوطني للأحرار حوالي مليون قفة، تقدر بما بين 150 و 200 درهم، أي ما يقارب 200 مليون درهم، وهو مجموع ما تصرفه الدولة للأحزاب
  • الصنف الثالث: ناخبون هم عامة الشعب، الذين لهم تصويت سياسي؛ وهو الذي يقرر اليوم في المشهد السياسي” .. مشيرا ” السي الحاج” إلى أن هذا النوع عندما يمتنع ويعزف عن التصويت يؤثر على العملية الانتخابية، وذلك إما بالمقاطعة أو عدم التصويت ..  غير أن ما يهمنا هنا، هم أولئك المصوتون، الذين يتم استمالتهم ـ أو بالأحرى استغلال حاجتهم وعوزهم ـ عن طريق شراء أصواتهم؛ فهي حقيقة لطالما تبادلت جميع الأحزاب ـ دون استثناء ـ التهم بشأنها ..  بل أكثر من ذلك، هناك من القياديين البارزين الذين خرجوا عن صمتهم ـ في إطار “شهد شاهد من أهلها” ـ مثل الأستاذ حسن النجمي، الذي فجر مؤخرا قضية التزكيات البرلمانية داخل حزب الوردة ..  وبأن هذه التزكيات يتم بيعها .. ودائما وبخصوص، النقطة المتعلقة باستعمال المال في الانتخابات، فاسألوا عزيز دروش القيادي التقدمي المرشح السابق للأمانة العامة “لحزب المعقول”، والناطق الرسمي باسم الحركة التصحيحية لحزب علي يعته ـ حسب ما صرح به إلي شخصيا ـ عن كيفية تمويل الحملة الانتخابية، “للحاج الشيوعي” بدائرة تمارة 2007، والتي مني فيها بهزيمة شنعاء، رغم صفته الاعتبارية كوزير حينها .. ومشتقاتها .. فاسألوه، فعنده الخبر اليقين ..!

تبقى مسألة القاسم المشترك، التي صوتت عليها جل الأحزاب السياسية، ومن ضمنهم حزب الكتاب، فالهدف الأساسي منها هو قطع الطريق، أمام اكتساح “حزب لامبا” لنتائج الانتخابات التشريعية القادمة من جهة، ومن جهة ثانية تمكين الأحزاب الصغيرة من الظفر ببعض المقاعد، وحزب “الحاج الشيوعي”، أحد هذه الأحزاب الصغيرة، بالنظر لعدد المقاعد المحصل عليها خلال الولاية التشريعية الحالية ..  وإن كان حزبا عملاقا بمواقف زعيمه الأممي المرحوم علي يعته، ومن سار على دربه من المناضلين التقدميين الحقيقيين

وللأمانة هنا، فأنا لا أدافع عن أي حزب سياسي .. فقط وأنا أتناول موضوع “التسول الانتخابي”، استفزتني خرجة “الحاج الشيوعي” الإعلامية، وكأنه إذا تقلد منصب المسؤولية داخل الحكومة القادمة، سيجعل المغاربة غارقين في السعادة والهناء حتى الأذنين ..  فقد نسي أنه ورغم تواجده وحزبه في الحكومة لعقدين بالتمام والكمال، لم تجني منه الوزارات التي تقلد تسييرها، سوى إغراقها بالموالين له .. وعلى حساب الكفاءات الإدارية التي تعج بها الوزارات التي مر منها، وكان آخرها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، التي لم يخلف فيه سوى الاحتقان والغضب، إلى درجة أن نقابة سماتشو المستقلة، كانت سباقة  ـ في سابقة هي الأولى من نوعها ـ إلى إصدار قرار بإعفائه، وذلك قبل صدور بلاغ  الديوان الملكي أعلاه بأسابيع

“سي الحاج الشيوعي”، إن من يمتهن حرفة الضحك على الذقون، هم “مسيري الأحزاب”، الذين التصقوا بكراسي القيادة، بل وعمدوا إلى تعديل ـ حتى لا أقول تفصيل ـ القانون الأساسي لهيئاتهم على مقاصهم، كي يبقوا خالدين فيه، كاتمين على أنفاس المناضلات والمناضلين إلى ما شاء اللـه .. وكأن هذه الأحزاب قد أصبحت ضيعات خاصة، لا ينقص سوى تحفيظها في اسم الدينصورات الحزبية

 اتقوا اللـه في أنفسكم .. اتقوا اللـه في الوطن .. فالإصلاح لن يبدأ إلا من استعدادكم لإصلاح أنفسكم .. والمشروع الديمقراطي بالتالي، لن يكتب له النجاح، إلا بتخليكم جميعا عن كراسي، أضحت جزء منكم .. وأضحيتم جزء منها ..!

 ورغم كل ذلك، فإننا نحمد اللـه ونشكره، على أن وهبنا اللـه ملكا حكيما؛ الخير بين يديه يجتمع .. والخير من بين يديه ينبع .. ملك يقود ثورة ملكية اجتماعية غير مسبوقة .. في ظل أغلبية ومعارضة، تنقصها مبادئ تلك الثورة الثلاثية الأبعاد التي سبق لجلالته، أن أكد عليها في خطابه المولوي الكريم، بمناسبة عيد العرش المجيد، الذي يوافق الذكرى العشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، حين قال حفظه اللـه بالحرف الواحد ـ فيما قاله جلالته ـ : ” فالقطاع العام يحتاج، دون تأخير، إلى ثورة حقيقية ثلاثية الأبعاد : ثورة في التبسيط، وثورة في النجاعة، وثورة في التخليق”.

ولو تحدثا فقط على “تخليق الإدارة”، وأنت الذي كنت كاتما على صدور الكفاءات بقطاع الإسكان وسياسة المدينة .. وأنا واحد منها .. وما طال هذه الكفاءات من تهميش في عهدك .. في الوقت الذي أغرقتَ فيه هذا المرفق العمومي الحيوي والمهم بأتباعك، الذين أبانت الأيام أنهم لم يكونوا يوما ما، في مستوى “كفاءات أبناء الدار” ـ سيتضح بالواضح وبالملموس لك ولغيرك، أنه لم يكن بينك وبين تخليق الإدارة، سوى “الخير والإحسان” .. أو بالأحرى، فأنت آخر من يسمح له بالتحدث عن ” تخليق المرفق العمومي”

 أعتذر للقراء الكرام، ولك أيها “الحاج الشيوعي”، فما كان لي أن أثقل المسامع ولا أن أضيع وقتي و وقت الآخرين، في تناول خرجتك الإعلامية الأخيرة، التي أعتبرها مجرد حملة انتخابية سابقة لأوانها .. حملة فاشلة بكل المقاييس في نظري المتواضع .. وبالتالي، فهي لا تعدو أن تكون مقدمة رديئة لتسول انتخابي، يرفضه جملة وتفصيلا كل إنسان صريح .. مع خالقة .. ومع وطنه .. ومع ملكه

وأنا أحييكم كعادتي في نهاية لحظة التأمل هاته، أقول للطبقة العاملة، في وقت أصبح فيه “النقابي” مجرد ظل باهت “للحزبي”: ” تصبحين على وطن” !

*رئيس المنتدى الوطني لحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق