أخبارجماعات و جهات

تيزنيت بين الوهم والجمود: مجلس جماعي يغتال التنمية ويستثمر في الفشل

تيزنيت – عبد اللـه بوعيسى

تغرق مدينة تيزنيت اليوم في دوامة من الركود السياسي والإنمائي، عنوانها العريض هو عجز المجلس الجماعي عن الانتقال من منطق التبرير إلى منطق الإنجاز، لقد تحولت الجماعة الترابية من مؤسسة منتخبة يفترض فيها خدمة الصالح العام، إلى فضاء مغلق تسوده الحسابات الضيقة، والمصالح المتقاطعة، واستراتيجية ممنهجة لتسويق الوهم على أنه إنجاز

في كل دورة أو مناسبة رسمية، تتكرر العبارات ذاتها: “التأهيل”، “التنمية”، “المشاريع المهيكلة” .. بينما الواقع الميداني يكشف مشهدا مغايرا تماما؛ مدينة فقدت بريقها، ومرافق تموت ببطء، وشباب يهاجر أو يعاني البطالة في صمت، لقد اختزل المجلس دوره في التزيين الإعلامي وشراء الوقت السياسي، بدل مواجهة التحديات الحقيقية بجرأة ومسؤولية

أبرز صور هذا العبث تتجلى في تقبير المحطة الطرقية، التي كنا نتمنى أن تكون مرفقا حيويا يخدم الساكنة وينعش الحركة الاقتصادية .. هذا المرفق تم تفريغه من محتواه، وتحويله إلى فضاء عشوائي لأنشطة موسمية لا قيمة تنموية لها، في مشهد يختزل فلسفة التسيير القائم على الطمس بدل البناء

لقد تحولت المحطة من رمز للحركية إلى شاهد على جمود سياسي وتدبيري مريع .. وإلى جانب ذلك، يظهر في الخطاب الرسمي للمجلس ما يسمى بـ “قرية المعرفة”، مشروع لم ير النور بعد، ومع ذلك يتم تسويقه إعلاميا وكأنه منجز مهيكل ينتظر الافتتاح

إنه نموذج صارخ للوعود الانتخابية التي تستعمل كورقة ضغط نفسية على الساكنة، حيث يتم التلويح بمشاريع مستقبلية دون أي مؤشرات واقعية لتنفيذها

قرية المعرفة تحولت إلى شعار جاهز لكل مناسبة انتخابية، تستعمل لإيهام الرأي العام بأن هناك رؤية واستراتيجية، بينما الحقيقة أنها حبر على ورق، ووعد انتخابي مؤجل لا غير

أما المال العام، فيستمر تبديده بلا حسيب ولا رقيب في مهرجانات ومواسم تنظم سنويا تحت ذرائع ثقافية وتنشيطية، لكنها في الجوهر آليات لتغذية الزبونية السياسية وتدوير نفس الوجوه

لا أحد يعارض الثقافة أو الفنون، لكن ما يجري في تيزنيت هو تضخيم للواجهة وإفقار للمضمون، مهرجانات تلتهم الميزانية بينما المدينة تغرق في العطالة والركود

الوجه الأكثر خطورة في هذا المشهد هو ما يجري في الخفاء: عرقلة منهجية لكل محاولة استثمار حقيقي يمكن أن تنعش المدينة وتخلق فرص الشغل، كأنما هناك من يرى في أي مشروع ناجح تهديدا لمعادلة السيطرة الانتخابية، لأن ازدهار الاقتصاد المحلي يعني تحرر المواطن من الحاجة، وتراجع تأثير الخطاب الشعبوي .. هكذا، تدفن فرص العمل كما دفنت المحطة الطرقية  بقرارات غير معلنة، وبعقلية تخشى التغيير وتخاف من الكفاءات

ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، يبدأ المشهد المعتاد .. أوراش تفتح على عجل .. مشاريع قديمة يعاد إحياؤها إعلاميا، واجتماعات طارئة تعقد تحت شعار “تسريع وتيرة الإنجاز” .. لكن، الساكنة التيزنيتية لم تعد ساذجة، فهي تدرك أن كل هذه الحركات ليست سوى حملة انتخابية سابقة لأوانها، يراد منها التمويه والتغليف السياسي للفشل، لقد نضج الوعي الجمعي بالمدينة، وأصبح المواطن قادرا على التمييز بين العمل الحقيقي وبين مساحيق السياسة

فالإنجاز الحقيقي لا يقاس بعدد المهرجانات، بل بعدد فرص الشغل التي تخلق، ولا يقاس بعدد الصور المنشورة، بل بعدد المشاريع التي تنفذ على الأرض .. تيزنيت اليوم في حاجة إلى قطيعة مع منطق التزييف والاستعراض، وإلى نخب تؤمن بالتنمية كحق لا كوسيلة دعائية، فقد تعب الناس من الأكاذيب السياسية المعلبة، ومن بيع الأوهام تحت مسمى “الإنجازات”

إن ما يجري في تيزنيت ليس مجرد إخفاق إداري، بل أزمة حكم محلي بكل المقاييس، تحتاج إلى محاسبة حقيقية تضع حدا لهذا العبث المتواصل .. فتيزنيت ليست صفحة في حملة انتخابية، وليست منصة لتجريب الخطابات، إنها مدينة تستحق من يخدمها بصدق لا من يستغلها كل خمس سنوات لتجديد شرعية مهترئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق